روسيا تواصل هجماتها «العنكبوتية» على الولايات المتحدة

نشر في 30-12-2017
آخر تحديث 30-12-2017 | 00:03
تشكل العقوبات التي وضعها الكونغرس وإدارة أوباما عقب انتخابات 2016 خطوة بناءة في الاتجاه السليم لكنّها غير جوهرية بما فيه الكفاية للتأثير على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لأن الردع الحقيقي يتطلب اعتماد سياسات تحول دون تحقيق الخصوم أهدافهم وأغراضهم!
يتعلمّ كل طلاب السنة الأولى من العلاقات الدولية أهمية الردع في سنتهم الجامعية الأولى، فقد ردع ذلك الاجتياح السوفياتي لأوروبا الغربية إبان ذروة الحرب الباردة، كما حال دون اجتياح كوريا الشمالية لكوريا الجنوبية في الفترة الزمنية عينها، واليوم يحول منهج الردع هذا دون شن إيران حرباً شعواء في الشرق الأوسط أو دون إطلاق دول أخرى هجماتٍ عبر الإنترنت على بنيتنا التحتية.

ورغم ذلك كلّه فشلت الولايات المتحدة في ترسيخ منهج الردع هذا عقب تدخل روسيا في انتخابات 2016، نعلم علم اليقين أننا فشلنا في تلك المهمة لأنّ روسيا ما زالت تستخدم بشكلٍ كبير أهم جانب لأداة تدخّل 2016 ألا وهو استخدامها للتواصل الاجتماعي كأرضية خصبة ومنطلق لترويج بروباغندا هدفها الأساسي إضعاف بلدنا.

ثمة انطباع واسع الانتشار بين الإعلام والرأي العام الأميركي بأنّ روسيا وضعت حداً لعملياتها وتدخلاتها على شبكة التواصل الاجتماعي بعد نهاية انتخابات 2016، وأن علينا أن نقلق فقط بشأن الانتخابات المقبلة، لكن هذا الانطباع غير صحيح أبداً، وذلك لأنّ عمليات روسيا الاستخبارية استمرت بعد الانتخابات حتى يومنا هذا.

مصدر قلق

ولا بدّ أن يشكل هذا الأمر مصدر قلق كبير للجمهوريين والديمقراطيين على السواء، ولا بدّ من منع الحكومات الأجنبية من العبث بديمقراطيتنا بشكل فاضحٍ أو حتى تحت الطاولة.

تعدّدت تكتيكات روسيا الاستخباراتية منذ الانتخابات بحيث نعجز عن تعدادها هنا، ولمعرفة حجم هذه التكتيكات والتدخلات الخطيرة يكفي أن نطلع على الرسائل المنشورة عبر حسابات «تويتر» بتوجيه من الكرملين نفسه والتي تعقّبها اختصاصيو هجمات الإنترنت والتضليل الإعلامي التابعون لصندوق مارشال الألماني للتحالف من أجل ضمان الديمقراطية.

في أسبوع واحد هذا الشهر مثلاً استخدمت موسكو الحسابات المذكورة آنفاً لتشويه مصداقية مكتب التحقيقات الفدرالي، بعدما تم الإعلان عن إجراءات عقابية بتخفيض رتبة عميل في هذا المكتب لإرساله رسائل ضد دونالد ترامب، وكذلك استخدمت هذه الحسابات للهجوم على محطة ABC الإخبارية لعرضها تقريراً غير صحيح حول الرئيس ترامب ومايكل فلين مستشار الأمن القومي السابق، وكذلك لانتقاد إدارة أوباما السابقة لإعطائها «الضوء الأخضر» للتواصل بين فلين والسفير الروسي آنذاك سيرغي كيسلاك، وللتحذير بشأن العنف الممارس من المهاجرين بعدما أطلق القضاء سراح مكسيكي لا يحمل أوراقاً قانونية اتهم بقتل امرأة في سان فرانسيسكو.

وتلك التكتيكات المختلفة، على اختلافها، شبيهة بخطوات شبيهة قامت بها روسيا طوال السنة الماضية خدمة لمصالحها ومآربها الشخصية، فقد واصل الروس استهداف السياسيين الجمهوريين الذين انتقدوا ترامب بمن فيهم سيناتور أريزونا جيف فلايك، وسيناتور جنوب كارولاينا ليندساي غراهام، وسيناتور تينيسي بوب كوركر، وكذلك قامت روسيا بمهاجمة سيناتور أريزونا الديمقراطي جون كيري بعد قراره بالتصويت بـ»لا» ضدّ مشروع الجمهوريين للصحة.

هاشتاغات

وفي منتصف نوفمبر، بعدما سحب كوريغ إعلانه من برنامج شان هانيتي على قناة «فوكس نيوز» بسبب تصريحات قام بها المضيف دفاعاً عن سيناتور ألاباما المرشح روي مور، استخدم الروس حسابات التواصل الاجتماعي تلك للدعوة بإلحاح الى مقاطعة الشركة، وليومين متتاليين كان هاشتاغ #Boycottkeurig (قاطع كوريغ) أكثر هاشتاغ مستخدم بين حسابات «تويتر» الواقعة تحت نفوذ الكرملين.

كان ذلك هجوماً روسياً ضد شركةٍ أميركية وضد اقتصادنا، والأخطر من ذلك كله أنّ دولاً أخرى باتت اليوم تقلّد النهج الروسي هذا على شبكات التواصل الاجتماعي، وذلك وفق تأكيدات من التحالف لضمان الديمقراطية، فهذا تحديداً ما يقوم به الصينيون في تايوان، حيث يستهلك 75% من الشعب الإعلام من تطبيق يابانيّ فوري يحمل اسم لاين (Line)، وهو محرّك للأخبار الكاذبة والملفقة مصدر معظمها من الصين.

تأثير وسائل التواصل

وقد أدّى بعض الرسائل التي نشرتها بيغينغ- بما فيها رسالة كاذبة حول نية الحكومة التايوانية تنظيم شؤون معابد بوذية وأخرى للتاو- إلى انطلاق تظاهرات حاشدة في تايبيه، كما نشهد اليوم كذلك استخدام تركيا لوسائل التواصل الاجتماعي للتأثير على نقاشات السياسات الأوروبية، وذلك عبر استهداف الشتات التركي في أوروبا بشكلٍ خاص.

ومع أن تلك النشاطات لم تطل الولايات المتحدة بعد فإننا نعلم أنها ستطولها يوماً ما لا محالة، فاستخدام روسيا لشبكات التواصل الاجتماعي كسلاحٍ سياسيّ فتاك سيستمر، وستحذو حذوها دول أخرى الى أن يتم اعتماد سياسة ردع فعالة حول هذا الموضوع.

وتشكل العقوبات التي وضعها الكونغرس وإدارة أوباما عقب انتخابات 2016 خطوة بناءة في الاتجاه السليم لكنّها غير جوهرية بما فيه الكفاية للتأثير على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ذلك أنّ الردع الحقيقي يتطلب اعتماد سياسات تحول دون تحقيق الخصوم أهدافهم وأغراضهم، وتفرض أكلافاً باهظة على أنظمة هؤلاء في حال تبيان أي تدخل فعلي. وحتى يومنا هذا لم نفعل أيّ أمر يذكر بهذا الشأن!

* مايكل موريل هو نائب سابق لمدير وكالة الاستخبارات الأميركية ومدير تنفيذي لهذه الوكالة من 2- 10- 2013، أما مايك روجرز فهو جمهوري من ميشيغان خدم في مجلس النواب الأميركي من 2001 إلى 2015 وكان مديراً للجنة الاستخبارات من 2010 إلى 2015.

أميركا فشلت في ترسيخ منهج الردع عقب تدخل روسيا في انتخابات 2016
back to top