لا تنشئوا قواعد أميركية في بولندا

نشر في 09-06-2018
آخر تحديث 09-06-2018 | 00:02
قاعدة عسكرية أميركية
قاعدة عسكرية أميركية
إذا أرادت أوروبا الشرقية تعزيز تأثير حلف "الناتو" الرادع، فلن يشكّل الوجود العسكري المثير للشقاق على الأرجح الحل، فمن الأفضل صيانة تماسك التحالف مع الحرص على بقاء قوات مدربة ومتأهبة دوماً للتدخل إذا دعت الحاجة.
يُعتبر حلف شمال الأطلسي (الناتو) التحالف العسكري الأكثر نجاحاً في التاريخ بسبب تماسك أعضائه، لذلك من الضروري التحقق من أي سياسة تهدد بتقويض ذلك بعين ناقدة ثاقبة.

أولاً، يعتبر الكثير من حلفائنا إقامة قواعد عسكرية أميركية في بولندا (أو أي دولة أخرى في أوروبا الوسطى أو الشرقية) استفزازاً لا داعي له، إذ تمنح هذه الخطوة موسكو فرصة سهلة للادعاء أن «الناتو» معتدٍ والرد بطريقة ما بغية حماية السيادة الروسية.

تشكّل إقامة وجود عسكري أميركي دائم في بولندا، كما طلبت الحكومة البولندية وفق بعض التقارير، خطوة يجب ألا نقدم عليها، إلا إذا أجمع حلفاؤنا كلهم على أنها تعزز الردع وتحسّن وضع الناتو الأمني عموماً.

لكن هذا الإجماع مستبعد، وذلك لأسباب وجيهة.

بخلاف برنامج القوات الدورية الراهن، الذي يبقى فيه الجنود في البلد لفترات زمنية محدودة ومن ثم يعودون إلى قواعدهم في الولايات المتحدة، يتطلب إنشاء قاعدة دائمة من الولايات المتحدة إقامة منشآت، ومساكن للعائلات، ومدارس، ومتاجر وكل البنى التحتية التي ترافقها. كذلك يعتبر البعض هذا انتهاكاً لوثيقة تأسيس روسيا- الناتو لعام 1997، التي تشكّل خارطة الطريق للتعاون الأمني بين هذين الكيانين، ولا شك في أن هذا ما ستراه موسكو في عمل مماثل.

بالإضافة إلى ذلك، ثمة طرق أخرى لردع روسيا غير بناء قواعد دائمة، منها توسيع استخدام القوات الدورية لتشمل أمم الجناح الشرقي كافةً، من إستونيا وصولاً إلى بلغاريا، فضلاً عن أوكرانيا وجورجيا.

لا أعتقد مطلقاً أن هذه الخطوة تعد انتهاكاً، فقد أطاح الروس بهذا التوصيف عندما غزوا أوكرانيا وبدلوا البيئة الأمنية التي جرى تصورها عندما وُقعت هذه الوثيقة. لكنني لا أظن أيضاً أن من الحكمة المضي قدماً بسياسة تعزز المخاوف الروسية، بغض النظر عما إذا كانت واقعية أو لا. كذلك قد تؤدي هذه الخطوة إلى المزيد من الاحتكاك مع حلفاء يشعرون بالاستياء أساساً بسبب انسحاب واشنطن من الصفقة النووية الإيرانية والرسوم الجمركية التي أعلن ترامب فرضها أخيراً على الفولاذ والألمنيوم.

ثانياً، لا ضرورة لإنشاء قاعدة في أوروبا الشرقية، إذ يشكّل برنامج التدريب ونشر الجنود الحالي وغيره من التدابير المهمة (منها تخزين المعدات الضرورية للكتائب المدرعة في مخازن محددة مسبقاً) جزءاً من جهد راسخ لضمان الردع المناسب ضد أي اعتداء روسي محتمل. كذلك من المتوقع خلال قمة الناتو في بروكسل في شهر يوليو أن تتبنى الدول الأعضاء مبادرة حلف شمال الأطلسي للتكيّف، التي صُممت بهدف منح التحالف قدرات تفاعل أكثر مرونة، ولا شك في أن هذه المبادرة ستحسّن هذا الجهد.

التزام بالردع

علاوة على ذلك، برهن نشر مجموعات «الوجود المتقدم المعزز» القتالية في إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، وبولندا في مطلع عام 2017، قبل أشهر من قمة الناتو في وارسو، عن التزام حقيقي بالردع، فقد أظهرت السرعة التي نُشرت بها مدى حزم الناتو، كذلك عكست تركيبتها المتعددة الجنسيات مع مساهمةٍ من إيطاليا، وإسبانيا، وكرواتيا، التزاماً على نطاق التحالف بأكمله.

وما يستحق التوقف عنده قرار ألمانيا تحمّل المسؤولية بصفتها الدولة الإطارية للمجموعة المقاتلة المنتشرة في ليتوانيا. كانت ألمانيا أول مَن قام بذلك أو مَن نشر جنوده. وقد شكّلت خطوتها هذه إشارة قوية إلى روسيا وإلى حلفائها الآخرين في الناتو أيضاً، كذلك اعتُبرت عودة كندا إلى القارة الأوروبية بصفتها دولة إطارية للمجموعة المقاتلة في لاتفيا رسالة التزام إستراتيجية أخرى.

بالإضافة إلى ذلك، عززت التحسينات المستمرة التي تشهدها عملية نشر الجنود تماسك هذه العملية وفاعليتها. ولا شك في أن تدريب «Saber Strike 18»، الذي سيُنفَّذ في الدول الأربع مع قدوم جنود من ألمانيا ووصول فريق قتال الكتيبة المدرعة الدورية الجديدة من الولايات المتحدة، سيزيدها قوة.

معارضة الكونغرس

ثالثاً، من الناحية العملية، من غير الممكن بكل بساطة إبقاء فرقة قتال كتيبة مدرعة بشكل دائم في أوروبا الشرقية، إذ تتطلب هذه الخطوة توسيعاً للجيش الأميركي لا يبدو محتملاً اليوم، وإلا فسيضطر الجيش إلى نقل إحدى فرقه القتالية الراهنة من مركزها الحالي في تكساس، أو كنساس، أو كولورادو. ومن المؤكد أن هذا التغيير سيصطدم بمعارضة قوية في الكونغرس من ممثلي تلك الولايات. فضلاً عن ذلك، نظراً إلى قرارات اتُّخذت قبل ست سنوات، ما عاد بالإمكان نقل أي من فرق قتال الكتائب المدرعة المتمركزة أساساً في ألمانيا إلى مناطق أبعد شرقاً.

أخيراً، يجني الجيش وبالتالي القيادة الأوروبية الأميركية الفوائد من الجاهزية المتنامية التي ترافق الاعتماد على فرق قتال دورية، حيث تنتقل الفرقة الدورية من مقرها بواسطة القطار إلى بومونت بتكساس، ثم تسافر بالسفينة إلى أحد المرافئ الأوروبية لتتنقل بعد ذلك براً بواسطة قطار أو موكب إلى نقاط التجمّع في غرب بولندا.

هذا بالتحديد المسار الذي ستتبعه في حال صادفت أزمة حقيقية، لذلك تُعتبر عملية النشر هذه تمريناً قيّماً لنا جميعا، بما أننا نعيد تعلّم ما عرفناه خلال الحرب الباردة.

رغم ذلك، من المنصف أن نتأمل اقتراح وارسو، إذ يعتقد حلفاؤنا الشرقيون أن وجود القوات الأميركية يزيد إلى حد كبير تأثير الردع لأنهم يظنون أن روسيا لن تهاجم مطلقاً وتخاطر بمواجهة محتدمة مع القوات الأميركية واحتمال قتل الروس أميركيين.

اختصاصيون لوجستيون

وثمة طرق عدة تتيح لنا تحقيق هذا التأثير الاستراتيجي من دون تهديد تماسك التحالف، يجب توسيع القوات الدورية لتشمل كل أمم الجناح الشرقي، من إستونيا وصولاً إلى بلغاريا فضلاً عن أوكرانيا وجورجيا. ما نحتاج إليه في هذه الدول حقاً اختصاصيون لوجستيون، وخبراء في الدفاعات الجوية والصاروخية، وشرطة عسكرية، بالإضافة إلى خبراء في مجالَي الاستخبارات والاتصالات.

يمكننا العثور على معظم هؤلاء في احتياطي الجيش والحرس الوطني التابع له. ويتبع الحرس الوطني برامج شراكة مع كل الأمم الأوروبية الشرقية هذه، مما يقدّم بالتالي فرصاً تلقائية لتعزيز الوجود الأميركي فيها كلها.

إذن، إذا أرادت أوروبا الشرقية تعزيز تأثير الناتو الرادع، فلا يشكّل الوجود العسكري المثير للشقاق على الأرجح الحل، فمن الأفضل أن نصون تماسك التحالف مع الحرص في الوقت عينه على بقاء قوات مدربة وجاهزة متأهبة دوماً للتدخل إذا دعت الحاجة.

بن هودجز- بوليتيكو

هناك طرق أخرى لردع روسيا غير بناء قواعد دائمة منها توسيع استخدام القوات الدورية لتشمل أمم الجناح الشرقي كافةً من إستونيا إلى بلغاريا وأوكرانيا وجورجيا
back to top