الكاتب يوسف رقة: نصوصي محورها الحق والإنسان والعدالة

• «الهيئة العربية للمسرح» بارقة أمل للنهوض بالمسرح العربي

نشر في 20-02-2018
آخر تحديث 20-02-2018 | 00:05
ابن بلدة الشهابية قضاء صور في جنوب لبنان، عشق الكاتب المسرحي يوسف رقّة المسرح منذ طفولته، وتابع رغم صغر سنه، الأعداد الأولى من «سلسلة المسرح العالمي» التي كانت تصدرها وزارة الثقافة الكويتية. نما هذا العشق معه، وعندما كبر تخصص في الإخراج المسرحي إلى جانب الحقوق، وكانت له سلسلة من المسرحيات التي قدمها على المسرح كتابة وإخراجاً، فضلاً عن أداء أدوار مسرحية وتأسيس فرق مسرحية.
«33 صلاة في جوف الحوت»، نص مسرحية كتبه خلال محاولة الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 2006، وأصدره اليوم في كتاب، لتصويب البوصلة إلى الأطماع التاريخية والأهداف التوسعية للكيان الإسرائيلي الجاثم في قلب الخريطة العربية.
نص «33 صلاة في جوف الحوت» صدر في كتاب اليوم ولم يقدم على المسرح. ما السبب؟

عدم إمكانية إنتاجه على الخشبة، إذ لا تتوافر في بلادنا إمكانات الدعم المادي لعودة الحياة إلى المسرح. لا توجد «حالة مسرحية» كما كان لبنان في السابق. المسرح ينحدر، ويقتل، ويهمش، ونادراً ما يستمر عمل مسرحي لأكثر من يومين أو ثلاثة أيام.

... ليكن الكتاب حاضراً، ربما بعد قرن أو عصر، تعود الحياة إلى تلك الخشبة المطعونة بخناجر أنصار الجهل وأعداء الحضارة والثقافة والتطور.

هل الكتاب مشهديات لهذه الحرب فحسب، أم رمز لما يجري اليوم على الساحة العربية؟

النص مستوحى من هذه الحرب ويتضمن لوحات خارجها (المكتبة، والقطار)، ولكن تربط بين تلك اللوحات حكاية تلك المرأة المحاصرة في بلدتها الحدودية. النص أبعد من نقل واقع حربي... هو يذهب بعيداً إلى قضايا إنسانية وطنية وفلسفية... الفكرة الأساسية للنص هي قضية الحصار والنزوح... أجد أنّ النزوح والهجرة أكثر إيلاماً من الموت والتدمير... النزوح هو تدمير الذات الإنسانية من الداخل.

هذا الموضوع عالجته أيضاً في كتابي السابق «أحلام يومية» الذي يروي حكاية نازح وزوجته ينتظران نهاية الحرب، تلك الحرب وبعدما انتهت، أدت إلى فصل الزوج عن الزوجة بسبب اختلاف المذهب الديني بينهما على بطاقة الهوية.

غالبية كتاباتي المسرحية ملتزمة بقضايا الإنسان، هي تحمل هاجس رفض الحرب، لكنها تتمسك دائماً بقضايا الحق والعدالة وحرية الشعوب في ممارسة سيادتها وحق تقرير مصيرها.

«33 صلاة في جوف الحوت»، عنوان يرمز إلى ذلك الحصار الكبير للإنسان في كل زمان ومكان. سيدنا المسيح عليه السلام حمل صليب الآلام 33 سنة على كتفيه من أجل الإنسان.. سيدنا يونس عليه السلام، عاش الحصار ثلاثة أيام داخل جوف الحوت، أنقذه الله، بعد صلواته. أما في جنوب لبنان، فإيمان الشعب وصلواته خلال 33 يوماً من الحرب الهمجية عام 2006 جعلا الغزو الإسرائيلي يتراجع ويعترف بالهزيمة أمام إرادة الشعب اللبناني العظيم.

إلى أي مدى يصوّر النص حالتك النفسية في تلك المرحلة؟

معروف علمياً أنّ النص يصوّر حال الكاتب النفسية من خلال أي كتاب يصدره أو مقالة يكتبها... وللجواب عن هذا السؤال ينبغي الاستعانة بمحلل سيكولوجي، وبالتأكيد سيجد هذا الطبيب النفسي تناقضات وتخبطات وإحباطات في النص، لكنه سيجد الإيمان بالنصر وبالإنسان أيضاً.

وأعترف بأنّ هذه الأمور ظهرت من خلال الحوار عن فقدان الثقة بالحراك الدولي في تلك الفترة، كما يظهر بعض الأنانيات التي برزت عند بعض الأشخاص خلال تلك الحرب... وفي الوقت ذاته، ثمة من قدّم وضحّى وترفع عن الصغائر من أجل الآخرين ومن أجل الأرض والإنسان.

يتضمن الكتاب 48 مشهدية بدأتها في المشهد الأول بثلاثة مهرجين، لماذا قصدت الانطلاق من شخصية المهرج؟

بدأ النص بمشهد المهرجين الثلاثة، ليعبّر عن عبثية تلك المرحلة، فنسمعهم يطلقون كلمات متداولة ومتناقضة عن حيثيات الفكر الأيديولوجي والسياسي السائد. لم أقصد إطلاقاً ما ذهب إليه البعض من تفسيرات، منهم من اعتبرهم بمثابة «ترويكا» أو ثلاثي للنظام العالمي الجديد، ومنهم من ذهب إلى تفسيرات أخرى.

الحقيقة أن هؤلاء المهرجين مجرد إيحاء مسرحي للتعبير عن فكرة التخبط والصراعات القائمة على الاتهامات المتداولة التي لا تنتهي إلا بسقوط مظلة من خارج الفضاء المسرحي.. تلك المظلة التي لا تعرف إلا الحرب ولا ترى إلا الحرب.

معايير وأنماط

هل يفترض أن ينقل الكاتب المسرحي الواقع كما هو؟

تختلف مهمة الكاتب المسرحي عن مهمة الكاتب الروائي. ليس على الكاتب المسرحي أن ينقل الواقع أو يصوره كما هو. أدوات المسرح تختلف عن التعبير الأدبي الروائي أو القصصي.. في المسرح رمزية، وإبهار، ومؤثرات من خلال الضوء أو الموسيقى، أو الديكور الذي لا ينتمي إلى الواقع، يكفي أن نضع زهرة على نافذة، لنوحي للمشاهد أننا في زمن ما.. أو ساعة على جدار، لنوحي أننا في مكان ما.. ليس على الكاتب المسرحي أن ينقل الواقع كما هو بل عليه أن ينطلق من وقائع معينة، وصادقة، تستهدف تغيير هذا الواقع.

ما أبرز المقومات التي تعتمدها في الكتابة المسرحية؟

ثمة أنماط كثيرة في الكتابة للمسرح: العبثي، واللاواقعي، والتقليدي. أما النمط الذي اعتمده في الغالب، فهو النمط الملحمي الذي لا يعتمد الطريقة السردية في خط واحد (بداية وتمهيد، والعقدة، والنهاية والحل)، بل على لوحات مستقلة يربط بينها خط درامي واحد، لأفكار متعددة، وترتبط بفكرة الهّم الإنساني حول وجوده وحريته.

كونك ابن جنوب لبنان، هل أثرت بيئتك في توجيه قلمك إلى تكريس الأرض والانتماء في أولويات كتاباتك؟

لا يتعلق الموضوع بالبيئة. عاش أهل الجنوب بيئات مختلفة عبر الزمن، متناقضات كثيرة كانت سائدة بين الفكر الإقطاعي والصراعات العائلية... بين الولاء للسلطة الحاكمة والمعارضة، بين مؤيد لحق الشعب الفلسطيني في أرضه ومتعامل ضد قضيته العادلة. لم أكتب هذا النص لأنني ابن الجنوب وأتعصب لبيئتي، إطلاقاً، بل أنطلق من إيماني بالوطن وامتداده العربي، ولا أستطيع إلا أن أكون مناصراً لقضايا الحق والإنسان والعدالة. الأولوية عندي هي الإنسان الرافض لبشاعة الحرب وويلاتها، والمتمسك بكرامته وبتراب أرضه.

في نص مسرحية «أحلام يومية» (2015)، حملت الهّم العربي والصراعات الدائرة فيه، وفي مسرحية « الشاطر» (2000) حذرت من الفساد ومن العودة إلى الحروب الداخلية.

اختلاف في الرؤية

كونك كاتباً ومخرجاً هل تختلف رؤيتك للمشهد بين الورقة وخشبة المسرح، بمعنى أن رؤية المسرحية في الكتاب تحتلف في نواحٍ معينة عن الرؤية الإخراجية على المسرح؟

لا يمكن لكاتب أن يطلق رؤيته الإخراجية على الورق أو في كتاب، ذلك أن النص رهن بالرؤية الإخراجية للمخرج، ولكن، ربما قدمت للمخرج خلال كتابة النص، بعض المساعدة للخروج من الرتابة الورقية ولجعل النص صالحاً للعرض المسرحي.

نعيش منذ عقود مشكلة كتابة النص المسرحي، تكتب نصوص أدبية ولكنها لا تنتمي إلى الأدب المسرحي الصالح للعرض... هذه النصوص تبقى أسيرة المكتبة العربية ولا ترى النور على الخشبة، وأذكر دعوة للكاتب السوري الراحل سعد الله ونّوس لبناء «علاقة صداقة» بين الكاتب المسرحي والمخرج المسرحي، للخروج من أزمة النص المسرحي السائدة.

المسرح ليس مقيداً بوجود نصوص مسرحية. ثمة عروض مهمة لم تكتب على الورق أصلا ونحترمها، وثمة ارتجال في المسرح وعروض مسرحية تعتمد على عبارت لفظية محدودة، ومسرح الإيماء... أعتقد أن أزمة المسرح ليست في النصوص أو عدمها، الأزمة تكمن في عدم وجود النوايا للنهوض بالمسرح وإيجاد ما أطلق عليه تسمية «الحالة المسرحية».

لديك مجموعة مسرحيات قدمتها على المسرح، فهل ثمة رابط بينها أو أن كل واحدة منها تصوّر عالماً مستقلاً عن الآخر؟

الرابط بين النصوص التي كتبتها هو التمسك بإنسانية الإنسان وقضاياه، ورفض الحرب والتعلق بالأرض والقضايا العادلة، ورفض الغزو الأجنبي والاحتلال، والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية والحرية وإحلال السلام المبني على الحق والعدالة وحرية تقرير المصير.

كيف تقوّم المسرح العربي اليوم؟

نشهد أعمالاً مسرحية مهمة في بعض الدول العربية، لكنها موسمية، وتبقى للأسف في الإطار المحلي لكل دولة من الدول.

ثمة بارقة أمل، أطلقها حاكم الشارقة الدكتور محمد سلطان القاسمي في إنشاء «الهيئة العربية للمسرح» التي تسعى إلى إيجاد مؤسسات عربية تسعى إلى النهوض بالمسرح انطلاقاً من إغناء المكتبة العربية بالكتب النقدية والنصوص المسرحية والدراسات، وإطلاق ورشة «المسرح المدرسي» وإقامة مهرجانات للعروض المسرحية مداورة في البلدان العربية، آخرها «مهرجان تونس للمسرح العربي» بعد مهرجان الكويت الذي أقيم في العام المنصرم. عدا ذلك، المسرح في حال يرثى لها.. للأسف.

«سبحان الباقي في الحي»

حول آخر مشاريعه يوضح الكاتب المسرحي يوسف رقّة: «آخر نص مسرحي كتبته كان «سبحان الباقي في الحي»، وهو نص ميلودرامي عرض أخيراً في إطار مهرجان نقابة الفنانين في اللاذقية، يروي حكاية رجل يحاول إعادة فكرة الوحدة العربية من خلال الإبحار في سفينته من المحيط إلى الخليج، بعدما فشل العرب في إقامة الوحدة على اليابسة. النص فكاهي، ساخر ينتمي إلى الكوميديا السوداء. أدى هذا الدور الممثل اللبناني سليم علاء الدين».

نص «33 صلاة في جوف الحوت» يذهب بعيداً إلى قضايا إنسانية وطنية وفلسفية
back to top