الدول العربية تبعية اقتصادية وفساد سياسي

نشر في 04-04-2018
آخر تحديث 04-04-2018 | 00:08
 د. بدر الديحاني تمتلك معظم الدول العربية موارد طبيعية هائلة إلا أن ميزانياتها العامة تعاني عجزاً فعلياً، وخدماتها العامة الأساسية في منتهى السوء والرداءة، وذلك نتيجة الفساد السياسي المؤسسي، ونهب الثروات من قبل قِلة ضئيلة تحتكر السُلطة والثروة، التي تقوم بالمضاربة بها في بورصات العالم ، وتتهرب من دفع الضرائب، وتودع أموالها في المصارف العالمية، حيث لا يستفيد منها الاقتصاد المحلي، في حين أنها تدفع بسخاء على صفقات التسلح الضخمة التي، في الغالب، لا تحتاجها الدولة، ولا يستفيد منها سِوى اقتصاد الدول الغربية ومصانع أسلحتها والوكلاء المحليين.

ليس ذلك فحسب، بل إن حكومات هذه الدول تعمل باستمرار على تجريف الحياة السياسية داخل الدولة أو تجعلها صورية ومُشوهة، ودورها هو مجرد إضفاء شرعية مزيفة على الوضع القائم، كما تستخدم أجهزة الدولة في البطش بمن يطالب بالحريات أو بإصلاحات سياسية وديمقراطية تكسر احتكار السلطة والثروة وتحقق الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، وفي الوقت ذاته فإن هذه الحكومات تُنفّذ سياسات اقتصادية ومالية غير عادلة ومنحازة اجتماعياً لمصلحة كبار الأثرياء، وتستخدم العجز المالي كذريعة لطلب مساعدات مالية من مؤسسات مالية رأسمالية عالمية، مثل صندوق النقد الدولي الذي يملي عليها شروطاً اقتصادية ومالية قاسية ومُهينة، باتت معروفة على مستوى العالم بأنها تزيد من فقر الشرائح الوسطى والطبقة الفقيرة كما تزيد بطالتها وبؤسها وشقاءها وتهميشها، تلك الشرائح التي تتخلى عنها الدولة لمصلحة كبار الأثرياء، ناهيك عن اللجوء إلى الاقتراض الخارجي الذي يجعل الدولة رهينة لمؤسسات مالية رأسمالية عالمية.

علاوة على ذلك، فإن الحكومات تستخدم العجز المالي ذريعة لتخلي الدولة عن دورها الاجتماعي، وتصفية دورها في النشاط الاقتصادي، وذلك عن طريق خصخصة مؤسسات عامة حيوية ومُربحة بأثمان زهيدة، ثم فتح السوق المحلي على مصراعيه للشركات الأجنبية متعددة الجنسية، وذلك في ظل غياب سياسات حمائية للقطاع الخاص الصناعي المحلي، وعدم توافر ظروف تنافسية عادلة، مما يؤدي إلى تهميشه وضياع فرص قيام قطاع صناعي محلي مستقل ينهي التبعية الاقتصادية لمراكز رأسمالية ضمن التقسيم الرأسمالي الدولي للعمل.

ومن المعروف أن المستثمرين الأجانب لا يأتون لأي مكان في العالم ما لم يتأكدوا من عدم وجود منافسة محلية حقيقية، كما أنهم يركزون على المضاربة بالأوراق المالية وتجارة التجزئة والقطاعات التي تحقق لهم ربحاً سريعاً ومضموناً، في حين يهربون من الاستثمار في القطاعات الصناعية التي تحتاج إلى رأسمال ضخم، وأرباحها غير مضمونة على المدى القصير، وهو الأمر الذي يجعل اقتصاد هذه الدول هجيناً مشوهاً وهامشياً يتبع المراكز الرأسمالية، فتضعف مؤسسة الدولة وتصبح سلطاتها العامة شكلية لا تملك قراراً مستقلاً؛ لأن القرار السياسي الفعلي، في هذه الحالة، ليس قراراً داخلياً صرفاً، مما يخل بمفهوم الاستقلال السياسي لأنه لا استقلال سياسياً من دون استقلال اقتصادي.

back to top