عميد المترجمين الدكتور محمد عناني: غير راضٍ عن أعمالي الأدبية ولو عاد بي الزمن لأعدت كتابتها

نشر في 04-06-2018
آخر تحديث 04-06-2018 | 00:00
صال الدكتور محمد عناني وجال بقلمه، وكتب في شتى ميادين الإبداع، الشعر والرواية والمسرح والنقد الأدبي والترجمة... يقف الآن على مشارف الثمانين من العمر، بعدما مرّ بتحولات ومواقف فارقة، تنوء مكتبته بالكتب والجوائز التي نالها من مختلف الدول العربية والأجنبية، ولقب بـ {عميد المترجمين}. ورغم ذلك يقول: {أنا غير راضٍ عما قدمته ولو عاد بي الزمن لصححت بعض المسارات في حياتي}. التقته {الجريدة} وكان هذا الحوار.

احتفى المجلس الأعلى للثقافة في مصر أخيراً بمسيرتك الحافلة. كيف تراها أنت برؤيتك النقدية؟

تعودت ألا أنظر ورائي في غضب، ولكن ثمة حالة من عدم الرضا على بعض ما أنتجت. أنا غير راضٍ عن معظم الشعر الذي كتبته ونشرته، وعن بعض مسرحياتي، وفي ظني أن عملي بالنقد والترجمة لفت نظري قبل أنظار الجميع إلى عيوبها، ولكنني لم أحاول علاج هذه العيوب في النسخ المطبوعة. أما روايتي الوحيدة {الجزيرة الخضراء} فأنا أدرى الناس بعيوبها، ولو عدت شاباً لأعدت كتابتها، وهي مزيج من التاريخ والفنتازيا، تقع أحداثها في مدينة رشيد وتنتمي إلى تصنيف التراث الشعبي.

لا تفسير لدي لذلك غير أن أضواء الإبداع كانت بهرتني مبكراً، ولم يخرجني من حالة الانبهار إلا دراستي النقد وتخصصي فيه، إضافة إلى علاقتي الوثيقة بالشاعر الراحل صلاح عبد الصبور، وبأستاذي شكري عياد، وهما أكدا لي ضرورة الاستفادة من الطاقة الإبداعية في داخلي، فغيرت وجهة سفينتي مستفيداً من هذه الطاقة في تقديم الفكر الغربي والأدب الغربي إلى قراء العربية، وعندما فزت بجائزة الدولة التقديرية كانت مرحلة فارقة، إذ أحسست أن ما أقوم به مثمر، فضلاً عن نجاح كتبي المترجمة والمؤلفة، ومن بينها كتاب أعتز به وهو {المصطلحات الأدبية الحديثة} الذي صدرت منه طبعات عدة، وكان دليلاً على أنني أسير في الطريق الصحيح، ولا حاجة إلى البكاء على رحيل الشعر.

لست راضياً قطعاً عما قدمته، على كثرته، لأنني كنت ممزقاً بين الإبداع الأدبي والإبداع الفكري، وكان شكري عياد يحذرني من التردد، ولم أصغ إلى نصيحته إلا متأخراً.

ماذا عن الترجمة؟

أخطأت في ترجمة مسرحية {روميو وجوليت} لشكسبير، بتقديمها كعمل تراجيدي وموسيقي في آن، لذلك ترجمتها مرة أخرى بشكل مختلف، وخلال رحلتي مع الترجمة التي تزيد على نصف قرن، أرى أن المترجم يقوم بدور المحرر، وأن النص سواء الأصيل أو المترجم، لا ينبغي أن يتم التعامل معه وكأنه لا يقبل التعديل، فالترجمة ليست وظيفة أو ترجمة تقابلية لإيجاد المعنى المساوي من اللغة الأم إلى اللغة الهدف فحسب، وليست الترجمة الحرفية للنص، إنما هي محاولة إبداع نص جديد مع الحفاظ على جماليات وثقافة النص الأصلي، ولا بد من التأكيد على الجانب الثقافي للترجمة، وفهم ثقافة النص المراد الترجمة منه وإليه.

ما تقييمك للحركة النقدية وكيف ترى تجديد الخطاب الثقافي؟

العقل الخلاق المبدع هو أساس أي تجديد في المجالات كافة، وفي المجال الإبداعي ومع تزايد حركة التأليف والنشر في العالم العربي، وتراكم التجربة الإبداعية أجيالاً متعاقبة، أرى ضرورة إيجاد العقل النقدي، فلا بد من حركة نقدية تواكب المنتج الأدبي، ووجود خطاب نقدي قوي وفاعل يرتبط بالجوانب الاجتماعية والثقافية واللغوية.

أما عن المشهد الثقافي فأرى ازدهاراً في الإبداع الفردي في التأليف والترجمة، وكثرة من المبدعين الواعدين ينقصهم فقط الحوار والاتفاق وعدم التعارض، كي لا يؤدي التعارض إلى صدام وتفكك، نظراً إلى تعدد وجهات النظر لديهم.

طقوس رمضان

ماذا عن طقوسك الخاصة في شهر رمضان؟

لا طقوس خاصة لدي الآن على عكس ما كنت عليه في الماضي، إذ كنت أخرج بعد الإفطار لصلاة التراويح، بعد ذلك كنا نجتمع في بيت أحد الأصدقاء ونقرأ الشعر ونتناقش في ما يخص الحركة الأدبية والنقدية، وكنا سعداء بالاستماع إلى الأساتذة شكري عياد ويوسف خليف ومجدي وهبة ولويس عوض وعبد القادر القط، وغيرهم.

الأسماء التي ذكرتها ترددها كثيراً، ماذا عن تأثير هؤلاء في حياتك؟

هم من أبرز المصادر التي شكّلت مسيرتي وثقافتي، فقد أحببت اللغة العربية منذ صغري من والدي وتشربتها وعشقت تراثها، وهؤلاء الأساتذة عمّقوا هذا الحب في داخلي أثناء دراستي الأدب الإنكليزي في الجامعة، وتعلمت منهم أن الهدف الأسمى من دراسة الآداب الأجنبية إثراء آدابنا القومية، وكان عليّ أن أحكم معرفتي بالأدب الغربي، وهو ما استغرق 10 سنوات كاملة عشتها في إنكلترا، واكتشفت فيها أن اللغة فكر وثقافة، فجعلت أنهل من مواردها، وانتهيت إلى أن أهم مقومات المترجم الناجح استيعابه لغته القومية وثقافتها، وأفضل المترجمين هم أفضل من يعرفون العربية.

أصوات وأصداء

{أصوات وأصداء}، عنوان آخر ديوان شعري أصدره المترجم والناقد الدكتور محمد عناني، وهو ديوان أملاه عليه استغراقه في ترجمة الشعر واستشعاره الحس الجمالي، يقول عنه: {الإحساس بالجمال ملك الجميع، وقد حار العلماء في تفسير الحس الجمالي وإن أجمعوا على وجوده، والحيرة لا علاج لها إلا الأنساق الثابتة التي قد يستقيها المرء من السلف، أو يبتدعها فيفرضها على من حوله، وديوان {أصوات وأصداء} قصائد شتى أملاها علي استغراقي في قراءة الشعر وترجمته أكثر مما أملتها دوافع حيوية، بل أعتبرها ثمرة أنبتتها ثمار، ولا أظن أن في هذه المفارقة جديداً، فاللغة نفسها تنشأ من اللغة، ما دامت اللغة والفكر منهجاً إنسانياً واحداً، وما دام هذا النهج ذا جذور تفنن الدارسون في نسبتها إلى ملكات بشرية منوعة}.

من أجواء الديوان:

كم تمنينا بأحلام المساء

مثل كل الشعراء:

أن يقوم الليث من يدعى أبا الهول الذي

ظل دهرا رابضا وسط الخلاء

صامتاً يرنو إلى خضر الروابي

في حمى الصحراء.

مكتبة مكتملة

تعد إصدارات الدكتور محمد عناني، أستاذ الأدب الإنكليزي بجامعة القاهرة مكتبة أدبية مكتملة المعارف، تجمع بين الشعر والرواية والنقد والترجمة فقد أصدر خمسة دواوين شعرية و18 مسرحية، وأكثر من مئة كتاب بين مؤلف ومترجم، من بينها 19 مسرحية لشكسبير. كذلك له كتب مهمة في النقد الأدبي وفي مبحث دراسات الترجمة، منها: {المصطلحات الأدبية الحديثة، ونظرية الترجمة الحديثة، وفن الترجمة} وغيرها. حاز وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، واختير خبيراً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة منذ عام 1996، ونال جوائز عربية ودولية عدة من بينها جائزة التفوق في الآداب، وجائزة الدولة التقديرية في مصر وجائزة بن تركي للتميز، وجائزة الملك عبد الله الدولية في الترجمة، وجائزة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ALECSO) في الترجمة إلى الإنكليزية. وجائزة رفاعة الطهطاوي في الترجمة إلى العربية، المركز القومي للترجمة.

الترجمة ليست وظيفة وأحسن المترجمين أفضل من يعرفون العربية

العقل النقدي الخلاق أساس تجديد الخطاب الثقافي
back to top