رعب في المنزل رقم 17!

نشر في 08-06-2018
آخر تحديث 08-06-2018 | 00:00
No Image Caption
كلمة القاضي حكم. وكي يكون الحكم واجب النفاذ، ينهي حياة إنسان أو يمنحه فرصة أخرى للحياة، فعلى القاضي أن يدرس أوراق القضية التي ينظرها بعناية شديدة. عليه أن يتعمّق في كل جملة وكلمة وحرف، كذلك أن يستعرض ما بين السطور، لتستقر في وجدانه قناعة بإدانة المتهم أو براءته.

من هنا، فإن أجندة أي قاضٍ تحتوي على تفاصيل كثيرة أثّرت في إصداره الحكم النهائي على المتهمين، أو على أقل تقدير في تكوين قناعته عند النطق بالحكم الصادر، وهو ما يُطلق عليه قانوناً جملة نسمعها كثيراً عند صدور الأحكام القضائية وهي: «وقد استقر في وجدان هيئة المحكمة».

ملفات القضايا التي ينظرها القضاة مليئة بأوراق تحتوي على تفاصيل وحكايات أسهمت بقدر كبير في ارتكاب متهم جريمة ما، في المقابل على العكس قد تكون غير كافية لإدانته. وربما تحتوي هذه الملفات على أوراق أخرى تحمل خيوطاً عدة تحدِّد الدوافع التي أحاطت بالمتهم لارتكاب جريمته. ولكن يقف القاضي عاجزاً إزاء هذه التفاصيل بسبب نصوص القانون الجامدة، فلا يستخدمها في إصدار الحكم النهائي تحت بند «عدم كفاية الأدلة».

هذه الحكايات والتفاصيل المدونة في أجندة القضاة والتي تسهم في ما قد يستقر به من قناعات، نستعرضها في قضايا غريبة ننشرها على صفحات «الجريدة» خلال شهر رمضان الفضيل، وهي قضايا كانت وقت نظرها مثار اهتمام الرأي العام في مصر وغيرها من بلاد العالم العربي.

تجمَّع المارة لمتابعة المشادة الحامية التي نشبت في أحد الشوارع الرئيسة بمدينة دمنهور التابعة لمحافظة البحيرة (190 كيلومتراً شمال القاهرة). كانت بين شاب في نهاية العقد الثالث من العمر وصبي لم يتجاوز الرابعة عشرة عاماً!

لم يعرف أحد سبباً لتلك المشاجرة غير المتكافئة... ولكن اكتفى الجميع بمشاهدة الضربات القوية التي يسددها الشاب قوي البنية إلى الصبي الضعيف بلا رحمة. دقائق وانضم سعيد، المحاسب الشاب الذي لم يكمل عامه الخامس والعشرين إلى جموع المتفرجين من المارة. وقف بينهم يشاهد المعركة، وبعد ضربات ساحقة من الشاب إلى الصبى رقّ قلب سعيد لحال المسكين فاندفع محاولاً تخليصه من بين يدى الشاب مفتول العضلات!

طبعاً، لم يرق تدخّل سعيد لحماية الصبي الشاب مفتول العضلات، فبدأ بضرب المحاسب. وكانت معركة متكافئة هذه المرة بين شابين يافعين، وكانت بحق حامية الوطيس لقن خلالها المحاسب ذلك الشاب المغرور درساً قاسياً وأسقطه على الأرض مرات عدة وسط تشجيع حار من الصبي وعدد من المشاهدين.

الشرطة

أحد رجال الشرطة الذي صودف مروره في المكان نجح في إنهاء المعركة بين المحاسب الشجاع سعيد وبين الشاب مفتول العضلات، والذي تبين أنه أحد أبطال رياضة كمال الأجسام واسمه مختار.

اقتاد الضابط الشابين إلى قسم الشرطة. وهناك أدلى كل منهما بأقواله وتم تحرير محضر بالواقعة. وكان على المحاسب الشاب سعيد وغريمه البطل الرياضي الشاب مختار أن يختارا بين أمرين: الأول أن يتصالحا ويغادرا القسم بسلام. والثاني أن يتمسك كل منهما بموقفه وتُستكمل الإجراءات بوضعهما سوياً في السجن إلى حين العرض على وكيل النائب العام للفصل في أمرهما.

واختار الطرفان الصلح... وغادرا قسم الشرطة.

اعتقد سعيد المحاسب الشاب أن الأمر انتهى عند هذا الحد. ولكنه فوجئ بغريمه البطل الرياضي مختار يستوقفه عند باب قسم الشرطة أثناء انصرافهما ويقول له في غضب:

** أوعَ تفتكر إن الحكاية خلصت... دى كده ابتدت؟!

لم يعر المحاسب الشاب كلمات غريمه اهتماماً. مضى إلى حال سبيله من دون أن يدري أن تهديد البطل الرياضي مختار له كان جدياً، وأنه لن يتركه يفلت لتفوقه عليه في المعركة التي نشبت بينهما في ذلك اليوم.

في النادي الرياضي

من قسم الشرطة... انطلق الشاب مفتول العضلات مختار متوجهاً إلى أحد الأندية الرياضية الخاصة بمدينة دمنهور. هناك راح يبحث في صالة تدريب رياضة كمال الأجسام عن شقيقه الأكبر رفعت، مدرب كمال الأجسام وأحد الأبطال السابقين لهذه الرياضة. وقصّ عليه حكايته مع المحاسب الشاب سعيد الذي أهانه على الملأ... وراح مختار يطالب شقيقه بضرورة الانتقام له في الحال.

حكاية الشاب مختار التي رواها بانكسار لشقيقه الأكبر اشعلت نار الغضب في صدر رفعت الذي لم ينطق سوى بجملة واحدة:

** انت تعرف عنوان الواد ده؟!

وأجابه شقيقه الأصغر مختار والابتسامة ترتسم على قسمات وجهه:

- طبعاً. عرفت عنوان بيته وعنوان شغله من المحضر وفاكره أكثر من اسمي!

ورد رفعت غاضباً:

** سيبك من عنوان شغله. أنا عاوز عنوان بيته علشان لازم أخليه عبرة قدام أهله وجيرانه!

بمجرد أن أدلى الشقيق الأصغر بعنوان غريمه المحاسب سعيد الذي ذكره في محضر الشرطة، حتى أسرع رفعت باستدعاء صديقه فتحي، صاحب النادي الرياضي وطلب إليه مساعدته في الانتقام لشقيقه الأصغر مختار...

وراح رفعت يقنع صديقه فتحي أن سمعة النادي الرياضي الذي يمتلكه على المحك بعد هزيمة مختار على يد شاب آخر... ووسوس قائلاً:

** الناس هتقول إيه علينا بننصب! لما كل العضلات دي عيِّل يمسح بيها الأرض. لازم ندافع عن سمعتنا وسمعة المكان يا فتحي ولازم الرد يكون كبيراً جداً!

واقتنع فتحي بكلمات صديقه البطل الرياضي السابق رفعت وقام بدوره بجمع ثلاثة آخرين من أبطال رياضة كمال الأجسام الموجودين بالنادي. وعقد أفراد كتيبة أبطال كمال الأجسام الخمسة جلسة مغلقة يرسمون خطة الانتقام من المحاسب الشاب سعيد الذي أهان شقيق رفعت الأصغر.

اجتماع واقتراح

كان الاجتماع عاصفاً.

رأت الغالبية ضرورة أن يكون الانتقام مناسباً للإهانة التي لحقت بمختار، واقترح أحدهم أن يتوجه اثنان من أفراد الكتيبة ويلقنوا المحاسب الشاب «علقة ساخنة»، ويهينوه إزاء أبناء المنطقة التي يقيم بها... ولكن!

اعترض رفعت ووافقه فتحي على هذا الاقتراح، إذ وجدا أن الاقتراح المذكور لا يؤدي الغرض من اجتماعهم، فهدفهم ليس الانتقام من المحاسب الشاب سعيد فحسب، إنما بث الرعب في قلوب الجميع ليعلموا أن نادي كمال الأجسام وكل من فيه خط أحمر لا يمكن لأحد تجاوزه في المستقبل!

كانت لدى البطل الرياضي السابق رفعت قدرة هائلة على اقناع المستمعين إليه، خصوصاً صديقه فتحي الذي اعتقد أن سمعة ناديه في خطر!

وانتهى الاجتماع باتفاق الجميع على الرد بقسوة.

بعد يومين من هذا الاجتماع... كان الهدوء يلف أرجاء الحي الذي يقطن فيه المحاسب الشاب سعيد الذي عاد يومها من عمله في إحدى الشركات وجلس مع أفراد أسرته المكونة من شقيقه أحمد ووالدتهما السيدة المسنة التي تجاوزت الستين من عمرها يتناولون وجبة العشاء إزاء شاشة التلفزيون.

كان الهدوء ليلتها يشبه الهدوء الذي يسبق العاصفة، ولم يكن أحد ليتخيّل ماذا سيحدث بعد منتصف الليل بدقائق قليلة.

هبت العاصفة

انطلقت كتيبة أبطال رياضة كمال الأجسام الخمسة حاملين المطاوي والسيف وبندقية خرطوش أمسك بها رفعت وتوجهوا إلى المنزل رقم 17 في أحد الشوارع القريبة من ميدان الساعة، حيث يقيم المحاسب الشاب سعيد مع والدته وشقيقه الأصغر.

في الشارع، أعلن رفعت بداية الحرب على كل سكان المكان بإطلاقه عيارين ناريين في الهواء لبث الرعب في قلوب الجميع... فوراً، استيقظ الجيران على صوت الطلقات النارية، كذلك سعيد وأفراد أسرته مذعورين.

أدرك المحاسب الشاب سعيد أنه المقصود بهذه المعركة، خصوصاً بعدما خرج إلى شرفة منزله وشاهد خصمه الذي تشاجر معه قبل يومين يقف في وسط الشارع ويصرخ فيه بأن يأتي إليه بمفرده!

لم يتردد المحاسب الشاب سعيد لحظة. قرّر ألا يختبئ مثل الفأر المذعور. فوراً، أراد أن يواجه خصومه رغم إدراكه حجم الخطر، خصوصاً أنهم جميعاً مسلحون. لذلك أخلى المحاسب الشاب منزله واصطحب أمه العجوز وشقيقه الأصغر أحمد إلى سطوح العقار كي لا يطاولهما أذى من طلقات النيران المتتالية التي تخرج من البندقية الخرطوش التي يحملها البطل الرياضي رفعت شقيق مختار الأكبر.

الجيران الذين استيقظوا مذعورين أسرعوا إلى إبلاغ رجال الشرطة... ولكن عصابة رفعت لم تكن تحتاج سوى إلى دقائق معدودة لإنهاء مهمتها. فعلاً، اندفع أبطال كمال الأجسام الخمسة إلى العقار الذي يقطن به هدفهم. صعدوا السلم بسرعة البرق لاقتحام شقة سعيد والإجهاز عليه... ولكن قبل أن يكسروا باب الشقة فوجئوا بالمحاسب الشجاع يقابلهم أثناء هبوطه من سطح العقار فعاجله رفعت بطلقة من البندقية الخرطوش التي يحملها في يده لتخترق الرصاصة قلب الشاب وتسقطه صريعاً في الحال.

الدماء التي انفجرت من قلب المحاسب الشاب سعيد زادت كتيبة الإعدام عطشاً لمزيد من الدماء... انطلق أحمد الشقيق الأصغر لسعيد ليستطلع الأمر بعد سماعه صوت طلقات النيران وصرخات شقيقه سعيد فقابله فتحي صاحب النادي الرياضي بضربة قوية من السيف الذي يمسك به فأصابه إصابة بالغة في كتفه فسقط أيضاً سابحاً في دمائه إلى جوار جثة شقيقه.

لم تنته المجزرة عند هذا الحد، وإنما ازداد عطش رفعت للدماء فصعد مسرعاً إلى سطح العمارة ليجد والدة سعيد المسنة ترتعد من الرعب وهي جالسة بمفردها فأطلق عليها رصاصة قاتلة أودت بحياتها في الحال!

انتهت المعركة

انتهت مهمة كتيبة الإعدام بقتيلين... ومصاب!

وأسرع أبطال كمال الأجسام الخمسة ولاذوا بالفرار من المكان بعدما سمعوا صوت إنذار سيارة الشرطة وهي تقترب من الشارع الذي شهد المجزرة المروعة... قفز المجرمون بسرعة إلى السيارة الخاصة التي جاؤوا بها لتنفيذ جريمتهم، وانطلقوا بها محاولين الهرب، إلا أن سيارة الشرطة راحت تطاردهم بقوة في كل شوارع مدينة دمنهور الهادئة.

في أحد الشوارع الجانبية انحرفت سيارة القتلة ومن خلفها سيارة الشرطة. كانت المطاردة صعبة إلى أن نجحت سيارة رجال الشرطة بعد ربع ساعة من اللحاق بسيارة المتهمين، وتمكن أفراد الشرطة من إلقاء القبض على الجميع وفي حوزتهم الأسلحة المستخدمة في جريمتهم البشعة المروعة.

في النيابة

سكان الشارع الذي شهد مجزرة كتيبة الإعدام بعدما استيقطوا من الرعب الذي عاشوه في تلك الليلة نقلوا الناجي الوحيد من المذبحة أحمد الشقيق الأصغر للمحاسب الشاب سعيد إلى المستشفى بين الحياة والموت حيث نجح الأطباء في إنقاذ حياته.

أما المتهمون الخمسة أفراد كتيبة الموت فأحيلوا إلى النيابة... واعترفوا بجريمهتم فتقرر إحالتهم محبوسين إلى محاكمة عاجلة إزاء جنايات دمنهور والتي عقدت جلساتها برئاسة المستشار محمد شعيب وعضوية المستشارين أحمد أبو الفتوح وعماد خالد.

داخل قفص الاتهام حاول المتهمون الخمسة التنصل من ارتكاب جريمتهم البشعة... ولكن مواجهتهم بأقوالهم التي أدلوا بها في محضر الشرطة واعترافاتهم التفصيلية إزاء وكيل النائب العام أحبطت محاولاتهم الإفلات من العقاب، وبدأ كل متهم من المتهمين الخمسة يلقى باللائمة على الآخر لتنكشفت إزاء هيئة المحكمة الحقائق، وتعرف دور كل فرد من أفراد الكتيبة في جريمتهم البشعة.

وفي نهاية جلسات المحاكمة التي استمرت قرابة الشهرين قضت هيئة المحكمة بإحالة أوراق كل من رفعت مدرب كمال الأجسام وفتحي صاحب النادي الرياضي الخاص إلى فضيلة المفتي للموافقة على إعدامهما. ومعاقبة شركائهما أبطال رياضة كمال الأجسام بالسجن المشدد 15 عاماً... وجاء في حيثيات الحكم أن المتهمين بيتوا النية وعقدوا العزم على قتل المجني عليه المحاسب الشاب سعيد باستخدام أسلحة نارية غير مرخصة، ثم أصابوا شقيقه إصابه بالغة مستخدمين السيف والمطاوي. ولم يكتفوا بهذا الانتقام وإنما قتلوا الأم المسنة من دون ذنب اقترفته، ولم يرحموا دموعها وهي تستنجد بهم أن يتركوها لحال سبيلها في جريمة وحشية لم يعتدها المجتمع المصري.

5 من أبطال كمال الأجسام شاركوا في قتل شاب وأمه

أصابوا الشقيق الأصغر بالسيف في مجزرة علنية!
back to top