نهاية دلع البنات!

نشر في 15-06-2018
آخر تحديث 15-06-2018 | 00:00
No Image Caption
كلمة القاضي حكم. وكي يكون الحكم واجب النفاذ، ينهي حياة إنسان أو يمنحه فرصة أخرى للحياة، فعلى القاضي أن يدرس أوراق القضية التي ينظرها بعناية شديدة. عليه أن يتعمّق في كل جملة وكلمة وحرف، كذلك أن يستعرض ما بين السطور، لتستقر في وجدانه قناعة بإدانة المتهم أو براءته.

من هنا، فإن أجندة أي قاضٍ تحتوي على تفاصيل كثيرة أثّرت في إصداره الحكم النهائي على المتهمين، أو على أقل تقدير في تكوين قناعته عند النطق بالحكم الصادر، وهو ما يُطلق عليه قانوناً جملة نسمعها كثيراً عند صدور الأحكام القضائية وهي: «وقد استقر في وجدان هيئة المحكمة».

ملفات القضايا التي ينظرها القضاة مليئة بأوراق تحتوي على تفاصيل وحكايات أسهمت بقدر كبير في ارتكاب متهم جريمة ما، في المقابل على العكس قد تكون غير كافية لإدانته. وربما تحتوي هذه الملفات على أوراق أخرى تحمل خيوطاً عدة تحدِّد الدوافع التي أحاطت بالمتهم لارتكاب جريمته. ولكن يقف القاضي عاجزاً إزاء هذه التفاصيل بسبب نصوص القانون الجامدة، فلا يستخدمها في إصدار الحكم النهائي تحت بند «عدم كفاية الأدلة».

هذه الحكايات والتفاصيل المدونة في أجندة القضاة والتي تسهم في ما قد يستقر به من قناعات، نستعرضها في قضايا غريبة ننشرها على صفحات «الجريدة» خلال شهر رمضان الفضيل، وهي قضايا كانت وقت نظرها مثار اهتمام الرأي العام في مصر وغيرها من بلاد العالم العربي.

علا وسلوى فتاتان جميلتان، ولكن كما يقولون: بينهما ما صنع الحداد!

الأولى سمراء البشرة في السابعة عشرة من العمر، تلميذة في الصف الثاني الثانوي، تعيش مع والدتها بمفردها بعد سفر الأب إلى إحدى الدول العربية منذ سنوات لجمع المال، ويتولى خالها سعد صاحب محل الحلويات الشهير رعايتها ووالدتها في ظل غياب الأب في غربته.

أما الثانية فبيضاء البشرة في الثامنة عشرة من عمرها، تلميذة بالثانوية العامة، تعيش مع والدتها وشقيقها الأصغر حسام في الشقة المقابلة لشقة علا في أحد أحياء مدينة دمنهور التابعة لمحافظة البحيرة (150 كيلومتراً شمال القاهرة). توفي والدها منذ سنوات في حادث تصادم وترك أسرته الصغيرة أمانة في عنق شقيق الزوجة الأسطى حسين صاحب ورشة الخراطة القريبة من المنزل ليتولى رعاية الأسرة والانفاق عليها.

شاب وسيم

كان سبب العداوة بين التلميذتين الجارتين شاب يدعى سامح، طالب في السنة الثانية في إحدى كليات القمة، وسيم ومفتول العضلات، وثري. باختصار، عريس «لقطة» في منظور الأهل التقليدي.

أغرم الشاب بالفتاة السمراء علا، انجذب إليها منذ أن رآها ذات يوم تسير محتضنة كتبها وهي عائدة من المدرسة. ظل أشهراً طويلة يطاردها ويحاول التقرب والتحدث إليها، حتى نجح ذات مرة في إيقافها في الشارع ومن دون أية مقدمات باح لها بكل ما يجيش به صدره تجاهها. ارتبكت الفتاة وأسرعت والفرحة تتراقص بين ضلوعها ولم تنم لأيام عدة.

الفتاة الأخرى سلوى أو الجارة اللدود لعلا استشعرت أن بين سامح وعلا إعجاباً، فاشتعلت نيران الحقد في قلبها الصغير، خصوصاً أنها تتحرق شوقاً لشاب ثري ووسيم مثل سامح يحمل المواصفات والمميزات التي تبحث عنها الفتيات. فوراً، بدأت بكل غل وحقد بمطاردة حبيب جارتها أو العريس «اللقطة»، ونجحت ذات يوم في التعرف إليه وألقت بشباكها حوله، فسقط سامح بسذاجة في الفخ. أهمل محبوبته علا وبدأ يسعى إلى لقاء سلوى والتقرب إليها أكثر.

راحت سلوى بذكائها الأنثوى تبث سمومها في قلب سامح نحو محبوبته علا. كانت تروي له حكايات غريبة ومختلقة عن جارتها الصغيرة، وانطلت أكاذيبها على الشاب الثري الوسيم سامح الذي صدق كلامها عن عدوتها اللدودة علا، وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير التهمة البشعة التي ألصقتها بها عندما قالت لمحبوبها إنها مجرد فتاة لعوب سيئة السمعة!

مات الحب

يقول المثل الشعبي: الزن على الودان أمرّ من السحر!

ومن هنا نجحت محاولات الفتاة سلوى في إبعاد الشاب الوسيم سامح عن الفتاة البريئة علا. وكذبة وراء أخرى مات الحب بينهما في مهده. طبعاً في البداية لم تفهم الفتاة السمراء علا سر ابتعاد حبيبها عنها فجأة، ولكنها استشعرت بأن جارتها سلوى كانت السبب الرئيس وراء هذا الجفاء غير المبرر من سامح تجاهها.

عن طريق صديقة مشتركة بينها وبين سامح. حصلت علا على دليل ما قالته عدوتها اللدود سلوى عنها لمحبوبها وكل الأكاذيب التي رددتها عليها. وطبعاً، لم تنس علا هذه الوشاية الحقيرة، وقررت أن تتحين الفرصة لرد الصفعة إلى جارتها الحاقدة سلوى بعدما حرمتها من أجمل إحساس تعيشه فتاة مراهقة في سنها.

أبشع التهم

كان انتقام علا من سلوى بالأسلوب نفسه.

نسجت هي أيضاً الأكاذيب حول جارتها واتهمتها بأبشع التهم، وكانت صديقتها التي أبلغتها بسبب جفاء سامح تجاهها هي نفسها من أبلغت سامح بالأكاذيب التي نسجتها علا من خيالها. لم تكن الفتاة السمراء علا تفكر في استعادة حبيبها إنما في الانتقام من غريمتها سلوى. ونجحت الخطة. ابتعد سامح الشاب الثري الوسيم تماماً عن سلوى بل وغادر مدينة دمنهور كلها.

نجاح الفتاة الصغيرة علا في مهمة الانتقام من جارتها سلوى لم يكن سوى جزء من حرب استنزاف طويلة الأمد خاضتها مع جارتها من خلال مناوشات راحت تفتعلها كلما لمحتها تخرج أو تدخل إلى الشقة المقابلة لشقتها. تارة تلقي عليها بكيس القمامة عمداً، وطوراً ترشها بالمياه، أو تسبها بأفظع الألفاظ من دون سبب... وفي كل هذه المناوشات كانت والدة سلوى تتدخل لحماية ابنتها قبل أن يتطور الأمر إلى مشاجرة بين الصغيرتين. وطبعاً، تندفع والدة علا بدورها إلى إنقاذ ابنتها. وهكذا انتقلت عداوة الفتاتين إلى والدتيهما وأصبح العداء جماعياً خلال بضعة أيام ولا أحد يعرف السر سوى علا وسلوى!

رد الصفعة

هزيمة سلوى في هذه الجولة لم تكن تعني الاستسلام ورفع الراية البيضاء معلنة انتصار عدوتها اللدودة علا عليها. لم تذق الفتاة الصغيرة بيضاء البشرة طعماً للنوم. ظلّت ساهرة والغل يعتصر قلبها تفكِّر في رد قوي للصفعة التي وجهتها لها علا وتسببت في هروب العريس اللقطة من المدينة كلها بعدما كان قاب قوسين أو أدنى من الزواج منها!

فكرت سلوى في الانتقام المزدوج من عدوتها اللدودة علا وصديقتها التي ساعدتها في «تطفيش» العريس بعدما ملأت رأس سامح بأكاذيب من نسج الخيال.. وفعلاً، استغلت سلوى لقاء بالمصادفة جمعها بصديقة علا واشتبكت معها في معركة وأوسعتها ضرباً وأسقطتها على الأرض، ثم قالت لها في تهديد واضح وصريح:

قولي للبنت اللي مشغلاكي إني مش هاسيبها هي كمان!

واسرعت الفتاة إلى علا وأبلغتها رسالة التهديد!

وأقسمت الفتاة السمراء علا لصديقتها أنها سوف تأخذ لها حقها وبأسرع مما تتخيل. فلم يعد ثمة وقت للمناوشات. حان وقت حسم الأمور المعلقة بينها وبين جارتها اللدودة.

صباح ذات يوم استيقظ سكان العمارة على صرخات الجارتين العدوتين سلوى وعلا في بئر السلم عندما التقت الفتاتان مصادفة على السلم أثناء توجههما إلى المدرسة. حينها أمسكت علا بشعر عدوتها سلوى وسحبتها على درج السلم في قسوة. ونجحت سلوى في التخلص منها وبادلتها الصفعات والركلات.. ولم تمض ثوان حتى تدخلت أم كل فتاة في المعركة ولم يفلح الجيران في فض الاشتباك الشرس بين الطرفين إلا بعد ربع ساعة كاملة من العراك النسائي.

انتهت المعركة سريعاً.. وكانت خسائر الطرفين كثيرة... علا تلقت لكمة من والدة سلوى، ووالدة علا أصيبت بجرح في رأسها نتيجة زجاجة قذف بها حسام الشقيق الأصغر لسلوى في المعركة. أما على الجانب الآخر فقد أصيبت سلوى ووالدتها بجروح عدة وكدمات، وكاد شقيق سلوى حسام يخسر عينه جراء إحدى اللكمات التي سددتها له علا!

انتقام

لم يكن ممكناً أن يمضى ما جرى بسهولة.

والدة علا أمسكت سماعة الهاتف واتصلت بشقيقها سعد في محل الحلويات واستدعته على عجل لينتقم لها ولابنتها من جارتها. كذلك أرسلت والدة سلوى ابنها الأصغر حسام ليستدعي خاله الأسطى حسين من ورشة الخراطة القريبة من المنزل ليحميها ويرد لها كرامتها المهدورة.

وبعد ربع ساعة وصلت قوات الإنقاذ إلى الجانبين المتنازعين.

الأسطى حسين وصل أولاً ووقف أسفل العمارة يهدد بأعلى صوته جارة شقيقته ويحذرها من المساس بشقيقته وابنتها مجدداً. وبعده بدقائق قليلة وصل شقيق والدة علا سعد وبصحبته أحد العاملين في محل الحلويات واللذين لم يتمالكا أعصابهما وأسرعا بالاشتباك مع الأسطى حسين لإطلاقه التحذيرات والتهديدات والسباب لشقيقة سعد.

كلمة من هنا، وأخرى من هناك...

التهمت نيران الغضب عقول الجميع، ودارت معركة حامية الوطيس بين الأسطى حسين الخراط وبين سعد شقيق والدة علا ومساعده العامل بمحل الحلويات. لكمة هنا وأخرى هناك تحول بعدها الشارع كله إلى ساحة قتال ووقف المارة والجيران يشاهدون المعركة المستعرة من دون أن يتدخّل أحد منهم لفض المشاجرة، ووقفت كل جبهة تمطر الجبهة الأخرى بزجاجات المياه الغازية الفارغة.

في لحظة... أمسك الأسطى حسين بغريمه سعد وسدد له لكمات قوية وأسقطه على الأرض، فاندفع العامل الذي جاء لمساعدة سعد في المعركة نحو حسين وراح يكيل له اللكمات السريعة والقوية ولكن الأسطى كان يتمتع ببنيان قوي منحه ميزة التفوق على العامل أيضاً.

ثورة عارمة

أفاق سعد، شقيق والدة علا، من أثر اللكمات التي تلقاها وفي ثورة غضب عارمة نهض من على الأرض وأسرع إلى محل الجزارة الموجود بالقرب من المعركة، وفي غضب عارم استل سكيناً في غفلة من صاحب المحل وعاد إلى ساحة القتال حيث كان الأسطى حسين الخراط يمسك بالعامل الذي جاء مع سعد لنصرته ويوسعه ضرباً.

ومن دون تفكير انتظر سعد أن يستدير الأسطى ليصبح في مواجهته... وفي اللحظة المناسبة غرس السكين بقوة في قلب حسين الذي تهاوى وراح يترنح للحظات، فعاجله العامل بضربة أخرى من سكين أخرجها من بين طيات ملابسه ليسقط الأسطى حسين الخراط على الأرض جثة هامدة ويطلق عدد من المتابعين للمعركة صرخاتهم المدوية.

المحكمة

انتهت المعركة بقتيل.

هرع رجال الشرطة إلى ساحة القتال في دقائق، ونجحوا في إلقاء القبض على القاتلين قبل هروبهما واقتادوهما إلى النيابة التي قررت حبسهما وإحالتهما إلى المحكمة لمعاقبتهما.

إزاء محكمة جنايات دمنهور التي عقدت جلساتها برئاسة المستشار محمد شعيب وعضوية المستشارين عبد الله الكيلاني وأحمد معروف، طالبت النيابة بتوجيه تهمة القتل العمد إلى القاتلين في حين طلب محامي المتهمين اعتبار القضية ضرباً أفضى إلى موت.

استمعت المحكمة إلى تفاصيل الجريمة واعترافات المتهمين اللذين بررا ارتكابهما الجريمة بالدفاع عن الشقيقة وابنتها، لتقضي المحكمة في نهاية الجلسة بمعاقبتهما بالسجن المشدد لكل منهما 15 عاماً.

وخرجت سلوى ووالدتها من قاعة المحكمة ودموعهما تغطي وجهيهما بعدما دفع شقيق الأم الأسطى حسين حياته ثمناً لدلع البنات.

الصراع بين تلميذتي الثانوية على عريس أسفر عن قتيل في الشارع!

المحكمة ترفض توصيف الجريمة بضرب أفضى إلى الموت

الحكم على القاتلين بالسجن المشدد 15 عاماً
back to top