بدور المعيلي... ورحلة الغوص في الذات

نشر في 07-01-2018
آخر تحديث 07-01-2018 | 00:05
بدور المعيلي
بدور المعيلي
تجتهد الكاتبة بدور المعيلي في مجالات عدة، وتُبحر عبر الكلمة والأشغال اليدوية تلك التي تصنعها بيدها لتصل إلى قلوب الصغار والكبار. هي كاتبة قصص أطفال، ومُدربة مُعتمدة في الأكاديمية للتفكير، كذلك مُدربة مّعتمدة في برنامج الإبداع وتنمية الخيال، وعضو في رابطة الأدباء.
نشاط بدور المعيلي غير محدود داخلياً وخارجياً. نجده ملحوظاً في معرض الكتاب السنوي في الكويت، وفي تجمّع مع عدد من المُتطوعين يُدعى «ضوا اليادة» الذي يهتمّ بالتراث الشعبي الكويتي. وخليجياً، تعد دورات للأطفال في الشارقة ومدن خليجية أخرى، وتلقى دوراتها اهتماماً وإقبالاً وتقديراً.

لها إصدارات عدة في مجال قصص الطفل، كذلك الأشغال اليدوية، ومن كُتبها «عصف صخري، وإبداعاتي، واكتب قصتك مع راوي»، وكتاب قيم يحتوي على كثير من أشغالها اليدوية الشعبية عنوانه «قديمك نديمك» لفت انتباه المهتمين بالتراث الشعبي.

في هذا العرض نتحدث عن إصدارها الأخير، وهو خارج عن نطاق قصص الطفل، إذ تُبحر في عالم جديد بعيد عن التناول، أقرب إلى الطرح الفلسفي أو التخيلي الذاتي. هو كتاب «رحلة ذات»، من القطع الصغير صدر عن دار «ذات السلاسل» طبعة 2017 في 115 صفحة.

كَتبت بدور على الغلاف: «ها أنا أعيش مرة أخرى من دون أن أعرف ماذا أو من أكون». وفي صفحة داخلية نقرأ: «كُتب هذا الكتاب تحت تأثير كسر قيود المنطق».

فهل نحن إزاء أحد أشكال النوع القصصي، أم ماذا؟ نعتقد أن بإمكاننا أن نطلق عليه مسمى «العصف الذهني»، إذ توحي المُقدمة بذلك، حيث نجد صوت المؤلفة: «ما زلت أبحث في العمق عن أرضٍ مُتماسكةٍ لأبدأ عليها بناء ذاتي، وكلّما توغلت في الأعماق عجزت عن الوصول، وكأن هذه الحفرة لا نهاية لها ولا قاع، رُسِمّت على جدرانها لوحات تستوقفني أحياناً، وتجرني إلى العيش في داخلها أحياناً أخرى».

نصوص

في مسارات الحياة نجد تلك الفقرة التي تأخذنا إلى الانسحاب الداخلي بقوة إلى الأعلى: «كنت أطفو مع مجموعة كبيرة من الأشياء، بعضها مرّ علي في حياتي السابقة، والأخرى أشاهدها للمرة الأولى، كل تلك الأشياء كانت تتجاهل بعضها بعضاً، أو أن كل شيء كان مُبهراً في الفضاء المُعدم الذي يسبحون فيه من دون هدف، ومن دون علم، ومن دون فهم».

وهنا نجد في أحد النصوص شكوى في سفر الأرواح، ومن منا لا يُسافر داخل ذاته بين يوم وآخر، ولا يشعر بمن حوله؟ حيث كَتبت: «كثرة السفر تكون ليلاً، حيث السكون وكلّ من على الأرض ذهب في سُبات عميق، يبدو لي أن ما أعانيه الآن هو بسبب التنقل ليلاً خلسة من دون إذن من أحد، أو من دون أن يعلم أحد، ولكنني لم أكن أعلم أن عند السفر بهذه الطريقة سأفقد روحي وعقلي معاً بشكل أو بآخر، لكن بهذه الطريقة يعطيني الفرصة بأن أشعر بذاتي، وأشعر بالحرية».

وفي نص آخر نجد الكاتبة تكره وتحب، ونقرأ: «أكره الزحام والأماكن المكتظة، أكره التجمعات التي لا فائدة منها سوى الحملقة في وجوه بعضنا بعضاً، وجوه الناس تؤرقني وتتعبني، حيت ترى الحقيقة، تشعر بأنك في مكان لا تأتمن نفسك فيه إلا في الظلام».

ويشغلها حب الكتابة فنجد في نص «ضياع» التالي: «أصل إلى الحد الذي تؤلمني أصابع يدي، تؤلمني ولكنني لا أستطيع أن أتوقف عن الكتابة، تماماً مثل قصة ذلك الذي لبس حذاء جعله يرقص من دون توقف إلى أن... لا لأعرف النهاية».

وبدور في كتابها الجميل بلغته الرصينة الراقية، نكتشف أنها تعيش في أصغر الأشياء، وتعيش معاناته، ربما لا يكون أنساناً مثلنا، وربما يكون شيئاً آخر، إلا أنها روح الكاتبة التي تعيش المعاناة دائماً، لذا يستوقفنا أحد النصوص الجميلة بعنوان: «كوب شاي»، كتبت: «تغمس أكياس الشاي في ذلك الماء المغلي، لنستمتع نحن بنكهته الطيبة، نعود مرة أخرى إلى نزعتنا الأنانية، في وقت استمتاعنا بآلام غيرنا أو عدم اكتراثنا. ما هي الخطوات أو التنازلات أو التضحيات التي قام بها ذلك الشيء حتى يصل إلى تلك النتيجة المرجوة؟».

تجربة فلسفية

عشرات النصوص في كتاب بدور المعيلي في محاولة منها لتكشف تجربتها الفلسفية في رحلة مع الذات، لكن أسلوبها في الكتابة ربما ينقلها إلى الكتابة القصصية حيث ستكون اسماً لامعاً في هذا المجال، ونحن بانتظار تجربتها المقبلة في السرد الإبداعي، مع اليقين بأنها ستبدع كما أبدعت في كتابها هذا، ورحلتها.

كتبت بدور المعيلي: ها أنا أعيش مرة أخرى من دون أن أعرف ماذا أو من أكون
back to top