د. مارلين مسعد: «في غياب الناقد» صرخة عدم رضا من كثرة النشر وقلة الإبداع

نشر في 12-01-2018
آخر تحديث 12-01-2018 | 00:00
في كتابها «في غياب الناقد» الصادر حديثاً عن دار «سائر المشرق» في بيروت، تبرز الكاتبة الدكتورة مارلين مسعد أهمية النقد في تصحيح مسيرة الأدب ودوره في وضع أسس ثابتة لثقافة المستقبل والفكر الذي يجب أن تتربى عليه الأجيال الطالعة، واضعة الإصبع على الجرح الذي تعانيه الساحة الأدبية اليوم بسبب الفوضى في النشر وتوجيه الاهتمام إلى وسائل التواصل الاجتماعي وثقافة الاستهلاك التي تفرضها بعيداً عن منطق الكتاب ومعاييره الصحيحة التي تنمي الذوق.
د. مارلين مسعد حائزة دكتوراه في الفلسفة ودراسات العالم العربي المعاصر في جامعة بوردو-فرنسا. صدر لها: «مْرايِة الأخوت» (مسرح)، «خاطر المجنون» (خواطر فلسفية)، «رقصٌ على بيادر الغيب» (ديوان) و«خواتم الحِبر» (سيرة ذاتية).
في البداية كيف تحددين الناقد اليوم؟

الناقد اليوم هو كلّ مثقّف يقلقه الشّأن الأدبي، ومصير الفكر وهويّة الحضارة الثقافيّة التي ينتمي إليها أمام تحدّي العولمة وتطوّر وسائل النشر عبر التواصل الاجتماعي، وكل ما يحيط بالإنسان المعاصر ويجعله يبتعد رويداً رويداً عن الكتاب والمطالعة. 

هو القارئ المتميّز بوعي كافٍ يخوّله تصنيف المستوى الأدبي والكتابي لعمل ما، ومَن لا يخشى إبداء رأيه على ضوء إلمامه بكافة المجالات الأدبيّة والعلوم الإنسانيّة كما اطلاعه على الأعمال الكلاسيكيّة، أي كتابات من سبقونا وتركوا أثراً كبيراً في تاريخنا وحضارتنا من أدباء وشعراء وفلاسفة ومؤرخين... هو من يُتقن خطابه النقدي بأسلوب مكثّف مقتضب وحِرَفيّة عالية لا تثير الملل في نفس القارئ ولا تحط من شأنه وشأن الكاتب. 

ما الصورة التي يجب أن تكون عليها العلاقة بين الناقد والأديب؟ 

العلاقة بين الناقد والأديب رؤيوية، أي أن الناقد، خلال العملية النقدية، يجب أولا أن يشارك الكاتب رؤيته، ثمّ أن يلجَ فكره ويحاول على ضوء ثقافته أن يميّز بين نقاط القوّة والضعف في سياق العمل وهو يقوم بتحليله، كي يتسنى له، بصورة دقيقة ومحترفة، أن يبدي رأيه بالعمل وبمهنيّة الكاتب وبُعده الثقافي، أي مشاركة بين الكاتب والناقد في إيصال العمل الأدبي إلى المكانة التي يستحقها. 

هل لدينا نقاد يسيرون بمهمتهم بالطريقة التي تخدم الأدب والأدباء؟ 

بالطبع، لكن مهمة الناقد في العالم العربي تواجه بعض الصعوبات منها مراعاة شعور الآخر من جهة أو بالعكس النيل من سيط الكاتب والعمل. 

كي لا نجزم بأن ليس ثمة نقاداً، اطرح السؤال: في وجود الناقد هل ثمة من يهتم بهذا المجال ويقرأ؟ عالمنا اليوم غير مكترث بالمطالعة، بل يهتم بالكتابة المباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، والشهرة كما التعبير عن كلّ ما يجول في خاطره من خواطر وتعليقات سياسيّة أو أخبار غير موثوقة أو شعر أو نثر أو... ثمّة تساؤلات عدة منها، هل أعطت الصحف أو المجلات حق النّقد وخصصته بعمود أسبوعي يتناول إصداراً ما؟ أم أن المقالات السياسيّة ومسألة تخفيف الوزن والجراحة التجميلية والقصائد لبعض أصدقاء المحررين والوفيات والخ... أجدر «بالمانشيت» من رأي ناقد ما؟ 

في غياب الناقد

كتابك الصادر حديثاً عنوانه «في غياب الناقد»، فهل قصدت فيه نعي النقد والنقاد في عالمنا العربي؟

أبداً، لست من المتشائمين، طالما ثمة إصدارات وافرة ومعارض في أقطار العالم العربي، احتشدت في أجنحة دور النشر كالروايات والدواوين والمؤلفات المتعددة المواضيع، عالمنا بخير، أنما أردت من هذا الكتاب رفع الصوت وقد أطلقت عليه اسم «صرخة» تعبّر عن عدم الرضا عن كثرة النشر وقلة الإبداع، في غياب الناقد الحقيقي المرشد والموجّه، وليس المؤنّب.

نلاحظ أن ثمة نقاداً كثراً لكن قلة تعتمد النقد الموضوعي والغالبية تركز على العلاقات الاجتماعية، إلى أي مدى يؤثر هذا الخلل سلباً في الحركة الثقافية؟

لو أردنا أن نسميه «خللا»، علماً كما سبق وذكرت أنّ وضع الناقد في مجتمعنا حسّاس، قد يؤخذ عليه لو أبدى رأيه كما يجب في عمل ما، أو بالعكس قد يهمّش ويحكم على أعماله بالسلبيّة، إذا اعتمد النقد السليم المحقّ، وقد يردّ عليه بالمثل من جماعة الكتابة التي تخصّ الكاتب، فعالمنا الثقافي اليوم أشبه بقبائل أو مجموعات محسوبة على فكر معيّن أو تيار معيّن أو منتدى معيّن، تخرّج الأدباء والشّعراء بشهادات عليا، وتكريمات...

 بإمكان الناقد أن يكون موضوعياً في صميم رأيه الخاص، وهي إحدى صفات الناقد الحقيقيّة، أليس هو من تقع على كاهله نهضة الفكر واستمرار الشعلة الثقافية في هذه المباراة الحضارية؟ 

أسس ومبادئ

هل يمكن اعتبار النقد علماً يقوم على مبادئ وأسس أم أنه يقوم على الذوق الأدبي؟

للذوق حصة كبيرة في النقد، لكنه ليس شرطاً أساسياً. النقد سلوك وثقافة يتمتع بهما الناقد بالفطرة. أما أن نقول عنه علماً، فهذا يعني أننا نحدّ من وساعته ومجالاته، لكل علم مادتّه التي يختص بها كما منهجه الذي يتناول فيه التحليل المحدّد لهذه المادة بالذّات، أما النقد، فمتعدّد الوجهات، يتناول علوماً شتّى كالعلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية والتاريخ... كلّها قد يستعين بها في تحليل عمل ما، وإثراء الخطاب النّقدي. 

يعتقد البعض أن الناقد يجب أن يكون جلاداً، فهل النقد هو في إبراز سلبيات العمل أم يمكن أن يشير إلى الإيجابيات؟

النقد كما سبق وذكرت، سلوك أدبي يعتمد على الثقافة، والناقد هو من يضيء على مزايا العمل ويحللها ويشير إلى النّقاط السّلبية فيه، مقترحاً الأفكار التي كان من الأفضل الاستعانة بها، لتطوير الأعمال الأدبيّة التالية. على الناقد المساهمة في تقدّم الأعمال الادبيّة وإضافة ما هو جديد، كذلك عليه أن يتماشى مع الأدب والشعر والموسيقى و... التي تتطوّر يوماً بعد يوم، بتطوّر التكنولوجيات والبيئة والأحداث المحيطة بالكاتب. 

أمّا ذاك الجلاّد فليس بناقد على الإطلاق، بل الأجدر ألا يكتب، بل يحتفظ بمكنوناته القاتمة والحاقدة لنفسه. 

هل يكمل الناقد والأديب والمفكر بعضهم بعضاً أم أن لا مجال للالتقاء بينهم؟

بالطبع، ثمة تكامل بين هؤلاء الممثلين على خشبة الحضارة والثقافة، أو لا تكون ثمة قصّة ولا حدث ولا انبعاث للعالم الثقافي. لولا الأديب لما كان الناقد، لولا المفكّر لما تكلّمنا عن الأديب ولولا الأعمال النقديّة لما صدر كتاب واحد قيّم. كلهم وِحدة متكاملة لو صحّ المسار وتمّ التعاون بين كافة أعضاء هذا الجسد الثقافي. 

ثمة مقولة ألا شيء جديداً تحت الشمس وأن المواضيع كافة استهلكت، فما الذي يمكن أن يستحوذ على اهتمام الناقد الحقيقي اليوم؟

نعم أوافق المقولة، وهو الحافز الذي جعلني أكتب «في غياب الناقد» لأننا أصبحنا كلنا شعراء وروائيين ومؤرخين نردّد الأفكار ذاتها بمفردات محدودة وتواريخ سئمت من تكراراتنا. وقد طرحت السّؤال في كتابي: 

«ثقافة اليوم وثيقة لباحثي الغد...! وفكر اليوم ركن وأساس لفكر الغد! ومكتبة اليوم أرشيف الغد! وكتاب اليوم مرجع لنصّ الغد! ماذا نفعل اليوم؟؟».

برأيي ما يستحوذ على اهتمام الناقد، هو العمل الإبداعي الذي يثير القلق في نفس الناقد أولاً، ومن ثمّ يجعل الكاتب أمام أوراقه، يطرح السّؤال: «أين يكمن الفرق بيني وبين ألف كاتب مثلي؟». 

تنوع وترابط

تتنوع مؤلفاتك بين المسرحية والخواطر الفلسفية والشعر، فهل ثمة رابط بينها، أم أن لكل نوع عالمه الخاص؟

نعم تنوعت كتاباتي وما زالت مستمرّة، فقلمي متعدد الجنسيات وحبري متعدد الألوان وأوراقي دائماً في انتظار إيماءة كلمة أو فكرة في مهب رياح غريبة، كي تحتشد الكلمات في قطار يأخذها إلى وجهة جديدة: على خشبة المسرح، في مرآة مجنون، خاتم من الحبر، رقص على بيادر الغيب، فلسفة أو... الطريق طويل وأودّ أن أرصفه بالحروف! 

ففي التنوّع ثراء، ذاتي أولاً ثم ثقافي. 

أما الرابط فأقول إنه الفلسفة، وما غيرها؟ أم الشعر والمسرح والعلوم...

ما الذي يحرك فيك شعلة الكتابة في أي من هذه الأنواع الأدبية؟

شعلة الكتابة لا تنطفئ! بل هي كالهاجس يخطر في البال ويقع في القلب حدّ القلق، والخشية لو انطفأت الشّعلة لغابت ربما الشمس عن عالمي. أظنني ولدت وبيدي قلم متعدد الألوان والجنسيات، انتظر إيماءة الكلمة من بعيد، ثم اتبعها حيث تريدني أن ألِدَ «ولن أرحل قبل أن أنسُجَ كفني بأحرف الجنون، وقبل أن أعجن بالحبر رفاتي».

مدماك للمستقبل

رداً على سؤال حول كيف نبني ثقافة تكون مدماكاً تبني عليه الأجيال المقبلة ثقافتها، توضح د. مارلين مسعد: «ليست معجزة ولا سرّاً، تبنى الثقافات على أسس من مرّوا قبلنا وتركوا لنا أعمالاً كبيرة، علينا الرجوع إليها دائماً، كذلك المطالعة اليومية، وتحليل النصوص المقروءة والكتب، خصوصاً للنّشء». 

تضيف: «نحن في عالم أصبح الكتاب يفرضه المعلّم خلال العطلة، ويتأفف ويهرب منه الطالب. الكتاب يتوارى والثقافة تتلاشى على حساب التكنولوجيات والاختراعات وكل ما وجد ليعيدنا ألف عام إلى الوراء». 

تتابع: «ننشر آلاف الكتب والإصدارات، نعاني واجبات التواقيع التي دخلت إطار الواجبات الاجتماعية، لينتهي الأمر بالكتاب على رفوف المكتبة التي توحي بالثقافة، يتآكله الغبار».  

كما أن النقد والتمييز بين ما يصلح أن نقرأه وما لا يجدينا نفعاً أمر مهم، تقترح

د. مسعد فكرة إدخال مادة النقد في الجامعات، خصوصاً فروع الأدب والعلوم الإنسانيّة، وتقول: «هذا الإزميل بإمكانه أن يبدعَ نفوساً وأقلاماً فذّة قيّمة كالمنحوتات النادرة».  

مهمة الناقد في العالم العربي تواجه صعوبات منها مراعاة شعور الآخر

عالمنا اليوم غير مكترث بالمطالعة بل يهتم بالكتابة المباشرة على وسائل التواصل
back to top