قتلت زوجها بمساعدة ابنها

نشر في 06-06-2018
آخر تحديث 06-06-2018 | 00:00
No Image Caption
كلمة القاضي حكم. وكي يكون الحكم واجب النفاذ، ينهي حياة إنسان أو يمنحه فرصة أخرى للحياة، فعلى القاضي أن يدرس أوراق القضية التي ينظرها بعناية شديدة. عليه أن يتعمّق في كل جملة وكلمة وحرف، كذلك أن يستعرض ما بين السطور، لتستقر في وجدانه قناعة بإدانة المتهم أو براءته.

من هنا، فإن أجندة أي قاضٍ تحتوي على تفاصيل كثيرة أثّرت في إصداره الحكم النهائي على المتهمين، أو على أقل تقدير في تكوين قناعته عند النطق بالحكم الصادر، وهو ما يُطلق عليه قانوناً جملة نسمعها كثيراً عند صدور الأحكام القضائية وهي: «وقد استقر في وجدان هيئة المحكمة».

ملفات القضايا التي ينظرها القضاة مليئة بأوراق تحتوي على تفاصيل وحكايات أسهمت بقدر كبير في ارتكاب متهم جريمة ما، في المقابل على العكس قد تكون غير كافية لإدانته. وربما تحتوي هذه الملفات على أوراق أخرى تحمل خيوطاً عدة تحدِّد الدوافع التي أحاطت بالمتهم لارتكاب جريمته. ولكن يقف القاضي عاجزاً إزاء هذه التفاصيل بسبب نصوص القانون الجامدة، فلا يستخدمها في إصدار الحكم النهائي تحت بند «عدم كفاية الأدلة».

هذه الحكايات والتفاصيل المدونة في أجندة القضاة والتي تسهم في ما قد يستقر به من قناعات، نستعرضها في قضايا غريبة ننشرها على صفحات «الجريدة» خلال شهر رمضان الفضيل، وهي قضايا كانت وقت نظرها مثار اهتمام الرأي العام في مصر وغيرها من بلاد العالم العربي.

سنوات طويلة عاشتها نجية في عذاب مع زوج بخيل... نسخة مكرَّرة من اليهودي البخيل «شيلوك»، بطل رواية شكسبير الخالدة «تاجر البندقية»!

ربع قرن بالتمام والكمال ذاقت خلاله الزوجة المرّ وقاست الحرمان منذ أن أغلق عليها وعلى زوجها حامد باب بيتهما المتواضع في مدينة العياط التابعة لمحافظة الجيزة (60 كيلومتراً جنوب القاهرة).

الذل والمهانة

رغم المعاناة فإن الزوجة نجية تحمّلت ما لم يتحمله بشر... الذل والمهانة من أجل أولادها الثلاثة. أفنت عمرها وصحتها في تربيتهم. عملت خادمة في البيوت للانفاق عليهم بعدما رفض زوجها البخيل أن يدفع مليماً ليأكلوا ويشربوا ويتعلموا.

شريط طويل من الذكريات المريرة استعرضته الزوجة البائسة نجية وهي جالسة فوق سريرها تبكي بحرقة بعد المشاجرة اليومية المعتادة مع زوجها البخيل على مصروف البيت. كانت بداية الشريط قبل 25 عاماً... عندما تقدّم حامد المزارع البسيط آنذاك ليطلب يدها للزواج. يومها فرحت نجية مثل أية بنت في سنها. ولكن فرحتها سرعان ما تبخرت عندما اكتشفت ليلة الدخلة تقتير زوجها وبخله الشديد عندما رفض أن تتناول معه وجبة العشاء... نهرها وسبها، وفي النهاية التهم العشاء بمفرده وتركها جائعة!

فتاة ريفية

كان من الصعب على فتاة ريفية بسيطة أن تثور في وجه زوجها ليلة الدخلة لأن ثورتها قد تؤدي إلى طلاقها، والطلاق حتماً سيؤدي إلى فضيحتها وفضيحة أفراد أسرتها، لذلك صمتت نجية. ابتلعت أحزانها في داخلها، وقالت في نفسها ربما تتغير أحوال زوجها بعد فترة.

ولكن أحوال الزوج البخيل لم تتبدل أبداً. ظلّ حامد على بخله وتقتيره الشديد، ووصل به الأمر إلى الامتناع عن دفع أي مليم لزوجته. وعندما سألته نجية، ذات يوم: من أين أصرف على البيت؟ أجابها بكل هدوء قائلاً: اشتغلي واصرفي!

في اللحظة نفسها التي قررت فيها نجية إعلان الثورة على زوجها البخيل وطلب الطلاق منه، كان جنين بدأ يتحرك بين أحشائها، فخمدت نيران الثورة سريعاً واستمرت الزوجة في حياتها البائسة مع الزوج البخيل، الذي وصله بعد أيام عقد عمل في إحدى الدول العربية.

جمع الأموال

يومها حلّق حامد من الفرح... وفي نشوة فرحته وعد زوجته بأن يعوِّضها الفقر والحرمان بمجرد أن تنهال الأموال عليه من عمله الجديد. صدقت المسكينة كلمات البخيل وودعته بالدموع، وانتظرت أن يرسل لها ولطفلها القادم إلى الدنيا ما يكفيهما من أجل حياة كريمة... ولكن كالعادة تنصلّ حامد من وعده.

سافر حامد البخيل وهدفه الوحيد جمع المال واكتناز كل ما سيحصل عليه في الغربة. لم يرسل لزوجته خطاباً واحداً، يسأل فيه عن أحوال صغيرهما الذي خرج إلى الدنيا ووالده غائب. مرة أخرى، احتفظت الزوجة المنكوبة نجية بأحزانها لنفسها، وكي لا تموت ورضيعها جوعاً قررت أن تخرج لتشتغل ولم تجد أمامها سوى العمل كخادمة في البيوت، رغم أن زوجها كان يكسب آلاف الجنيهات شهرياً من عمله بالدولة العربية!

خمس سنوات كاملة أمضاها الزوج البخيل حامد في الغربة. وفجأة عاد إلى مصر محملاً بالمال. اعتقدت نجية أن أيام الشقاء والتعب ولّت إلى غير رجعة. ولكن الزوج البخيل حطّم حلمها الوردي. احتفظ بأمواله لنفسه ورفض أن ينفق على زوجته وابنه مدعياً أن أمواله كافة ضاعت نتيجة للاضطرابات التي وقعت في البلد حيث كان يعمل.

لم تجد نجية أمامها سوى طريق واحد، أن تستكمل حياتها مع هذا الزوج البخيل من أجل ابنهما الوحيد.

ومرت الأيام والسنوات... وكعادتها جلست الزوجة الحزينة نجية تمسح دموعها التي انهمرت منها وحاولت الاكتفاء بهذه الذكريات المريرة. ولكن شريط الذكريات داهمها وواصل استعراض تفاصيل كثيرة في حياتها البائسة مع زوجها. تذكرت أيام الشقاء وجمع الجنيهات القليلة من أجل سدّ جوع ابنها وابنتها والابنة الثالثة التي جاءت إلى الدنيا بعد سنوات لتزيد الحمل على كاهل الزوجة المسكينة. ودارت في رأس نجية مشاهد الراحة واللامبالاة التي كان يعيش فيها زوجها البخيل حامد الذي كان همه الوحيد في الدنيا الاستمتاع بالملذات كافة من طعام وشراب من دون أن يشاركه فيهما أحد، حتى فلذات كبده الصغار الذين لم يقترفوا ذنباً سوى أنهم أبناء هذا الرجل البخيل الذي أذاقهم المر سنوات طويلة.

دموع

توقّف شريط الذكريات المرير في رأس نجية فجأة عندما فتح ابنها علاء باب غرفتها ليشاهد دموعها الحارقة تنساب على وجنتيها. هرول الشاب الذي لم يكمل الثانية والعشرين من العمر إلى حضن والدته وبكى كما بكت وبالحرقة نفسها.

اختلطت دموع الابن بدموع والدته، فتنبّهت الأم إلى الحزن الكبير الذي يحمله أول فرحتها. أبعدته قليلاً عن حضنها وسألته في هلع:

- مالك يا علاء؟

مسح الابن الشاب دموعه وقال في حزن كبير:

• أبويا عاوز يدمر حياتي. رافض يديني أي فلوس علشان أتجوز بيها!

لم يحمل كلام الابن علاء أي جديد. انتفضت الأم في مكانها من الرعب عندما سمعت ابنها يستطرد قائلاً:

• أنا هأموت نفسي علشان ارتاح!

وفي رعب ردت الأم على تهديدات ابنها الأكبر قائلة:

- أوعَ أسمعك بتقول كده تاني. اللي لازم يموت هو واحد تاني... أبوك!

الخطة

الكلمات الأخيرة خرجت بعفوية شديدة على لسان الأم، ولكنها وجدت صدى كبيراً لدى الابن الغاضب. وانفرد علاء بأمه داخل غرفتهما ساعة كاملة، وكان الشيطان ثالثهما يزيِّن لهما كيفية التخلّص من الأب البخيل الذي أذاقهما الويل.

رسم الشيطان الخطة، وحدّدت الأم موعد التنفيذ، وكان على الابن علاء أن يستعد لاتمام الجريمة كي يرتاح كل من في البيت المتواضع من الكابوس الذي يعيشون فيه طوال حياتهم.

قالت نجية لابنها الأكبر والشرر يتطاير من عينيها:

- اسمع! أنا عشت أسوأ أيام حياتي مع أبوك البخيل ده بسببك انت. كنت عاوزة أربيك كويس. اشتغلت خدامة في البيوت علشان الاقي لك اللقمة بعد ما أبوك رفض يخليك حتى تاكل!

كان علاء يستمع إلى كلمات والدته نجية وقلبه يتمزق من الحسرة على حظها العثر الذي جعلها وجعله وشقيقتيه مسؤولين من هذا الأب البخيل الذي لا يستحق الحياة.

من ثم، انتهت الجلسة بينه وبين والدته باتفاقهما الكامل والحاسم على ضرورة انتهاء هذا الكابوس المزعج والخلاص من الأب البخيل الذي يحاول الان حرمانه من الفتاة التي أحبها، ويرفض مساعدته في تكاليف زواجه.

التنفيذ

في اليوم التالي، بينما كانت الشمس تستعد للرحيل، خرج علاء حاملاً شومة في يده، وسار إلى جوار أمه نجية في طريقهما إلى الأرض الزراعية التي يمتلكها الأب البخيل حامد.

كانت علامات القلق تتقافز على ملامح الابن وأمه التي أخفت بين ملابسها زجاجة مملوءة بسائل الكيروسين. لم ينطقا بكلمة طوال الطريق. كان كل منهما يعرف جيداً دوره في الخطة، وكان عليهما أن ينفذا ما رسماه في الأمس بسرعة ومن دون أن يلمحهما أحد من أهل القرية، خصوصاً المزارعين في الأراضي المجاورة لأرض الزوج.

وصل علاء مع والدته إلى مكان الأب الذي كان يجلس تحت شجرة يرتشف الشاي، وما إن شاهدهما حتى بادرهما قائلاً في سخرية:

* خير! إيه اللي جابكم؟ اكيد عاوزين فلوس ياللي ما بتشبعوش؟

لم ترد نجية. التفتت بنظرة مرعبة إلى ابنها علاء الذي رفع الشومة إلى أعلى بسرعة فائقة، وهوى بها على رأس والده بكل قوته. ونظرة أخرى من الأم كرّر بعدها الابن السيناريو نفسه وعاجل والده بضربات قوية عدة على رأسه فلم ينطق بكلمة. سقط على الأرض سابحاً في دمائه وسكت صوته وشره وبخله إلى الأبد!

بسرعة أمسكت الزوجة نجية يدي الجثة بينما أمسك الابن الأكبر علاء بالقدمين وسحبا سوياً الزوج البخيل حامد إلى منتصف الأرض الزراعية بعدما تأكدا أن أحداً من الجيران لم يشاهد ما حدث.

الجزء الثاني

انتهى الجزء الأول من الخطة بنجاح.

أما الجزء الثاني فتولته الأم نجية. غطّت جثة زوجها البخيل بالقش والأعشاب الجافة، ثم أخرجت زجاجة الكيروسين من بين طيات ملابسها وسكبت السائل على الجثة والأعشاب الجافة، وأشعلت عود ثقاب لتلتهم النيران زوجها البخيل.

وقبل أن يلمح أحد من المزارعين ألسنة اللهب تنطلق من الأرض الزراعية التي يمتلكها حامد البخيل كانت زوجته نجية وابنها علاء أطلقا لساقيهما العنان وعادا إلى منزلهما وجلسا هادئين ينتظران سماع خبر موت الزوج البخيل حامد من الأهالي والجيران. واتفقا على انفجارهما بالبكاء إزاء أول من يبلغهما الخبر كي يبعدا الشبهات عنهما تماماً.

فعلاً، انطلق خبر مقتل حامد البخيل في الأرجاء بعدما اكتشف الجيران جثته وسط النيران أثناء محاولتهم إطفاء الحريق في أرضه، وأبلغوا رجال مباحث العياط الذين أسرعوا إلى مكان الحادث واكتشفوا أن الجثة بعدما نجح الأهالي في اللحاق بها قبل أن تشوهها النار عليها آثار ضربات قاتلة بالرأس.

وصل الخبر إلى بيت القتيل، واطلقت الزوجة نجية صرخة هائلة رجّت الغرف التي لم تشهد أية سعادة. وتظاهر الأبن الأكبر علاء بالصدمة المروعة بينما بكت شقيقتاه الصغيرتان بحسرة لفقدانهما الأب رغم عدم شعورهما بحنانه أبداً.

تحريات

بدأ رجال مباحث العياط رحلتهم مع التحريات لحل غموض الحادث وكشف الجناة. تبين لهم أنه رغم بخل القتيل الشديد فإنه لم يكن على عداء مع أحد من معارفه. يعرف الجميع بخله، لذلك لا يتعاملون معه مادياً ولا حتى يقتربون إليه من باب الصداقة. من ثم، اتجهت أصابع الاتهام إلى أهل بيت القتيل حامد، خصوصاً ابنه الأكبر علاء بعدما دلّت المعلومات إلى خلافه الحاد مع والده القتيل بسبب رفض الأخير مساعدته في تكاليف الزواج.

في بداية الأمر، انكر الابن علاء هذا الاتهام، وحاول إثبات براءته بشدة، لكن الابن القاتل لم يصمد كثيراً إزاء تضييق الخناق عليه. انهار واعترف بكل شيء. ولم تستطع الأم نجية بدورها إنكار ما جاء على لسان ابنها. من ثم، قبض رجال الشرطة على القاتلين لعرضهما على النيابة التي قررت حبسهما وتقديمهما لمحاكمة عاجلة.

محاكمة

أوراق القضية، التي نظرتها محكمة جنايات الجيزة برئاسة المستشار سمير أبو المعاطي وعضوية المستشارين محمود بدير ومحمود الدسوقي، لم تتضمن أية ثغرة تساعد علاء أو أمه نجية في الإفلات من العقاب الرادع.

وفي قاعة المحكمة، وقفت الأم مع ابنها الأكبر داخل قفص الاتهام يذرفان الدموع ويقولان:

- قتلناه حتى نرتاح من بخله والحياة البائسة معه!

وردت هيئة المحكمة بإعلان قرارها بإحالة أوراق القاتلين إلى فضيلة المفتي للموافقة على إعدامهما شنقاً.

منع عروسه من تناول العشاء معه وسبّها وتركها جائعة

الشيطان رسم للأم وابنها خطة التخلّص من زوجها البخيل

الابن ضرب الأب بعصا غليظة على رأسه

الأم أحرقت الجثة والمحكمة تقضي بإعدامهما شنقاً
back to top