أشواق

تضيق أنفاسي في هذه المواقف ويتلبسني ضيق وحرج شديدان، فالسكوت تخاذل والرد معركة. أحياناً أقول السكوت أفضل حتى لا أساعد في استثارة المزيد من غبار العنصرية وأحايين أشعر بأن السكوت خيانة وجبن، لكنني دوماً ما أنتهي للدخول في حوار أعلم أنني خاسرته منذ البداية، أجادل، أذكر بالماضي، أفند التقصير الحكومي، بل حتى الضمير الديني أستدعيه: هل يرضى الله عما تقولون؟ هل يحاسبكم الله على عدد الركعات في صلواتكم ووصول الماء للكوع خلال وضوئكم ويغض حكمه عن كلماتكم العنصرية التي تشمل جنسية بأكملها في أحاديثكم؟ سرعان ما ينتهي الحوار إلى تهكم وسخرية من الطرف الآخر أرد أنا عليهما باتهامات بالعنصرية لتنتهي الجلسة إلى لا شيء من المتعة السابقة والرضا الماضي. ارتفع هذا "النموذج" بيني وبين أحبتي، فرقتنا وغيرت قلوبنا فضاعت كل الأشياء الجميلة التي كانت.استشرت زوجي أن لربما أحق عليّ أن أنقطع عن "غروبات" الواتساب وتجمعات الأهل والأصدقاء، هم يؤذونني بحديث لا أستطيع السكوت عنه، ولو من منطلق نشاطي الإنساني وأنا أؤذيهم بأحكام لا أستطيع حبسها، هم يرون سذاجتي وأنا أرى عنصرياتهم، هم يحكمون عليّ بالتطرف وأنا أحكم عليهم بالتعصب، هم يرسلون النكت والتعليقات التي لا تعريف لها لدي إلا بالعنصرية القميئة، وأنا أرسل التقريعات والتأنيبات التي لا تعريف لها لديهم إلا بالمبالغة والمثالية السخيفة، فما الحل؟ زوجي يقول إن الانقطاع هزيمة وإن الموضوع يجب ألا يأخذ بعداً شخصياً، لكن الكلام سهل، والجلوس في هذه المجالس أصبح حملاً ثقيلاً، والشعور بالهزيمة ليس له سوى طابع شخصي. أشعر بغربة ووحدة وأنا محاطة بأحب الناس الذين تحول عدد مؤثر منهم إلى نسخ مكررة من نمط كريه أنتظر زوال "موديله" في أقرب وقت. أشتاق أهلي وأحبتي الذين كانت عنصرياتهم السابقة قليلة وشديدة التباعد وتقال على استحياء شديد، أنتظر بفارغ الصبر زوال النموذج الترامبي الوقح الحالي الذي لا يعلن عنصرياته باستمرار فقط، بل بثقة وفخر. أشتاق الجلسات الصافية الماضية حين كانت أهم مواضيع نميمتنا هم الرجال، ننم عليهم بضحكات صافية تعلن مجلسنا مجرد مجلس نسائي مرح. أشتاق أياما أصفى وهواء أنقى وأسلوبا أرقى، أشتاق النموذج السياسي المهذب الذي شكلنا في السنين الماضية وما عاد، فمتى يعود؟