«البروتينات المصممة»... هل تجنِّبنا السرطان؟
«تنتهي» الكروموزومات، أو جزيئات الحمض النووي في الخلايا التي تحمل المواد الوراثية، بتيلوميرات تمنعها من «الانفراط» وتؤدي أيضاً دوراً مهماً في عملية نمو الخلايا وتقدمها في السن. ولكن ماذا يحدث عندما «يخطفها» السرطان؟ وهل من الممكن تفادي ذلك؟
«تنمو الخلايا الطبيعية خلال الفترة الضرورية التي تتيح لنا تنمية أجسامنا والحفاظ عليها»، يوضح أوليفر راكهام، بروفسور مساعد من جامعة غرب أستراليا في كرولي.تحمل الخلايا آليات ميكانيكية «تحدِّد» لها كم يلزم أن تنمو ومتى يحين الوقت للتوقف عن النمو.تشمل إحدى هذه الآليات التيلوميرات، التي تشكّل «أغطية» في نهايات الكروموزومات، علماً بأن الأخيرة تحمل المعلومات الوراثية.«ترتبط» التيلوميرات بخيوط منفصلة من الحمض النووي «تتدلى» في نهايات الكروموزومات أو أطرافها، حاميةً إياها على ما يبدو.
يذكر راكهام: «تتحكم الخلايا في نموها بواسطة آلية عد جزيئية تحدد للخلية مدى عمرها. يحصل ذلك عند أطراف الكروموزومات التي تحمل أغطية صغيرة».يضيف: «كلما انقسمت الخلية، اختفى جزء من غطاء الكروموزوم. وعندما تتقلص الأغطية إلى طول محدد، تدرك الخلية أنها انقسمت مرات كافية. وهكذا تكف عن النمو أو تموت».
كيف يُحدث السرطان خللاً في نمو الخلايا؟
لكن المشكلة تنشأ عندما لا تقصر التيلوميرات تدريجياً كما يُفترض. من الطبيعي خلال الطفولة أن يكون أمام التيلوميرات «حياة أطول»، بما أن الإنسان لم يكبر وينمو بعد.ولكن إذا تعرضت الآلية التي تضبط تقلص التيلوميرات وعملية تقدم الخلايا في السن لخلل، فما عادت التيلوميرات تقصر، تواصل الخلية نموها بشكل غير طبيعي. أظهرت الأبحاث أن هذا ما يحدث تحديداً مع السرطان. «تخرّب الخلايا السرطانية آلية العد، التي تقلص أطراف الكروموزومات، كي تتمكن من مواصلة التكاثر إلى ما لا نهاية»، وفق راكهام.ولكن كيف «يخطف» السرطان التيلوميرات؟ يجيب الباحث: «بإنتاج إنزيم يُدعى تيلوميراز. نحتاج إليه عندما نكون أطفالاً وننمو بسرعة كبيرة، إلا أننا نتوقف عن إنتاجه حين نكف عن النمو بسرعة».يحتوي نحو 09% من الخلايا السرطانية كافةً على التيلوميراز، ما يؤدي بالتالي إلى خلل في آلية الضبط الذاتي في الخلايا الطبيعية، حسبما يوضح راكهام.بروتينات اصطناعية
يعمل راهناً راكهام وفريق من المتخصصين من مركز هاري بركنز للأبحاث الطبية التابع لجامعة غرب أستراليا على التوصل إلى طريقة فاعلة لمنع التيلوميراز من تسهيل نمو الخلايا السرطانية غير الطبيعي هذا.يعمل هذا الإنزيم «بإطالة» التيلوميرات في نهايات الكروموزومات، «مجدداً» بالتالي مدى حياتها.أفاد هؤلاء الباحثون في مقال نُشر في مجلة Nature Communications أن هذا الفريق من جامعة غرب أستراليا طوّر بروتينات اصطناعية تلتف حول نهايات الكروموزومات، ما يمنع بالتالي التيلوميراز من «تعزيز» التيلوميرات.يوضح راكهام: «تحتجز هذه البروتينات الخيوط المنفصلة من الحمض النووي حاميةً بالتالي التيلوميرات ومانعة اليتلوميراز من مسها». يتابع: «صمم مختبرنا بروتينات تستطيع للمرة الأولى تمييز خيوط الحمض النووي المنفصلة والاتحاد بها. ويمكننا ببساطة برمجة هذه البروتينات كي تستهدفها».بهذه الطريقة، نجح الفريق في إحداث خلل في الآلية الجزيئية التي «يخطفها» السرطان لإطلاق عملية نمو الخلايا غير المضبوطة والمؤذية التالية. عبّر الباحثون عن حماسة كبيرة تجاه هذا الاكتشاف، مشيرين إلى أن تطوير بروتينات قادرة على الاتحاد بخيوط الحمض النووي المنفصلة قد يُستخدم في المستقبل في مجالات عدة لأغراض علاجية.يختم الباحثون: «أظهرنا في الدراسة أننا قادرون على تصميم بروتينات تميّز تسلسلات معينة مثيرة للاهتمام من خيوط الحمض النووي المنفصلة، علماً بأن هذه قد يكون لها تطبيقات محتملة كثيرة في علم الأحياء والتكنولوجيا الحيوية».