إلى أين يتجه ترامب بالنسبة الى كوريا الشمالية؟

نشر في 30-12-2017
آخر تحديث 30-12-2017 | 00:00
تقوم إدارة ترامب بأكبر مغامرة جريئة لها منذ تسلمت زمام سلطة البيت الأبيض، وهي أنه على الرغم من الاعتراف بروسيا والصين «كسلطتين خصمتَيْن» في استراتيجية الأمن القومي الجديدة، وبعد التشكيك في جدوى نظام الأمم المتحدة، سيعمل لاعبون آخرون في المنظومة الدولية للأمم المتحدة، على الإتيان بقرار حول أزمة كوريا الشمالية وبشروط مؤاتية للمصالح الأميركية، وذلك من دون فرض أكلاف باهظة على الولايات المتحدة.

وتشكل العقوبات الجديدة التي اتخذت بالإجماع في مجلس الأمن انتصاراً لإدارة ترامب، حيث قالت سفيرة الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن نيكي هايلي «ها نحن اليوم نغوص إلى العمق بحسمٍ»، تعليقاً على العقوبات التي فرضت كردٍ على قيام كوريا الشمالية بتجارب صاروخية في 29 نوفمبر.

يبقى أن نرى ما إذا كانت مقاربة إدارة ترامب لروسيا والصين ستبقى فاعلة، أو ما إذا كانت العقوبات نفسها ستثمر عن آثار فعلية، ولا شك أن مقاربة إدارة ترامب انقطاع صريح عن الاستراتيجية المتبعة من الرئيس جورج بوش وجيمس بيكر أثناء أزمة الخليج العربي بين 1990 و1991.

مفاوضات دقيقة

ففي تلك الفترة وبغية بناء أكبر ائتلاف هدفه طرد العراق من الكويت وسدّ أي من الثغرات التي قد يستخدمها صدام حسين، قامت إدارة بوش بمفاوضات دقيقة لحث البلدان على الانضمام إليها في تلك الخطوة، من رفع بعض العقوبات على الصين إلى ضمان امتناع الأخيرة عن استخدام حق النقض (الفيتو) في جلسات مجلس الأمن، إلى الإغداق على الاتحاد السوفياتي بمساعدات غربية لضمان دعم ميخائيل غورباتشوف، إلى سلسلة التوازنات المعقدة التي أدخلت القوات السورية في الائتلاف ضد صدام حسين، مع إبقاء إسرائيل بعيدة عن القتال، وحتى عندما أطلق العراق صواريخ سكود قدمت الولايات المتحدة تنازلات وتشجيعاً كافياً لجذب مجموعة من الدول الكبيرة والصغيرة على السواء للانضمام الى الائتلاف.

وبالتناقض مع ما سبق، تقوم المقاربة الحالية على الافتراض الذي يقول إن نظام كيم جونغ اون في كوريا الشمالية يطرح تهديداً لمصالح روسيا والصين الأساسية بقدر ما يفعله لأميركا، وبأن من مصلحة هاتين الدولتين العمل مع الولايات المتحدة لحلّ هذه الأزمة من دون الحاجة إلى تقديم أميركا أي خطوات تشجيعية في هذا الاتجاه، وذلك أنّ أي حرب على كوريا، خصوصاً إن كانت بالأسلحة النووية، ستنعكس بشكلٍ سلبي وكبير على شمالي شرقي الصين وأقصى شرق روسيا، لما سيكون لها من تبعات سلبية على البيئة والبنية التحتية، بالإضافة إلى الهجرة البشرية الكبيرة التي ستنتج عنها.

أين يكمن الرهان؟

كما أنّ حالة النزاع الدائمة بين كيم والولايات المتحدة تعقد المصلحة الاستراتيجية للسلطتين المذكورتين في الحفاظ على منطقة عازلة آمنة بين كوريا الجنوبية والشمالية، ذلك أن حلّ معضلة كوريا الشمالية مهم لروسيا والصين بقدر ما هو مهم للولايات المتحدة وحلفائها، وفضلاً عن ذلك ليست الولايات المتحدة بحاجة الى تقديم أي تنازلات هنا، ذلك أن جزءاً من استراتجية اليابان الدائمة حالياً هي الاستثمارات اليابانية المكثفة في تطوير أقصى شرق روسيا مقابل التعاون الروسي حول مسائل تمسّ بالامن القومي الياباني وتحتل هنا كوريا الشمالية أعلى سلّم القائمة.

يكمن الرهان الأساسي هنا في عدم حاجة الصين الى أي خطوات تشجيعية إضافية للقيام بما يصبّ في مصلحتهما أساساً، والاختبار الاساسي هو أن نعرف ما إذا كانت الصين وروسيا ستبرهنان أن إدارة ترامب محقة في موضوع كوريا الشمالية، فتبقيان على ضغطهما على كيم جونغ أون، وذلك من دون الحصول على أي تنازلات أميركية حول أي مسائل أخرى.

تعايش

على صعيد آخر لا تطرح كوريا الشمالية التهديد نفسه إلى موسكو وبكين مقارنة مع التهديد الذي تطرحه لواشنطن، ذلك أنه، ووفق الظروف المناسبة، بوسع روسيا الصين التعايش مع كوريا شمالية تملك قدرات نووية لأنها ستكون موجهة بشكلٍ أساسي ضد الولايات المتحدة وحلفائها.

ولعل التهديد الأخطر بالنسبة الى روسيا والصين هو في حال كان نزع النووي عن كوريا، إن لم يسر بالشكل المطلوب، مضراً لمصلحة البلدين معاً، فالتعاون مع الولايات المتحدة للحؤول دون حرب مدمرة شيء لا يعني بالضرورة أنّ تغيير النظام في بيونغ يانغ يحتل أعلى سلم أولويات روسيا والصين كما هو بالنسبة الى الولايات المتحدة.

نشير هنا الى أنّ أي تطويل للنزاع مفيد لروسيا والصين، لأنّ ذلك لا يمنح الولايات المتحدة الوقت أو الطاقة أو الموارد الكافية والضرورية للتركيز على مصالح أخرى قد تكون لها انعكاسات مباشرة على مصالحهما (بحار جنوب الصين أو أوكرانيا).

وهكذا فيما توافق روسيا والصين على قرارات جديدة من مجلس الأمن تتعلق بكوريا الشمالية (مع التفاوض على حدّة العقوبات المقترحة)، يبقى عليهما في الوقت نفسه أن تظهرا التزاماً تاماً بهذه القرارات وتلك مسألة أخرى.

عدم الاستعجال

لا يمكن طبعاً أن نستبعد فرضية قيام كيم جونغ أون بأمرٍ سخيف، على غرار معمر القذافي، الذي كسب عداء الصين وموسكو، قبل سقوطه، بحيث ما هبّ أي منهما للدفاع عنه في عام 2011. تصب الموافقة على العقوبات الجديدة في مصلحة بكين وموسكو عبر تذكير كيم جونغ أون أنه لا يستطيع الاتكال على إعطائه شيكاتٍ من دون رصيد، بل عليه أن يبرهن بأنه حساس لما يمارَس من ضغوط من جيرانه في الشمال.

لذلك أتوقع بأن نرى الصين وروسيا تستمران في عملية التوازن الدقيق هذه، بالضغط على كوريا الشمالية بحيث لا تقوم بأي تهوّر لا تحمد عقباه، وفي الوقت نفسه بعدم الاستعجال لحلّ هذه الأزمة في القريب العاجل، فالروس لم ينسوا أبداً تعليق جو بايدن في مناظرة 2007 الديمقراطية والذين يرون فيه توافقاً من الحزبين الأساسييْن: «بعد كوريا الشمالية وإيران، تشكل روسيا تحدياً أساسياً للمصالح الأميركية في العالم». ليس مفاجئاً إذاً ألا يظهر كلّ من الصين وروسيا أيّة حماسة للوصول إلى حلول دائمة لأيّ من تحديات السياسة الخارجية الأميركية.

● نيكولاي كفوسيديف

back to top