صاحب الرأي لا يُسجن

نشر في 29-01-2018
آخر تحديث 29-01-2018 | 00:08
 د. بدر الديحاني الحرية قيمة سامية وحق أصيل من حقوق الإنسان، لذا نصت المواثيق الدولية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأيضاً دساتير الدول الديمقراطية كافة على أن الحريات، ومن ضمنها حرية الرأي والتعبير، مكفولة، أما القوانين التي تضعها الدولة فهي تُنظّم الحريات فقط ولا تُقيّدها، حيث إن تقييد الحرية يعتبر انتهاكاً لحقوق الإنسان مثلما حصل في ترسانة القوانين التي أقرّت على عجل في السنوات القليلة الماضية بهدف منع التحركات الشعبية السلمية المطالبة بالإصلاح السياسي والديمقراطي، وكانت نتيجتها سجن عدد من السياسيين والشباب بتهم تتعلق بحرية الرأي والتعبير التي كفلها الدستور، بل إن بعضهم حكم عليهم بالسجن بسبب "تغريدة" على حساباتهم في "توتير" تنتقد سياسات دول مجاورة مع أن انتقاد السياسات العامة لا يضرها، بل على العكس يوفر معلومات إضافية مجانية قد يستفيد منها متخذ القرار، هذا ناهيك عن أن الشخصيات العامة معرضة للانتقاد والتجريح، بل الاستهزاء أحياناً مثلما يحصل حالياً، مثالاً لا حصراً، مع الرئيس الأميركي "ترامب" سواء داخل أميركا أو خارجها.

حرية الرأي والتعبير تسمح بمعرفة الرأي الآخر الذي من المستحيل سماعه في حال تقييدها، فما بالنا إن كان الرأي الآخر هو رأي مصدر السلطات جميعاً، وهو الشعب الذي تحرص حكومات الدول الديمقراطية أشد الحرص على مشاركته في سلطة اتخاذ القرارات والسياسات العامة، وتقييم نتائجها من أجل عملية ترشيدها، إذ إن غياب الرأي الآخر يجعل القرار أحادي الجانب، وهذا يُخلّ بقواعد اتخاذ القرار الرشيد.

الشركات التجارية الكبرى الباحثة عن تعظيم الأرباح المادية تلاحق الزبائن على الدوام كي يقوموا بتقييم سلعها وخدماتها لأن ذلك يمنحها معلومات إضافية ومجانية، كما تشجعهم على تقديم الشكاوى والاقتراحات، حيث تقوم إدارات متخصصة لديها بتحليلها والاستفادة منها في تطوير سلعها وخدماتها.

وفيما عدا الدول البوليسية أو جمهوريات الخوف والرعب فإن صاحب الرأي لا يُسجن مهما كان رأيه حاداً وقاسياً، إذ تكفي إدانة المحكمة، أو الغرامة المالية الرمزية لرد اعتبار من يرى أنه تضرر منه، هذا مع العلم أن الدول المدنية الديمقراطية التي يرتفع فيها سقف حرية الرأي والتعبير هي أكثر استقراراً وأمناً من الدول البوليسية التي تقمع الحريات وتراقب تحركات الناس.

وكي لا تمتلئ السجون بأصحاب الرأي والسجناء السياسيين ويعيش الناس تحت هاجس الخوف من إبداء آرائهم، فإن المطلوب هو فتح الفضاء العام أمام الناس كافة كي يُعبروا بحرية عن آرائهم وينتقدوا السياسات والشخصيات العامة، وذلك بإلغاء كل القوانين المُقيّدة لحرية الرأي والتعبير التي كفلها الدستور والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

back to top