عبد الله راغب: نقاد صغار شوَّهوا سمعة قصيدة النثر

• يرى أن شعر التفعيلة رتيب وتكرار الإيقاع ممل

نشر في 29-06-2018
آخر تحديث 29-06-2018 | 00:01
يستعد الشاعر المصري المعروف عبد الله راغب أبو حسيبة (56 عاماً) لاستقبال ديوانه الجديد «ظلال» مواصلاً إبداعه قصيدة النثر التي قال في مقابلة مع «الجريدة» إنها أكثر رحابة، معتبراً أن قصيدة التفعيلة «رتيبة»، وأكد الشاعر الذي ينتمي إلى جيل الثمانينيات أن ثمة نقاداً صغاراً شوهوا سمعة قصيدة النثر، وانتقد سيطرة من سماهم بـ«الحرس القديم» على المؤسسات الثقافية العربية. إلى نص المقابلة.
بدأت كتابة الشعر حين كنت طفلاً في المرحلة الإعدادية، وكانت الكتابة لا تتعدّى حدود الخاطرة. وفي المرحلة الثانوية كتبت نصوصاً تفعيلية، ثم بدأت الكتابة تنضج بعد قراءة الشعر العربي القديم والحديث، من المعلقات حتى قصيدة النثر، ونشرتُ بعض النصوص في مجلة «الجديد» التي كان يرأس تحريرها آنذاك الناقد الأدبي المعروف نبيل راغب. توقفت بعد ذلك عن الكتابة مدة 10 سنوات، وحين عاودت الكتابة نشرت ديواني الأول «سيدة الصباح» وهو نص تفعيلي، ثم أصدرت دواوين «هي أعضاء ليست لك»، و«تجذبه إلى آخر الكون»، و«هذا الراقص»، وكنت أتابع كتابات محمد الماغوط، وأنسي الحاج، وترجمات بالعربية لقصائد بودلير، وإليوت، ومالارميه، وغيرهم، وتأكد لي أن قصيدة النثر هي الخلاص.

ولماذا اطمأن قلبك وقلمك إلى قصيدة النثر دون غيرها؟

لأن الإيقاع يمكن العمل به من دون اللجوء إلى تفعيلات الخليل بن أحمد، فهذا الإيقاع غير نمطي، ومتحرك، يرتفع وينخفض، ويهمس حسب الحالة الشعورية أو مقتضى الحال، وهذا ما أعتقده وأشعر به، وذلك لصالح التخييل الأكثر رحابة، والدلالة الأعمق والجمال وهو الأهم في الفنون كافة. ولذا أعتقد أن نصوصي اختلفت عن شعراء جيلي في مصر، حيث أرى أن القصيدة التي تعتمد التفعيلة رتيبة، لأنها تصر على تكرار إيقاع واحد للنص يشعرك بالملل، والذي يحيل المتلقي في منتصف النص أو في منطقة ما حسب مساحته إلى الفرار حقناً للرتابة، ولم تعد تكتب هذه القصيدة بتقنيات فارقة، كتلك التي استخدمتها نازك الملائكة أو صلاح عبدالصبور أو أمل دنقل، حتى وصلت إلى الذروة عند محمود درويش.

قصيدة جيدة

ما القصيدة الجيدة في رأيك؟

القصيدة الجيدة كالمرأة الجميلة، لها مفاتن وروح وغموض خافت لكن يمكن الإمساك به، ولها أيضاً إيقاع وقبول لمن يفهم معنى الشعر الحقيقي. وأعتقد أن هذه هي آليات القصيدة الجيدة وغير ذلك يحيل النص إلى جنس آخر غير الشعر.

ومَنْ يمكن أن نطلق عليه شاعر قصيدة نثر؟

يشترط في كاتب قصيدة النثر أن يكون ملماً بالتراث العربي قدر الإمكان، كذلك التجارب الشعرية العالمية، ليتوافر انضباط في الإيقاع وبنية صوتية جيدة، ما يساعد الشاعر على تمرير نصه إلى القارئ ولا يدخل في دائرة النثر.

يلمح قارئ قصائدك توظيفك بعض المفردات والتراكيب القرآنية... ما السبب؟

ربما يعود ذلك إلى دراستي في المدارس الأزهرية، وفكرة الاستدلال من القرآن في الدراسات الفقهية وعلم التوحيد وغيرها من العلوم الأزهرية، مع العلم بأن الشعراء في أوروبا وأميركا اللاتينية ضمنوا قصائدهم أجزاءً من الإنجيل وهذا أمر طبيعي لأن الشاعر ابن الثقافة التي ينتمي إليها.

يصدر ديوانك الجديد «ظلال» قريباً. ما الملمح الرئيس فيه على مستوى الموضوع والتكنيك وهل ثمة رسالة تحملها قصائده؟

يختلف الديوان نسبياً عن دواويني الأربعة السابقة، في التكنيك وعلى مستوى المفردة اللغوية، كذلك الموضوع. يعتمد كثير من القصائد على «الأبيغرام» أي القصائد القصيرة، التي تمسك بفكرة صغيرة، لكنها تكون بالغة المعنى. أحاول أن أصل بأقل ما يمكن من عدد الكلمات وأكبر قدر من الدهشة وبشكل تفاعلي مع القارئ، ليكون الأثر الفاعل أقصى ما يمكن، وطبعاً سيكون للنص الطويل وجود في الديوان.

انتشار وتنمية

اتجه بعض النقاد إلى كتابة قصيدة النثر. كيف ترى ذلك؟

هذه حالة غريبة ظهرت منذ فترة، إذ انتقل بعض النقاد الصغار إلى كتابة قصيدة النثر عندما تحوّلت النصوص من اللغة الشاعرة إلى ما يسمى بالمتاح واليومي، وتكون هذه النصوص غالباً مجرد «هيستيريا» ولا تنتمي إلى الجمال أو الفن وستضمحل وتموت. للأسف، أضحى الشعر سهل المنال لكل من هب ودب، وأصبح راكب الفرس لا يختلف في هيبته عن راكب الحمار، بعدما حشد هؤلاء النقاد المتشاعرون حولهم جوقة من بعض الشباب الذي لم تنضج تجربته بعد، وأصبحت هناك عصابات كل منها ينهج تقنية معينة وتنفي بعضها بعضاً.

ما الذي سهل انتشار هذه الظاهرة السلبية؟

سهل ذلك أن الناقد المتشاعر وزعيم العصابة يملك نافذة إعلامية يمرِّر عبرها نصوص هذه الجوقة فيسبح كثيرون بحمده ومقدرته الشعرية، وفق منطق العامة «شيِّلني وأشيِّلك»، وانتشر هذا الأمر في العالم العربي لينهار الشعر وتتحول قصيدة النثر من أيقونة إلى قصيدة سيئة السمعة!

ما دور المؤسسات الثقافية العربية في تنمية فن الشعر؟

المؤسسات الثقافية التي يتولاها الحرس القديم من الكُتَّاب، أخذت موقفاً يناهض قصيدة النثر، خصوصاً في مصر، وينظرون بشكل غير علمي لإخراجها من واجهة الإبداع. ولكن في كل مرة يخسرون، لأن مواقفهم انفعالية أكثر من كونها بناءً نقدياً وتصل الخلافات إلى حد نفي الآخر المختلف معهم وتهميشه وفرض حصار مؤسسي عليه، وهذا يفسر أن جوائز الدولة مثلاً أصبحت سيئة السمعة، فقد أُخرجت قصيدة النثر من دائرة المحظوظين، وتذهب الجوائز إلى المبدعين المقربين فحسب لحفظ ماء الوجه لا أكثر.

انتماؤك إلى قصيدة النثر، هل يعني رفضك الشعر العربي القديم؟

نص البداوة الأصيل رائع، لكن لشعراء بعينهم، وقد تأثرت به ولا أنكر ذلك، وما زلت أردد على نفسي بيت قيس ليلى الرائع في التخييل والبنية: «وإني لأستعشى وما بي نعسةُ/ لعلّ خيالا منكِ يلقى خياليا». لكن ثقافتي والبيئة النهرية التي أنتمي إليها شكلت لدي رؤى وإحداثيات تختلف بحكم تكويني الاجتماعي الذي أنتمي إليه، وهو القرية المصرية، التي لها طقوس حياتية تنتمي إلى التراث الفرعوني أكثر من أي تراث دخل على البيئة المصرية.

مقطع من إحدى قصائد ديوان «ظلال»

يرث الشاعر

هزائم أحفاده!

..

يرث الأحفاد

نسيان قصائده!

..

يبتهجون

عندما يرقد الجسد المطعون

على مذبح الكنيسة،

يتنازعه

شيخ المسجد

والقس

وشيطان الشعر!

..

بينما يبكي بيت قديم

رائحة عرقه

وأغنياته

عن رام الله التي تركض

إليه مذ مئة عام

ولم تصل بشارتها بعد

وفي كفيها

بقية القصيدة

الإلمام بالتراث العربي والتجارب العالمية شرط لمَنْ يكتب قصيدة النثر
back to top