الإخوة والأخوات... أفضل الأعداء!

نشر في 22-01-2018
آخر تحديث 22-01-2018 | 00:00
No Image Caption
الأخوّة صلة قرابة نتعلّم من خلالها الدفاع عن النفس، ونختبر شعور الحبّ والكراهية في الوقت ذاته. كيف تكون هذه العلاقة، الحامية تارة والودّيّة طوراً، مهمّة في بناء شخصنا؟ إليك تفسير الخبراء لهذا الغموض.
نعتقد غالباً أنّ طفلنا سيسعد بوجود أخٍ له أو أخت. لكنّ هذه الولادة تصير أكثر فأكثر أشبه بقدوم المنافس، فيتحوّل اتساع العائلة إلى حدث يصعب عيشه. على طفلك البكر في هذه الحال أن يتعلّم مشاركة حبّ والديه مع شخصٍ جديد بعدما كان له بمفرده. وتأتي علاقة الأخوّة لتخرجه من الانصهار الأبوي الذي اعتاده: ينظر الطفل البكر إذاً إلى المولود الجديد كأنّه العنصر المغيّر الذي طرأ على العائلة المؤلّفة من ثلاثة أفراد. من هنا، تنشأ الغيرة والمنافسة ويبدأ كلّ منهما محاولاته لجذب انتباه الوالدين، من ثم يشعر بأنّه محبوب.

منافسة طبيعيّة

من الطبيعي أن يتفحّص الابن الكبير تصرّفات والديه وخدماتهما وإطراءاتهما التي يوجّهانها إلى الصغير، فيشعر بالمنافسة وبحاجة إلى مقارنة نفسه به. في بعض الأحيان، تغذّي كلمات الوالدين هذا الشعور من دون انتباه. بحسب الخبراء، يكونان إجمالاً بارعين مع طفلهما الثاني أكثر وأقل قلقاً ويعرفان كيفيّة التصرّف معه مقارنةً بتجربة الولادة الأولى... لكن لا بدّ من أن يتذكّرا دائماً أنّهما وصلا إلى هذه المرحلة بفضل طفلهما الأوّل الذي جعل منهما أباً وأمّاً بالأساس.

انطلاقاً من هنا، تستطيعين إشراك طفلك في الأعمال التي تقومين بها للاهتمام بمولودك الجديد فيشعر بدوره كمسؤول وبأنّ مكانته محفوظة. من المهمّ أيضاً أن تخصّصي له بعض الوقت ليقوم بنشاطات خاصّة به كما في السابق (كالتنزّه في الحديقة مثلاً). ينصحك الخبراء بتحديد وقتٍ خاص لكلٍّ من ولديك بدل أن تبحثي عن تقديم الأمور ذاتها إليهما خشية إثارة الغيرة بينهما.

كلّ يبني هويّته

لا تترتّب عن المنافسات ضمن الأخوّة نتائج سلبيّة فحسب، فالإخوة والأخوات هم غالباً أوّل من نواجههم في الحياة. هذه العلاقات أشبه بملعبٍ وجد ليجرؤ الطفل على إثبات نفسه وبناء شخصه وتكوين تفاعله مع أترابه، فيكون مميّزاً من بين كثيرين. كذلك في علاقة الأخوّة يتعلّم الدفاع عن النفس وشعور الحبّ والكراهية في الوقت ذاته.

يعتبر الخبراء أنّ الطفولة صراع لبناء الشخصيّة، وكما في لعبة كرة المضرب نحتاج إلى شريك يكون في الوقت ذاته خصماً لنتمكّن من اللعب. هذا هو الدور الذي يؤدّيه الأخ أو الأخت، فنحن أولاد الأهل ذاتهم لكنّنا مختلفون. من خلال مراقبة الطفل أخيه أو أخته، يلاحظ أوجه التشابه والاختلاف التي تميّزه. تسهم هذه الطريقة بتفرّده واعترافه بهويّته. فالمهمّ في علاقة الأخوّة ليس اكتشاف من الأقوى، بل اكتشاف الهوية الذاتية!

شركاء مدى الحياة

رغم أن النزاعات محتّمة في علاقة الأخوّة، فإن لحظات التواطؤ موجودة أيضاً. لا تُفاجئي إذا لاحظت أنّ بعد دقائق من الخصام اقترب طرف من الآخر، واكملا لعبتهما كأنّ شيئاً لم يكن. في هذه العلاقة، يجعل الصغير أخاه الكبير يلعب بطريقة تراجعيّة، وهو أمر مسموح. أمّا البكر فيحفّز الصغير من خلال إدخاله في ألعاب الأكبر سنّاً. من ثم، ينشأ نوع من التبادل بين الطرفين، وكلّ واحد يجد ما يفيده، ويولد نوع من الإعجاب بينهما.

يتشارك الأخوة والأخوات ذكريات الطفولة لاحقاً ويشكّلون مجالاً حميماً مشتركاً. في الواقع، نمضي معظم الوقت في حياتنا مع إخوتنا وأخواتنا، وليس مع والدينا أو شريكنا. من هنا، تكوّن الطفولة المتقاسمة قاعدة مشتركة وتجربة حياة فريدة من نوعها حيث يكبر كلّ فرد مع الآخر وإلى جانبه. في مرحلة الطفولة، يعتبر وجود الإخوة والأخوات في حياتنا أسوأ ما قد يحدث لنا، ويكون أجملها حين نكبر ونخسر والدينا... أفضل الأعداء مدى الحياة!

هل من فارق عمر مثالي؟

ثلاثة أسئلة تحت هذا العنوان يجيب عنها الخبراء:

• ماذا لو كانت الأعمار متقاربة؟

عندما تفصل سنة أو سنتان بين طفلين، تكثر المتطلّبات من الوالدين. فالبكر لم يحصل بعد على الوقت الكافي للخروج من الانصهار الأبوي حيث احتلّ شخص آخر مكانه. لكن إذا استمرّ والداه بإعطائه الأهمّيّة الكافية، يعيش هذه المرحلة بشكلٍ رائع. يكبر إذاً الأولاد معاً مع محاور اهتمام مشتركة مناسبة لبناء الشراكة بينهما.

• ماذا لو كان فارق العمر ثلاث سنوات على الأقلّ؟

يتراجع العبء على الوالدين في هذه الحالة لأنّ البكر يكون أكثر استقلاليّة: لكنّ الطفل يعيدهما إلى وقت إلباسه الحفّاضات. في عمر ثلاث سنوات ينفتح الطفل على الآخرين ويصير مؤهّلاً لخوض مرحلة استقبال مولود جديد. في بعض الأحيان، من الطبيعي أن يشعر بالمنافسة لكنّه يتخطّاها بمساعدة والديه. إذا كان في المرحلة الابتدائيّة، يفرح بمساعدتهما والتمثّل بهما.

• ماذا نتوقّع إذا كان فارق العمر يصل إلى عشر سنوات على الأقلّ؟

تختلف محاور الاهتمام لكنّ الصغير يعتبر البكر مثله الأعلى غالباً لأنه خرج من الانصهار في والديه وأصبح يدرك أنّ هذه الولادة لن تسلبه حبّهما، فيرحّب إجمالاً بالمولود الجديد كأنّه يغني حياته. في حال كان مراهقاً يبلغ 17 عاماً، يسبّب له هذا الأمر اضطرباً نفسيّاً في بعض الحالات، إذ يذكّره بأنّه هو نفسه قادر على الإنجاب. صحيح أنّ الوالدين يخسران من حرّيّتهما مع الولادة الحديثة لكنّها أيضاً تشكلّ متعة كما في المرّة السابقة.

أخيراً، لا فارق عمر مثالياً، بل المهمّ الطريقة التي يعيش وفقها الوالدان هذا الفارق ويتعاملان بها مع أولادهما.

back to top