يا يوسف

لست أبيعكم الوهم يا يوسف، ففي الواقع، هذا الواقع الذي لا يفترض أن تستوعبوه في أعماركم أو تقبلوه في توهج شبابكم، لا يوجد داروينياً نصف روح، هذا النصف تصنعه أنت والأيام، حيث تبدأ رحلتك بخفقة، أحياناً رنانة وأحياناً طفيفة، تتنبأ لك بكل ما يمكن أن يكون، ولكي يتحقق هذا الممكن، فلا بد من جهد وعمل، صبر وتضحية وحسن ظن بالآخر وتفهم لاختلافه، تمسك بأهداب العلاقة وتقدير لقيمة المشاعر التي لربما لا تتكرر كثيراً في الحياة، والمغفرة، المغفرة التي هي الدواء لكل داء في العلاقة. وحين يتقن الطرفان استخدام كل هذه الأدوات، تبدأ الرحلة الخلابة، ويهبط الرضا غيمة حنونا تظلل قلبيكما، وتبرق سماء حياتكما مشاعر محبة وأشواق لا تنطفئ، ويتحول بيتكما إلى ملجأ آمن من كل عواصف وأعاصير الدنيا. لا تفقدوا الأمل في هذا الأمل يا يوسف، هو ما يبقي على إنسانية مشاعرنا، هو ما يبقي على رغبتنا في الحياة، أن نجد هذا الوليف وأن نعيش معه لنسعده ونسعد به. لا تسمعوا لمن يقول لكم إن لهذه الألفة ولهذه العشرة شكلا واحدا، نمطا مفردا مقبولا، إنما هذه العلاقة ذات أشكال وأنواع، تشكلانها سوياً وتنجحان في الاستمتاع بها إذا ما صمَمْتُما آذانكما عن نقد الناس وقبلتما اختلافاتكما وحررتما بعضكما من كل الشكليات ومن كل التقليدي المقبول والمرفوض، وأبقيتما على هدف واحد: إسعاد بعضكما وإسعاد نفسيكما، فالرغبة في إسعاد النفس مهمة جداً، لا يمكنك أن تكون إنساناً مع الآخرين إلا إذا كنت إنساناً رحيماً مع نفسك أولاً.أنا لا أعرف ما يراه هذا الرجل فيّ يا يوسف، لكنه ها هنا، رحمة من الخالق ورضا، يغفر حين يقسو الآخرون، يربض حين ينفضون، يقف أمامي حين يتقاذفني الحصى ويقف خلفي حين تشتد الرياح، حاضر في أفكاري، في فرحي وحزني، هو دائماً طرف في كل شيء، في كل فكرة أو شعور. تشابكت أيامنا الآن، فلم نعد نعرف ما يملكه وما أملك، نتقاسم كل الأشياء، حتى الأفراح والأحزان والأشواق، نعرف إيقاع بعضنا، وقع خطونا ينبئ بأحدنا قادم، أحدنا مغادر، أحدنا متسلل للمطبخ في الجزء الأخير من الليل. لسنا في ذلك متميزين، غيرنا من الملايين المتوالفين، يعيشون بأنماط وأشكال وعلاقات مختلفة، لكن أرواحهم تلاقت كما تلاقت روحانا، حياتهم تشابكت، أشكالهم تشابهت، أصواتهم توحدت، وقلوبهم انتظم خفقها. كل هؤلاء أنتم لا ترونهم، لربما لأن الحب خافت والغضب زاعق، لأن الكارهين واضحون والمحبين في أعشاشهم مختبئون ينعمون. كل هؤلاء المحبين غلبتهم ثلة الكارهين وسلبت من قلوبكم الأمل والإيمان، فهل تستسلمون؟لا تفقدوا هذه الرغبة يا يوسف، إنها ما تجعلنا بشرا، ما تصبغنا بالإنسانية. وليفك موجود بكل تأكيد، أتعرف لماذا؟ لأنه سيكون من صنعك وأنت من صنعه، إذا أردته فسيأتي، سيبدأ معك الحياة من أولها ويراقصك أيامك إلى آخرها، عسى آخرها يكون بعيدا وزمنها يكون مديدا.