محمد الغربي عمران: الرواية التاريخية ملك المهمشين

• يرى أن الأدب يناهض تجّار الحروب

نشر في 04-04-2018
آخر تحديث 04-04-2018 | 00:08
يقول الروائي اليمني محمد الغربي عمران إن المشهد الثقافي والأدبي اليمني لم ينضج بعد. كذلك يتحدّث في حواره مع «الجريدة» عن معاناة الكاتب اليمني، ويتطرّق إلى روايته الأخيرة «مسامرة الموتى» واعتماد أعماله على الرواية التاريخية.
كيف ترى المشهد الثقافي والأدبي اليمني راهناً؟

لم ينضج بعد. ثمة أسماء قوية في السرد والشعر، إلا أنها لا تزال مُسيرة للسياسي، ولا تعي أن دورها أرفع من أن تُسير، وأنها راعية لقيم العدل والحرية والمساواة، وتناهض التسلط والعنف والدكتاتورية، ولذلك لم تنضج النخبة الإبداعية في اليمن، ولا يزال المشهد بحاجة إلى المزيد.

إلا أن المشهد الأدبي نشط نسبياً. رغم الاقتتال وحجم التدمير نجد أن من يعوا دورهم ومكانة الإبداع على مقارعة الظلم والتسلط والعبودية ينتجون ولو قليلاً، فالمبدع الحق لا يمكن أن يكون بمعية المتسلطين ولا بوقاً لقبح يصنعونه في هذا العالم.

معاناة المبدع اليمني

هل أصبحت المعاناة أزمة ملازمة تصاحب المبدع اليمني؟

نعم تلازم المبدع العربي عموماً معاناة طاحنة لكنه يعمل وينشط مبشراً بغد خال من العنف والتسلط، إذ لم يستطع أي ظلم أن يكممه عن التبشير بغد أكثر حرية وعدالة ومساواة.

هل تصنِّف نفسك ضد السلطة، وهل تتعمّد إثارة رجال الدين والمحافظين بأعمالك؟

أنا مناهض لتجّار الحروب، للظلم والفساد والفردية. ما تمرّ به بلادنا من قتل وتدمير وتسلط وإقصاء وهيمنة يرفضه كل صاحب عقل. كل ما يحدث في حق مجتمعاتنا خطير وكارثي، لذا لا يجوز أن نكف عن تعرية من يسيرون بأوطاننا إلى المجهول بفردانية سلطوية مقيتة.

ماذا عن روايتك الأخيرة» مسامرة الموتى»؟

أكتب ثلاثية بدأتها «بظلمة يائيل»، تدور حول الصراعات المذهبية، ودعاة الحق الإلهي ممن يدعون أنفسهم «أبناء النبي». تقرأ «مسامرة الموتى» بين سطور تاريخنا المزيف، ذلك التاريخ الذي زرع فينا الادعاء بعظمة زائفة، والرواية تقود القارئ إلى المزيد من التساؤل وتدعوه إلى هدم كل ما هو سلطوي كهنوتي، إذ أرى أن جذور مشكلتنا دينية، والتكالب على السلطة، وتناسخ الجماعات المسلحة، ينطلقان من بؤرة واحدة. في اليمن ومصر والأقطار المغاربية وغيرها، مشكلتنا ارتداء قناع الدين تارة والأقنعة الوطنية الثورية طوراً. «مسامرة الموت» دعوة إلى منع خلط الدين بالسياسة، وتحديد الأول كسلوكيات أخلاقية تخصّ الفرد.

هل يجد الروائي المنتمي إلى مشهد متعدد العرقيات والمذاهب صعوبة في أن يكتب ما يعتبره «حقيقة روائية»؟

لا يبحث الروائي عن حقيقة ليكتب رواية، بل يتوق إلى الصدق الفني، بينما يبحث المؤرخ عن حقيقة إن كان متجرداً من الأهواء والانتماءات. والتعدد بيئة خصبة للروائي، فالحياة الأحادية فقيرة روائياً، وانتماء الروائي ليس إلى القومية أو الدينية، بل إلى ما هو أكثر إنسانية من المبادئ ذات البعد المحدود، فالرواية لا تبشر بالأديان ولا بالسلالات، إذ تقدِّم الإنسان كإنسان من دون لون أو عرق، تقدّمه كما يظن الكاتب أنه وجده، فلا انتماء للروائي إلا إلى القيم الإنسانية العظيمة.

تابوهات

التابوهات في الأدب. كيف تراها وهل يمكننا الحديث عن حدود للإبداع؟

هي حروب مصالح. يرى السياسي أن الكاتب يعرِّيه أو يمثِّل تهديداً على سلطته فيرفع سيفه مخترعاً مبررات كثيرة. وحين يجد المتأسلم أن الكاتب ينتزع منه هالته الكاذبة ويكشف زيف ادعائه، يرفع سيف الفضيلة والغيرة على الله، وإلى آخر تلك التُرهات. والأصل في العمل الإبداعي الحرية، وفي الحياة الحرية من دون سقف.

يعتمد كثير من أعمالك الروائية على الرواية التاريخية. هل أفادك ذلك؟

تخصصي التاريخ، ولدي ثقافة تاريخية، لكني لا أكتب الرواية التاريخية التي يتقيد فيها الكاتب بصحيح الحوادث التي دوّنها كتبة المنتصر، بل أبحث بين السطور وخلف الوقائع، وأبتكر شخصيات فلاحية وعسكرية تحكي مصائرها، ولا أجعل من السلطوي شخصية محورية، فالتاريخ عندي أداة للتحليق بالخيال والإتيان بشخصيات وحوادث لم تكن إلا في الرواية. قال البعض إني أستهدف التاريخ الوطني « اليمني» بالتشويه، ولا يعلم أن تاريخنا مزيف ومحرّف يصبّ في تمجيد الحاكم، فيما تحاول الرواية أن تأتي بتاريخ الهامش الاجتماعي المتخيل.

ما هي الإشكاليات التي قد تقابل من يتصدّى لكتابة رواية تاريخية من وجهة نظرك؟

الخلط بين العمل الخيالي، أي الرواية، وبين علم يعتمد على حقائق وقرائن واقعية، وهو التاريخ. تتكئ الرواية على أحداث أو شخصيات من التاريخ أو تستدعيها، لتوظّفها وليس لتقدِّم تاريخاً ما. وليس تقديم أية حوادث أو شخصيات من التاريخ إلا من باب تقريب ما يود الكاتب مناقشته، وإضاءة على ما يحدث اليوم من تطرّف وتسلّط وظلم، لندرك جذور ما نعيشه من أزمات. وثمة الرواية التاريخية التي تلتزم بشكل كبير بما ورد، مثلما كتب جرجي زيدان وعلي أحمد باكثير، كونهما حرصا على الإتيان بالحوادث كما هي. ويبقى أن اعتماد المؤلف على الخيال هو الصانع لكتاباته.

القصة

تكتب القصة القصيرة أيضاً. ما رأيك بالقصة القصيرة جداً التي بدأت تشهد رواجاً عربياً؟

هي موضة يستسهل البعض كتابتها، وأرى كثيرين يكررون أنفسهم في هذا المجال، والبعض لا يفرق بين الخاطرة والأقصوصة، وآخر يخلط بين الدفقة الوجدانية والأقصوصة، وبين النكتة أو النص الشعري الحر. عموماً، الكل استسهل القصة القصيرة كما قصيدة النثر.

هل تجد القصة القصيرة في اليمن تشجيعاً ودعماً خاصاً؟

للقصة فارساتها وفرسانها، منهم المتميز في أعماله ومنهم التقليدي، وقلة منهم برعت وتميّزت بتجديدها ومحاولة تقديم المختلف. لذلك القصة في اليمن في تطوِّر مستمر.

من ناحية الرعاية، ثمة ناد للقصة ينشط بشكل جيد، من خلال فعالياته الأسبوعية، ومحاولة مساعدة الكتاب على طباعة نتاجهم، وإن كانت وزارة الثقافة لا يهمها المبدع ومشغولة بدعمها الاحتراب، وإرضاء سلطة الأمر الواقع، التي تستغلّ ظروفاً تمرّ بها البلاد. فقد كان للقصة مهرجان سنوي، وتعطّل. ولكن نأمل بتغيير الواقع والإتيان بقيادة جديدة لوزارة الثقافة غير المفسدين، ويبقى ما نعول عليه تكامل كتاب القصة وهو أكبر داعم.

رواية جديدة

حول مشاريعه المقبلة يقول محمد الغربي عمران: «منذ أشهر بدأت بكتابة رواية جديدة، ظلت فكرتها تراودني منذ سنوات، محورها مجتمع الريف وأثر المتسلطين عليه. تغوص في أثر القبيلة ورجال الدين في المجتمع والسلطة».

المبدع الحق لا يمكن أن يكون بمعية المتسلطين ولا بوقاً لقبح يصنعونه
back to top