د. وفاء الأيوبي: أنا متمرّدة على كل ما هو غير إنساني

● تستعدّ لإصدار بحث في المعتقد والأديان القديمة

نشر في 30-03-2018
آخر تحديث 30-03-2018 | 00:00
الدكتورة وفاء الأيوبي باحثة، وشاعرة، وأديبة تعكس كتاباتها الهم الإنساني، فهي تعاني فقدان كثيرين الإنسانية وينزف قلمها ألماً بسبب الأوضاع التي آلت إليها دول عربية عدة، ولا تجد مفراً من هذا الواقع إلا بالكتابة. «همس الصدى» ديوان شعري جديد لها، يتضمّن قصائد شاملة الوطن والإنسان وقضايا المرأة برؤية تغلفها ضبابية ناتجة عن التفنن في ممارسة أساليب العنف، لكن من دون أن تفقد الرجاء بغد أفضل وبالعودة إلى ينابيع الأصالة، وبردع أخلاقي وروحي يصحح البوصلة.
لماذا العنوان «همس الصدى»؟

كل ما يمرّ به الإنسان يعتمل في الذاكرة، يرسو في حناياها ويتقوقع، ولما تتمرد وترفض هذه التراكمات اللامنطقية، يكون الصدى همساً يُوجِع أو نغماً يُلهم أو شهقةً تَستغيث.

هل هو صدى معاناة الإنسانية في عالم يفتقد إلى الإنسانية، أم مناجاة الذات؟

إنها مناجاة الذات الإنسانية بسبب معاناتها الجرح الكوني من اللاإنسانية. أليس الإنسان جزءاً من الذات الإنسانية؟!

يبدو الإنسان في الديوان هو الهمس وهو الصدى، فهل تبحثين من خلاله عن نور ورجاء وجمال؟

من خلال الديوان أبحث عن السلام بتسليط الضوء على الجمالات: جمال النفوس، وجمال الشعور، وجمال الكون، ورجاء لبناء الإنسان المثال.

يزخر الديوان بتأملات في التقوى والشكوى والحنين والأنين، فهل هو صورة عن تجاربك الحياتية وتوق إلى ما هو أبعد من الوجود؟

لا تكون الكتابة إلا ترجمة للحياة بقصد أو من دون قصد، لأن عجينة الشاعر إن كانت من تقوى يبزغ منها التوق إلى السعادة وهذه السعادة غير متاحة في هذا العالم. وهل سعادة المؤمن إلا بلقاء ربه؟!

موت الإنسانية

في الديوان قصائد وطنية وغزلية واجتماعية، القاسم المشترك بينها شخصيتك الثائرة والعاشقة في آن... فهل تحملين هموم المرأة والوطن في عالم تتراكم فيه الحروب والعنف والمشاكل الاجتماعية؟

أعشق الحرية معجونة بالكرامة، أهوى الأرض التي جبلنا منها ونعيش على ترابها ونأكل من خيراتها فكيف لا نحافظ عليها؟ كتبت في الوطن «وصية الدم» و«قانا» في ديوان «رحيق الأعاصير» وفي الأمة العربية «حلم المارد» في ديوان «ظلال على الورق».

أنا متمردة على كل ما هو غير إنساني، كتبت: «ثائرة» في «رحيق الأعاصير».

همي المرأة والشباب والوطن لأنه بدون المرأة لا قيامة للوطن، فعماد الوطن هم الشباب الذين يبنونه ويدافعون عنه. ومن يعجن الشباب بخميرة الإيمان والكرامة الا المرأة؟! إنها جذوة الحياة.

العنف سلاح الإنسان الأول، كان يقتل ليعيش. ولكننا الآن نقتل لنتلذذ بالتنكيل بأجساد الأحياء قبل الأموات، ويبدو أن مجتمعاتنا فقدت بوصلة الإنسانية وباتت تتقدم إلى الخلف.

في الديوان نبض غربة يعيشها أهل هذا الشرق، وحزن دفين، فهل مرد ذلك تأثرك بما يجري من حولنا من حروب ومآسٍ؟

وهل الشاعر إلا مرآة يرتسم فيها الوطن بأشجانه وأحلامه؟! وهل حالنا تسر عدواً أو صديقاً!؟ من منا يمكنه قتل الذاكرة وإلغاء الضمير وإماتة الشعور وإدارة ظهره للوطن وللعالم العربي؟! كتبت «شرقنا يتفجر بالرياحين» و»من يمسح دمع البوادي» في ديوان «ظلال على الورق» وكتبت لغزة «إليك يا حبيبة». فالوطن العربي يعيش موت الإنسانية: تهجير وتقتيل ووحشية ما بعدها وحشية، كأن العقل قد تبرأ من الإنسان وكذلك الوجدان، وتسأليني إن كنت أعيش في غربة: أنا أعاني قرحة وجدانية قابعة في صميم القلب تتحكم بشرايينه. كتبت «من أنا» و«ندوب» و«زئير» في ديوان «همس الصدى».

في قصائدك بحث عن الذات التي ضاعت وسط العالم التكنولوجي، فهل ترمين من وراء ذلك إعادة التواصل العاطفي بين القلب والروح؟

كتبت «خلية مستوحدة» في ديوان «همس الصدى» فالذات تهوِّم مغتربة في بحور وجدانية، تغوص وتطفو وتغوص وتطفو وشاطئ الأمان ما هو إلا روح الإنسان وما جبل عليه من نقاء نسيه وتبرأ من الإنسانية في عالم المادة عالم التكتولوجيا حيث لا قيمة للإنسان. فكتبت «كفن» لأصور الحالة العامة و«همسة نور»، و«حلم» في ديوان «همس الصدى» لتمثل الأحلام.

في الديوان صور دينية، فكيف يمكن أن تتواءم مع الشعر وما تأثيرها فيه؟

تتواءم الصور الدينية مع الشعر ما دام الباعث على الشعر هو الإيمان، وهو المحرض على التغيير ولذا لا بد من أن تكون الصور الدينية هي الحجة للإقناع . كتبت في هذا الصدد «رمضان» و«وألله أكبر» و»رحماك ربي» من ديوان «همس الصدى».

جمع بين متناقضات

يمزج الديوان بين الشعر والنثر، لماذا اعتماد هذا الأسلوب؟

وهل الحياة لون واحد؟ وهل الإنسان إلا مزيج من عواطف متباعدة؟! وهل الإنسان الا مادة وروح؟! وهل في الروح من عناصر المادة شيء؟ للروح غايات وللجسد غايات أخرى وهل جمال الحياة إلا بالجمع بين المتناقضات؟! فكلا الشعر والنثر يمكنه حمل أية قضية من قضايا الإنسان.

ماذا تعني اللغة العربية بالنسبة إليك، لا سيما أن لك قصيدة في الديوان حول اللغة العربية؟

اللغة العربية حاملة التراث العريق، هي لغة الأجداد وحاملة همومهم وأشجانهم، طموحاتهم وإبداعاتهم. بها تتوحّد الأمة العربية.

اللغة العربية هويتنا، إن فقدناها تقطعت أوصالنا وتشرذمت وحدتنا وضعف شملنا، فطمعت بنا كل أمة، وسعت إلى نهش لحمنا أحياء!

عاداتنا وتقاليدنا، أهواؤنا وكوابيسنا، فتوحاتنا وهزائمنا هي في لوحة التاريخ بلغتنا، فكيف يمكننا أن نتجاهل قيمتها؟!

الديوان «همس الصدى» يحوي قصائد عدة عن اللغة العربية أولها «اللسان العربي» ثم «لغتي بين الغفلة والزئير» و»أبجديتنا والصدى»، وما زالت جعبتي مثقلة بهم اللغة العربية.

إلى أي مدى ساهمت مهنتك في الجامعة واحتكاكك بالطلاب في تعميق فهمك قضايا الشباب والتعبير عنها؟

أدرّس في الجامعة اللبنانية منذ ثماني سنوات، لكني أستاذة منذ حصلت على شهادة البكالوريا، لذا ثمة ترابط بيني وبين مهنة التعليم ووشائج صداقة عصية على الانفكاك!

وجودي إلى جانب الطلاب في مختلف سني عمرهم جعل من هذا الفكر منفتحاً على قضاياهم نفسياً واجتماعياً في كل مراحل أعمارهم. أخت كبرى أنا وأم ورفيقة درب، وقد أكون صديقة يُسِرُّ إليها الطالب بمشاكله المعقدة. أنا سندهم، أصل بهم إلى الشاطئ الآمن تربية وأخلاقاً وتمسكاً بلغتنا وإن لم يكن نصيب بعضهم البراعة فيها.

لكن حتماً لي يد في تكوين شخصيتهم المنفتحة على الآخر التي تأنف الخنوع وتحلم بالسلام يعم الكون.

إنتاج متنوع

حول الجديد الذي تعمل عليه راهناً توضح الدكتورة وفاء الأيوبي: «لي في الفكر كتاب «حضارتنا والعولمة إلى أين؟» طبع منذ ثلاث سنوات فنفدت الطبعة الأولى وأعدت طباعته للمرة الثانية، كذلك صدر لي كتاب «سياحة فكرية في حرم الفنون والمدارس الأدبية» هذا العام، قبل ديوان «همس الصدى»، ولي مؤلفات أخرى في الأدب والعروض والوزن والقافية وهي كتب أكاديمية بحتة».

تضيف: «وثمة كتاب أفخر بأنه سيصدر قريباً في دراسة القصة العربية وكيفية كتابة قصة للصفوف المتوسطة والثانوية». تتابع: «اليوم وبعد صدور ديواني الثالث «همس الصدى» الذي سبقه إلى الوجود ديوان «رحيق الأعاصير» وديوان «ظلال على الورق» أجد نفسي أحاول البحث في المعتقد والأديان القديمة. ولربما أنهيت مؤلفي هذا بعد أشهر عدة، كما قد أعمل على كتابة رواية، إذ تهفو نفسي إلى التنويع في الموضوعات يجمع بينها الأسلوب الجاذب الذي يحمل معرفة ومتعة ممررة مُثُلي إلى طلابي أنَّ على الإنسان الانصراف دائماً إلى العمل والانتاج ما دام فيه عرق ينبض ولا يكون عالة على مجتمعه لتنمو شخصيته باتزان، فقد قيل«البطالة أم الرذائل».

أبحث عن السلام بتسليط الضوء على الجمالات
back to top