الأفلام الوثائقية اللبنانية تغوص في عمق القضايا الشائكة

• توثيق بالصور وواقعية وجرأة في الطرح من دون «روتوش»

نشر في 26-12-2017
آخر تحديث 26-12-2017 | 00:00
تشهد السينما الوثائقية في لبنان في السنوات الأخيرة انتعاشة لا تقل أهمية وحضوراً عن انتعاشة السينما الروائية، وتبرز أهميتها في أنها تعالج قضايا المجتمع اللبناني والتبدلات الحاصلة فيه وتأثير الحرب اللبنانية الذي لا يزال يتردّد في النفوس وفي نواحٍ مختلفة من الحياة السياسية والاقتصادية والتربوية. وقد اتسمت المعالجات بالواقعية الموثقة بالصورة وبالتطرق إلى مواضيع حساسة كانت ولا تزال مدار خلاف بين اللبنانيين من توحيد كتاب التاريخ، إلى العلاقات الاجتماعية إلى الخلافات السياسية والطائفية. فيما يلي نماذج من بعض هذه الأفلام.
أحدث الأفلام الوثائقية «نساء 1915» للمخرج بارد مارونيان المقيم في الولايات المتحدة الأميركية والذي عرض في حرم جامعة هايكزيان في بيروت أخيراً، ويروي، من خلال قصص ومقابلات، نضال النساء الأرمنيات إبان حقبة الإبادة الأرمنية للحفاظ على حياتهن وعائلاتهن وهويتهن، إضافة إلى الحركات الإرسالية والنساء الأجنبيات المتطوعات اللواتي أتين من الولايات المتحدة ودول أوروبية لمساعدة الشعب الأرمني، ولا سيما النساء والأطفال.

كذلك يتناول الوثائقي قصة المناضلة والناجية الشهيرة أورورا مارديغانيان، المتطوعة الأميركية ماري لويز غرافام، الديبلوماسية الأرمنية الأولى ديانا أبكار، والمبشرة الدنماركية ماريا جايكوبسون التي أسست في ما بعد دار الأيتام الأرمنية «عشَ العصافير» في مدينة جبيل اللبنانية، وحضنت آلاف الأيتام الأرمن.

يذكر أن مارونيان حائز جوائز عالمية، من بينها جائزة «ايمي» أربع مرات، وتكريماً من منظمات عالمية.

جعيتا وصيدا

للأماكن السياحية في لبنان نصيب في الأفلام الوثائقية، يهدف المخرجون من خلالها إلى التذكير بوجه لبنان السياحي الذي نسيه العالم زمناً طويلا بفعل الأزمات التي تحيط به. ففي فيلمه «جعيتا»، يروي رامي قديح قصّة اكتشاف مغارة جعيتا في لبنان، هذه التحفة التي أبدعتها الطبيعة، ويعرض صوراً لا مثيل لها لهذا المكان الفريد الواقع في الشرق الأوسط، ويُسائل المسؤولين حول مستقبل هذا المعلم التراثي الطبيعي.

أما المخرج نيكولا خوري فيروي قصة التنقيب عن الآثار في مدينة صيدا عاصمة جنوب لبنان في فيلمه «صيدا، حاضرة الشرق». فصيدا أو صيدون هي الموقع المدني الأثري الثاني بعد بيروت، لكن الإمكانات الكامنة فيه أكبر بكثير، تكمن ميزته في استمراريته التاريخية، إذ تعود بدايته إلى أواخر القرن الرابع قبل الميلاد، ونهايته إلى عصر الصليبيين، فضلا عن أن صيدون بقيت طوال قرون عاصمة الشرق.

الحرب وكتاب التاريخ

لا تزال قصص الحرب اللبنانية ماثلة في الأذهان، حول إحدى هذه القصص يتمحور فيلم «حب وحرب على السطح» إخراج سامر غريّب. خلال ربيع 2015 شارك مقاتلو منطقتي جبل محسن وباب التبانة اللتين تصارعتا طويلا، في عمل مسرحي كوميدي مستوحى من حياتهم. مشروع حل النزاعات هذا الذي ترعاه «إلى الأمام»، وهي مؤسسة غير حكومية، أوحى بهذا الوثائقي الذي يروي قصة هؤلاء الشباب الأعداء وتحوّلهم إلى ممثلي مسرح، قبل أن يصبحوا أصدقاء. ومضة من الأمل في مجتمع مزقته حروب الآخرين.

أما «درس في التاريخ» إخراج هادي زكاك، فيتناول الإشكالية التي تواجهها كتابة تاريخ لبنان الحديث، لا سيما حقبة الحرب اللبنانية وما تلاها من تداعيات. في العام 1989، قرر المبعوثون الذين اجتمعوا في الطائف أن يوحدوا كتب التاريخ والتربية المدنية في لبنان. لغاية تاريخه لم يرّ هذا الكتاب الموحد النور، بل حلّت مكانه كتب تاريخ متعددة وتوافرت أحداث تاريخية عدة. يتابع هذا الوثائقي حصص التاريخ المعتمدة في خمس مدارس بارزة في بيروت وضواحيها، ومع أن البرنامج موحد في ما يتعلق بصف الشهادة المتوسطة، فإن التناقض يجسده التلاميذ أنفسهم على اختلاف انتماءاتهم، بينما يتوقف تاريخ لبنان عند استقلاله.

بدوره يعكس «بيروت: وجهات نظر متفجرة» للمصوَر الفوتوغرافي والمخرج اللبناني أكرم زعتري، قضية التواصل بين الشباب التي بات يسيطر عليها الهاتف الذكي ومواقع التواصل الاجتماعي.

قضايا اجتماعية

في معالجة تداخلت فيها جوانب سياسية واقتصادية واجتماعية شتى، يطرح المخرج ماهر أبي سمرا قضية اليد العاملة المنزلية في لبنان من خلال فيلمه «مخدومين» وغياب الحقوق المهنية والإنسانية، وينطلق من هذا الواقع لمعالجة قضية العمالة في العالم خصوصاً تلك الوافدة من أوروبا الشرقية إلى أوروبا الغربية.

«بعتذر منك بيروت»، وثائقي للمهندس أنطوان فاضل يظهر فيه التحوّل العمراني في بيروت بعيني ميكانيكي ستيني خسر عائلته ومنزله في بيروت، فأصبح ينام وحيداً تحت الجسور ويتنقل من مكانٍ إلى آخر مراقباً هذه المدينة التي حفظها غيباً، فأصبح شاهداً على التحوّلات العمرانية التي حلّت بها.

حول علاقات الحب والصداقة والتعلق بالوطن يتمحور «يلدا» لرشا فرج. تروي الأحداث قصة «يلدا»، فتاة تنجو من حادث سير فيما يلقى أصدقاؤها الأربعة (ثلاثة شبّان وفتاة) حتفهم، عندما كانوا يقلون صديقهم النازح السوري الذي قرر العودة إلى بلده.

أما «بيروت حنان بيروت» لباتريك عيسى فيبرز التناقض الثقافي بين فتاتين: الأولى متمردة ومتمدنة وطموحة، تعيش في بيروت وسط مجتمع استهلاكي تتوافر فيه كل وسائل التكنولوجيا مع ذلك لم تجد بعد ما تبحث عنه، والثانية بدوية متمرِّدة أيضاً وذكية تعيش مع أهلها في الجرود العالية لرعاية الماشية وهي محرومة أبسط حقوقها لدرجة نسيت فيها أنها أنثى، لكن حلمها هو أن تصبح مضيفة طيران، ويتوقف الفيلم عند التفاعل الثقافي والاجتماعي بينهما.

تجربة جريئة

يتناول المخرج الشاب زهير كريدية في فيلمه ?Will you marry me قصته مع فيروس نقص المناعة (HIV) ويروي بالتفصيل المعاناة التي مرّ بها منذ إصابته بالمرض، بدءاً من مشهد احتجازه ثم ترحيله في إحدى الدول العربية التي قصدها بحثاً عن عمل، مروراً بخلافه مع والده ومغادرته المنزل الأبوي، وعلاقته المتردية بوالدته المنشغلة عنه دوماً، وصولاً إلى تصرفات أصدقائه في الجامعة... تميز الفيلم بالجرأة بالطرح بهدف التوعية وحث المجتمع على تقبل مريض الإيدز وعدم نبذه.

«نساء 1915» يروي نضال السيدات إبان حقبة الإبادة الأرمنية
back to top