دعك من قوة الردع البريطانية... هذا ما تخشاه روسيا حقاً

نشر في 27-01-2018
آخر تحديث 27-01-2018 | 00:04
حاملة طائرات بريطانية
حاملة طائرات بريطانية
تتسلح روسيا بصورة يمكن أن تبرر إقدام الحكومة البريطانية على مشتريات كبيرة من مختلف الأسلحة، ولكن على الرغم من ذلك فإن القليل من الحديث فقط يدور حول الجوانب التي ثير اهتمام موسكو.

وتعتبر قدرات المملكة المتحدة وإنفاقها في ميدان الدفاع في خضم مراجعة مريرة يثيرها في أغلب الأحيان الخطر المحتمل من جانب روسيا، سواء كان ذلك يعني قطع خطوط الإنترنت في المحيط وتحليق القاذفات في أجوائنا أو قيام القوات الروسية بغزو دولة تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو).

وإذا أردنا استخدام كلمة اليوم في هذا السياق، نقول إن روسيا تتسلح بذريعة خدمة المصالح الخاصة وتبرير مشتريات أنظمة جديدة، وعلى الرغم من ذلك وفي ضوء أن روسيا المعتدي الأكثر خطورة الذي قد تواجهه المملكة المتحدة فإن اللافت هو ذلك القدر القليل من النقاش الذي يدور حول نوع القدرات العسكرية البريطانية الذي يثير بشكل حقيقي الجنود والمخططين الاستراتيجيين في روسيا.

وبحسب الدروس المستقاة من الكتابات المتعلقة بالجوانب الحربية الروسية ومحادثاتي مع الضباط في الجيش الروسي– من المتقاعدين والعاملين في القوات النظامية في الوقت الراهن– أستطيع أن أرى ثلاثة عوامل للقلق في هذا الصدد.

الإشارة إلى أن المملكة المتحدة تدمج وتقلص قواتها الخاصة والمكلفة بعمليات التدخل ستقابل من دون أدنى شك بترحاب وارتياح في العاصمة الروسية، وكما قال لي ضابط روسي متقاعد في الآونة الأخيرة من إدارة التخطيط ذات مرة وبدرجة من الحماسة غير معتادة فإن «بريطانيا كان لديها دائماً أفضل قوة مشاة خفيفة في العالم والأوغاد يصلون إلى أماكن بصورة أسرع مما نود تحقيقه».

الحرب بين روسيا والناتو

من المعروف في ميادين القتال أن الدبابات تشكل قوة رائعة لمحاربة الدبابات المعادية، ولكن ثمة احتمال جدي بسيط في أن تقع حرب واسعة النطاق بين روسيا وقوات حلف شمال الأطلسي، ومن كل شيء آخر، بما في ذلك التدخل البشري وتفادي الاستيلاء على الأرض كما حدث في القرم، فإن ما يهم هو الوصول الى ساحة المعركة بسرعة وليس في وقت متأخر، وهنا يصعب إلحاق الهزيمة بالقوات الخاصة ومشاة البحرية والمظليين البريطانيين.

الجوانب الجيوسياسية

وتلائم هذه القوات العسكرية أيضاً الجوانب الجيوسياسية لفترة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروربي (البريكست) ويرجع ذلك إلى أنها تسمح للمملكة المتحدة بتحقيق غايتها المعتادة المعروفة باسم «توجيه ضربة بقدر يفوق وزنها»، وعلى الرغم مما تبدو عليه هذه الصورة من سلوك ينم عن عدم احترام للجوانب الإنسانية فإنها تسعد الحكومة الفرنسية. وفي رحلة قمت بها في الآونة الأخيرة الى فرنسا وزرت خلالها وزارة الدفاع في باريس سمعت بصورة متكررة تعابير قلق من أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيجعل فرنسا الدولة الأخيرة في الاتحاد الأوروبي التي تملك القدرة العسكرية والإرادة من أجل القيام بعمليات كبيرة ومؤثرة في خارج القارة الأوروبية، وإذا كنا لا نزال شركاء محتملين فإن ذلك يعطينا صدقية ونفوذاً ودوراً مؤثراً.

وبطريقة ما لدى روسيا فكرة مماثلة حول سلاح البحرية الملكية البريطانية– ويتمثل الشيء الذي يقلق موسكو ليس في حاملات الطائرات البريطانية الضخمة التي قال أحد ضباط البحرية إنها ستوفر «قوة صاروخية هائلة» في زمن الحرب، بل إن القلق يرجع إلى القوات الخفيفة الأصغر. وعلى سبيل المثال فإن الغواصات تملك القدرة على العمل في المياه الشمالية وفي وسع البوارج حماية سواحلنا وعرض القوة في الخارج.

وكما قال ذلك الضابط البحري يكفي ببساطة أن تكون لديكم الأعداد اللازمة من السفن لنشرها في أي وقت، وأضاف: «إذا كانت البحرية تتكون بشكل أساسي من مجموعة حاملات طائرات واحدة فقط، فإن في وسعكم القيام بعمل واحد بصورة جيدة فقط ولا شيء غير ذلك».

نجاح القوات الروسية

والجانب الآخر الذي يعتقد الروس أنه يشكل تقدماً بالنسبة الى المملكة المتحدة لا يتمثل بالقوات والوحدات العسكرية المحددة، بل في التدريب والمعنويات العالية، ويمثل نجاح القوات الروسية في شبه جزيرة القرم وسورية بشكل جزئي تركيزاً جديداً غير مألوف على الجانب البشري في العمليات الحربية، وكان من الملاحظ وجود مشاكل لدى المملكة المتحدة حول اضطرارها الى تقليص التدريب وتوسيع قواتها، ولاحظ أحد الروس أنه «في هذه الأيام يوجد لدى الأوروبيين ما وصفه بالجيوش ولكن ليسوا جنوداً». واستخدم كلمة تعني بصورة ما في الواقع أنهم قوة من «المحاربين».

وطبعاً يوجد العديد من المظاهر الأخرى الأساسية بالنسبة الى القدرات الدفاعية البريطانية، والسؤال هو: ما الذي يبدو أنه لا يثير قلق الروس؟ أنا لم أسمع مرة واحدة من شخص ينظر بصورة جدية إلى «قوة الردع النووية البريطانية»، ولكل أنواع الأسباب فإن هذا الجانب ليس موضع جدال جدي في الوقت الراهن– على الرغم من أن شطب تلك التكلفة من ميزانية الدفاع البريطانية سيشكل فارقاً كبيراً– ولكن يتعين علينا ألا نتظاهر بأن السبب هو أن موسكو تظن بأنها مسألة مهمة.

المصالح البريطانية

ويتعين على المراجعة المتعلقة بالدفاع النظر إلى المصالح البريطانية طبعاً، لكن إذا كانت عملية ردع الروس تمثل قلقاً رئيساً يتعين في تلك الحالة الاهتمام بالجانب الذي قد يردعهم بشكل حقيقي، ويتمثل هذا الجانب في وجود قوة مرنة وسريعة التحرك مكونة من مهنيين حقيقيين، وليس بالضرورة أن تكون تلك القوة مجهزة بأعتدة ثقيلة أو بأكبر السفن والطائرات، بل أن تكون قادرة على التوجه إلى الأمكنة التي تدعو الحاجة الى وجودها فيها.

● مارك غاليوتي - الغارديان

back to top