التشكيلي محسن عطية: الغموض أساس نجاح العمل الفني

● «مغامراتي بالألوان» معرضه الأخير

نشر في 30-01-2018
آخر تحديث 30-01-2018 | 00:04
يرى الفنان والناقد التشكيلي د. محسن عطية أن الفن عموماً لا بد من أن يتميز بدرجة من الغموض، لأن الوضوح والمحاكاة المباشرة يؤديان به إلى السطحية.
«الجريدة» التقت عطية واستعرضت رؤيته للحركة التشكيلية الراهنة بما لها وعليها.
«مغامراتي بالألوان» عنوان معرضك الأخير في غاليري العاصمة. لماذا هذا العنوان وإلى أين تقودك هذه المغامرات؟

العمل الفني بالنسبة إلي نوع من المغامرة في المجهول، لذا لا تكون خطواته معروفة بشكل مضبوط من البداية حتى النهاية، بل ثمة مراحل كثيرة عن طريق الاستفادة من المصادفة والمتغيرات الطبيعية بين الأشكال والتغيرات الكيماوية المتبادلة بين المواد المستخدمة.

العمل الفني في نظري رحلة في المجهول ومغامرة، لأني لا أعرف إلى أين سينتهي. من ثم، جاء العنوان «مغامراتي بالألوان».

تباينت أحجام الأعمال، فما هي فلسفة هذا التباين؟

تتميّز الأحجام الصغيرة بالنسبة إلي بطبيعة خاصة فينتهي العمل بسرعة، وأنفذ فيه الفكرة متحكماً بالوسيط والحجم، وأنتج منه الكثير حتى في الظروف الصعبة وفي غياب الوقت المطلوب.

أما الأعمال الكبيرة فتأخذ فترة أطول، وقد لا أستطيع التحكم فيها، لذا هي قليلة. ورغم أن الاشتغال عليها ممتع، فإنها أحياناً لا تحقق الغاية منها، لأنها تكون أكبر من قدراتي. كذلك إذا انقطعت عنها أثناء العمل لن أتمكن من إكمالها فتتلف، لا سيما أن نوع العمل الذي أنتجه لا بد من أن يُنّفذ مرة واحدة وليس على مراحل.

ولكن ثمة من يرى أن الحجم الصغير يحدّ من حرية الفنان في العمل.

بالنسبة إلي الأمر مختلف. الأفكار التي أريد تنفيذها بسرعة ورؤية نتيجتها تكون صغيرة، وقد تساعد في منحي إشارة لفكرة يمكن تنفيذها على أعمال كبيرة، فأعتمد على العمل الصغير كأنه «إسكتش».

بين التجريد والتشخيص

تتراوح أعمالك بين التجريد والتشخيص، فما السبب؟

أنا فنان تجريدي، ولكن ليس معنى ذلك أني أقدِّم مساحات هندسية أو ألقي الألوان لمجرد التلوين. أي فنان تجريدي حقيقي يكون له أساس تشخيصي. حتى أن الاتجاه التعبيري الخاص لدى كاندينسكي له أساس تشخيصي. لكن ثمة فنان يظهر التشخيص في الأعمال التجريدية الخاصة به، وآخر يستمر في عملية الإيجاز والتلخيص وتجريد العنصر الطبيعي ليصل إلى درجة عالية منه. إذاً، المسألة نسبية، الأعمال التي تبدو تجريدية فقط هي نسبة أعلى لتجريد التشخيص.

لكن لماذا يقُال إن الفن التجريدي غير مفهوم؟

الفن عموماً لا بد من أن يتضمّن درجة من الغموض، لأنه عندما يكون واضحاً بشكل محاكاة مباشرة سيتصف بالسطحية أو المباشرة، فيما أن عنصر المجاز هو صفة العمل الفني الأصيل في الفنون كافة، فلا يصل الرائي أو القارئ إلى المعنى بشكل مباشر.

ما الذي يميز العمل الفني، أصالته أم حداثته؟

الأصالة في الوقت نفسه تترجم على أنها جديد، أو أصيل ليس له شبيه. وفي فترة الستينيات، كان ثمة من يقول إن لهذا العمل أو ذاك أصلاً في التاريخ، بمعنى أن ما يشابه الفن الشعبي أو السيريالي يصبح أصيلاً. لكن العنصر الذي أتبناه أكثر هو أن كلمة الأصالة تعني الجديد الذي له جذور في الفنون كافة.

أصالة ومعاصرة

تنتمي إلى جيل السبعينيات، فما الذي يميزه وما الرابط بين أبنائه؟

ارتبط جيل السبعينيات بفكرتي الأصالة والمعاصرة، سواء من النقاد أو الفنانين، وهذا المبدأ كانت تدعمه المؤسسات الثقافية، أي تدعم إيجاد فن مصري حديث، ولكن له جذور شعبية أو إسلامية أو فرعونية أو قبطية. وهذا الجيل أيضاً حمل أعماله الفنية رموزاً ثقيلة، كان لديه شعارات يجسدها بشكل رمزي كالحصان أو الشمس أو الصناعة، وكل الرموز كانت مرتبطة بثورة 1952 وما يدعمها كالتصنيع والزراعة، ولا يزال كثير من أعمال الرواد يتعايش مع الواقع، ورغم أني أمارس العمل الفني منذ السبعينيات، فإنني خلال الثمانينيات وما بعدها تعايشت مع الأفكار والحركات الجديدة.

ولكن يتردد أن جيل السبعينيات نجح في ابتكار حالة خاصة به مقارنة بالأجيال التالية بعده.

لا ننكر أن في الحركة الفنية المعاصرة الفنان يعمل على طبيعته، واليوم يؤدي الوسيط دوراً كبيراً في العمل الفني والدراسة الفنية لم تعد ضرورية كما كانت في السابق. كذلك الفنان الأكاديمي كان يستعرض مهاراته التي تعلمها في الكلية، ولكن اليوم نجد أن سهولة استخدام الكمبيوتر والوسائط الحديثة أسهمت في دخول فنانين إلى الساحة رغم أنهم لم ينتموا إلى التسلسل الأكاديمي.

كذلك غابت القيود التي كانت تفُرض على الفنان الأكاديمي، ومن هنا تراه يستخدم السطح والموضوع الجاهز أو يستعين بتقني في التنفيذ، ومن ثم ازداد عدد الفنانين، وانتشرت السهولة في طريقة التفكير، لأن الأداة باتت طيعة في يد الفنان، فأصبحت المهمة الأساسية تنصب على قيمة العمل، وإنتاج أفكار جديدة.

الوسائط الحديثة وسعت الفجوة بين الفنان والناقد
back to top