الإرباك الاستراتيجي في الخطة الجديدة للرئيس الأميركي

نشر في 30-12-2017
آخر تحديث 30-12-2017 | 00:00
تصف استراتيجية ترامب للأمن القومي روسيا والصين بأنهما قوتان تحاولان تبديد الأمن والازدهار في الولايات المتحدة، وقد ركزت تلك الاستراتيجية انتقادها بقدر أكبر على روسيا، «نظراً إلى استخدامها معلومات تهدف إلى تقويض شرعية الدول الديمقراطية»، داعية الأميركيين إلى اعتبار هذا الجانب خطراً محتملاً.
● فريد كابلان - «سليت»

يطرح البيت الأبيض مرة واحدة على الأقل خلال فترة أي رئيس وثيقة تدعى استراتيجية الأمن القومي، واستراتيجية الرئيس دونالد ترامب في هذا الشأن سوف تثير درجة أكبر من الارباك والتشويش بين الحلفاء والأعداء حول ما تهدف الولايات المتحدة إليه، وما الذي تعتزم هذه الإدارة القيام به ازاء أزمات العالم والمناطق الساخنة المختلفة فيه؟

ويرجع الإرباك إلى أن الكثير من النصوص في تلك الوثيقة تختلف عما صدر عن ترامب من أقوال وأفعال، وقد اختار ترامب إلقاء خطاب تلفزيوني حول استراتيجيته، ونتيجة لذلك ربط نفسه بما تنطوي عليه من بساطة، وهو ما جعل التناقضات أشد جلاء والرسائل المختلطة أكثر اثارة للقلق.

ومن الواضح أن الوثيقة كانت من اعداد ماكماستر وهو مستشار الأمن القومي لترامب.

وتصف استراتيجية الأمن القومي روسيا والصين على شكل قوى تحاول تبديد الأمن والازدهار في الولايات المتحدة، كما ركزت انتقادها بقدر أكبر على روسيا بسبب استخدامها معلومات تهدف إلى تقويض شرعية الدول الديمقراطية، مضيفة أن على الأميركيين النظر إلى هذا الجانب على شكل خطر محتمل.

ويتعارض هذا مع تودد ترامب الواضح للرئيسين الروسي والصيني، فضلاً عن رفضه المستمر للاعتراف باستخدام موسكو «لأدوات معلومات» مثل الهجمات السبرانية لتقويض الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة.

ومثل كل شيء آخر يصدر عن هذه الإدارة الأميركية كان ذلك صورة لتهنئة الذات، وفي إحدى نقاط خطابه في الأسبوع الماضي تطرق ترامب إلى «سعي روسيا والصين إلى تحدي قيمنا وثرواتنا»، لكنه لم يتحدث عن محاولة روسيا «تقويض» الديمقراطية الأميركية، وفي حقيقة الأمر تابع ترامب تنازلاته حول بناء شراكة كبيرة مع روسيا والصين على أساس المصلحة المتبادلة.

غموض الموقف الأميركي

وبكلمات أخرى إذا أراد الناس والحلفاء والخصوم وصناع السياسة ورجال البيروقراطية متابعة استراتيجية الأمن القومي وخطاب ترامب فسيتبين لهم أن الموقف الأميركي ينطوي على قدر كبير من الغموض بالنسبة إلى روسيا والصين وبدرجة أكبر مما كانت عليه من قبل.

وتتناول الوثيقة بتفصيل مسهب أيضاً الحاجة إلى دبلوماسية موسعة «عبر معالم تنافسية» يقوم الدبلوماسيون الأميركيون فيها بتحسين المصالح الأميركية في الخارج، ولا غنى عن العمل الدبلوماسي ويتعين علينا تحديث قدراتنا الدبلوماسية.

وعلى الرغم من ذلك، فقد أضعف ترامب ووزير خارجيته ريكس تيلرسون السلك الدبلوماسي الأميركي وأحجما حتى عن تعيين سفراء جدد في المناطق الأكثر اضطراباً في العالم بعد تسريح كل السفراء في الأسبوع الأول من عمل الإدارة الجديدة.

وتشيد الوثيقة أيضاً بـ»الحلفاء والشركاء « على شكل قوة كبيرة للولايات المتحدة التي يتعين عليها «الانخراط في الترتيبات المتعددة الجنسيات التي ترسم الكثير من القوانين التي تؤثر على مصالح وقيم الولايات المتحدة». ويعتبر حلف شمال الأطلسي – بشكل خاص – «إحد ميزاتنا الجلية على منافسينا، ويجب أن تظل الولايات المتحدة ملتزمة بالمادة رقم 5 من ميثاقه التي تنص على أن أي اعتداء على إحدى الدول الأعضاء يعتبر اعتداءً على كل دوله».

التركيز على «أميركا أولاً»

وعلى النقيض، فإن خطاب ترامب يركز بشكل شبه كامل على فكرة «أميركا أولاً» وعلى الحاجة إلى معاملة الدول الأخرى مثل كيانات سيادية وقد انسحب من معاهدة الشراكة عبر المحيط الهادئ واتفاقية باريس للمناخ كما كرر في شهر ديسمبر موقفه من دول حلف شمال الأطلسي، قائلاً إنه لن يعمد إلى مساعدتها على الدفاع عن نفسها إذا لم تدفع ما يعتبره حصتها العادلة من النفقات.

وخلال خطابه الأسبوع الماضي، طرح ترامب سوء فهمه اللافت لطبيعة حلف شمال الأطلسي قائلاً إن «على الدول الثرية أن تدفع إلى الولايات المتحدة تكلفة الدفاع عنها»، ويبدو أن ترامب يظن أن الحلفاء في «الناتو» يدفعون لأميركا من أجل الدفاع عنهم، فيما أن كل دولة في الحلف تبني قوتها العسكرية وتجري ترتيبات لتنسيق الجوانب اللوجستية مع الأعضاء الآخرين.

وتتسم الوثيقة والخطاب الرئاسي بالضعف في الكثير من المواضيع، وهي تحذر من الهجمات السبرانية من دون تحديد الطريقة اللازمة لمواجهة تلك الهجمات وترى أن الاستراتيجية الجديدة «واقعية مبدئية» لأنها تعترف بالدور المركزي للقوة في السياسة الدولية. ولم يميز واضع الوثيقة بين حقيقة أن الدبلوماسيين الأميركيين جهدوا منذ بداية الجمهورية لمواجهة الفارق بين المبادئ والواقعية أو بين المثاليات والمصالح، وفي محاولة للتوفيق بينهما من خلال الجمع بين الكلمتين في جملة بسيطة يمثل صورة للتهرب.

وربما ينظر عدد قليل إلى استراتيجية الأمن القومي بصورة جدية لأنها في المقام الأول تعبير عن الاشادة بالذات، كما أن الوثيقة تفاخر بالوظائف الجديدة والثقة الجديدة والهدف الجديد، وهي تقول إن «العالم كله ينهض من خلال تجدد الولايات المتحدة وعودة ظهور القيادة الأميركية» التي تفاخر بإنجازاتها خلافاً لكل استطلاعات الرأي التي تظهر هبوطاً حادا في الشعور نحو الولايات المتحدة في كل دولة أجنبية ما عدا روسيا.

وكان ترامب بدأ خطابه بالتفاخر من جديد بانتصاره في الانتخابات الرئاسية، وبلوغ سوق الأسهم الذروة في الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، كما أنحى باللائمة على الاتفاقات التجارية الضعيفة في فقدان الوظائف وعلى الارهاب في الداخل بسبب التصويت الضعيف المتعلق بالمهاجرين وعلى تراجع نفوذ الولايات المتحدة على الصعيد العالمي بسبب الزعماء السابقين، وما من شيء من هذا كله يمثل حقيقة، ولكن حتى إذا كان ذلك صحيحاً فإن ترامب لم يطرح أي حلول.

وعلى سبيل المثال فهو لم يقدم أي بديل للشراكة عبرالمحيط الهادئ أو اتفاقية النافتا، وكل الجماعات الارهابية التي نشطت في الآونة الأخيرة كانت محلية كما أن المزيد من قادة الحلفاء ينظرون في اتخاذ خطوات لضمان الأمن والتجارة بعيداً عن واشنطن.

وقال ترامب في نهاية خطابه: «نعلن أن ارادتنا قد تجددت وتمت استعادة مستقبلنا وأحلامنا». والحلفاء أو الخصوم الذين يقرأون هذه الوثيقة ويسمعون خطاب ترامب كانوا يراقبون تصرفات ترامب على المسرح العالمي ويهزون رؤوسهم في حيرة، وبوسع الرئيس الأميركي أن يعلن ما يشاء ولكن إذا كان يصدق ما يقوله فهو يحلم.

● فريد كابلان - «سليت»

استراتيجية ترامب تتضمن قدراً كبيراً من الغموض بالنسبة إلى روسيا والصين
back to top