الروائي روي حرب: بات لزاماً تطوير الرواية العربية لتصبح سريعة الأحداث وتقدّم للقارئ فناً شاملاً

نشر في 25-12-2017
آخر تحديث 25-12-2017 | 00:08
إذا كانت الأحلام في المطلق لا مكان حسياً لها، فإنها في رواية «مبنى الأحلام» الصادرة حديثاً للأديب روي حرب تتخذ من حياة كل شخص بماضيها وحاضرها ومستقبلها مسكناً لها، إذ يحيك العقل والروح خيوطها معاً لتصير كلاً واحداً مع الأمنيات والطموحات والآمال.
روائي وكاتب سيناريو، يتعامل روي حرب مع الأحداث في رواياته كأنها مشاهد سينمائية مزدانة بالرسوم ومغلفة بإطار شعري وجداني، فتنساب أمام القارئ بسلاسة وعمق في الطرح، وذلك أهلها إلى أن تحتلّ المرتبة الأولى كأفضل الروايات مبيعاً في «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» على مدى عامين متتاليين.
لا يكتفي روي حرب بذلك، بل يرسم مساحة رومانسية يتحرك ضمنها أبطاله، باعتبارها الملاذ في زمن الاستهلاك هذا، وينسج قصص حب وحنين وشوق وألم الفراق، في إشارة منه إلى أن لا شيء يمكن أن يسلب المشاعر نبضها، وأن الحياة، مهما بلغت ماديتها، لا تقوى على محو العاطفة من الوجود.
عنوان روايتك الجديدة «مبنى الأحلام»، فهل تقصد بالمبنى المنزل أم الوطن أم الشخص بحد ذاته أي قلبه وعقله ووجدانه؟

يتخطى المبنى حدود الحجر في رواية «مبنى الأحلام»، فهو برمزيّته يمثل كلّ شخص منا، بماضيه وحاضره ومستقبله، فنجد في هذا المبنى العم يوسف (رمز الماضي العجوز)، ومنتهى (هي الحاضر الذي يتخبّط بذكريات الماضي)، وسمير شويفاتي (بطل القصة، ورمز للحاضر الذي لا يزال يحاول جاهداً بناء مستقبله)، بالإضافة الى فريد وفادي، هما طفلا سمير ورمز المستقبل.

لا شك في أنّ أجسادنا مبانٍ لأفكار، وأحلام، ومغامرات عدة، ومن هنا يتخطى «مبنى الأحلام» الرمز الحجري ليمثل بالتالي الأفراد والمجتمع، وحتى الوطن بمختلف فئاته.

كيف ولدت فكرة الرواية؟

بدأت الفكرة عام 2011 حين شاركت بورشة عمل مع السيناريست المصري محمود دسوقي، وكانت الغاية منها نقل واقع المجتمع الآني بطريقة درامية، تصوّر استبداد إحدى السيدات وتصرفاتها اللامقبولة في المجتمع، بشرط أن تكون مبرّرة دراميّاً ونفسيّاً، فبدأت شخصية نهى ترى النور، إذ يكرهها القارئ للوهلة الأولى، لكنه لا يلبث أن يتعاطف مع ظروف حياتها التي أوصلتها إلى ما هي عليه اليوم، وإن كان لا يتفق مع نهج حياتها.

كان يفترض أن تكون الرواية مسلسلاً ثم تحوّلت إلى كتاب، لماذا؟

تؤدي الظروف الإنتاجية دوراً في هذا المجال، لا سيما أنّ الشخصيات المذكورة في الكتاب تقوم بأدوار رئيسة، وبالتالي تصبح كلفة إنتاج الحلقة مرتفعة نسبياً، ونحن اليوم في عالم التلفزة أمام خيارين، إما سيناريو بإنتاج متواضع، أو سيناريو ضخم بإنتاج عربي مشترك، وكلتا الحالتين لا تصلحان لقصة «مبنى الأحلام».

هل ثمة مساحة للواقع في رواية «مبنى الأحلام»؟

عندما نقراً «مبنى الأحلام» نلتقي أنفسنا، والجيران، والأصدقاء... شخصيات هذا الكتاب كافة من واقع معيوش، وكلّ أحداثه قد مررنا بها أو سمعنا بأحد ما عاشها وتعايش معها: عندما ابني شخصياتي تكون ثلاثية الأبعاد، لا أحد منها بريء ولا يعني ذلك أن هذا الشيطان هو رمز الشر، فلكل منها نظرة إلى الحياة، تعكسها الظروف الاجتماعية.

هيكلية أدبية

ما هي أسس العالم الذي ترسمه في رواياتك ولماذا تغوص أكثر في الماضي؟

من لا يملك ماضياً وخبرة لا يملك مستقبلاً متيناً، ولكن من يعيش في الماضي لا يعرف التطوّر، فعوض أن يحقق أحلامه ويفرح بما وصل إليه اليوم، ينكبّ على ذكريات قد تصبح أوهاماً تغرقه في المجهول.

هذه رسالة الكتاب: تجرأ واحلم، ولكن عش حاضرك من دون أن تكون عبداً لماضٍ يكبلك.

أما العالم المرسوم في «مبنى الأحلام» فهو مزيج من المجتمع اللبناني، يحاكي تطوّر اليوم، وتحفظ الماضي، وتحرّر الغرب. وأترك لكم لذة اكتشافه والغوص في أعماقه.

تجمع الرواية بين الأسئلة الوجودية والخواطر الشعرية والرسوم والصور الفوتوغرافية، فهل تتداخل الفنون، برأيك، مع بعضها البعض لتشكل هيكلية أدبية تحاكي العين والعقل والقلب معاً؟

لا شك في أنّ الفن شامل، ولا يقف عند حدّ معيّن. كانت لي تجربة سابقة في كتاب «نسمات الحنين» مع الفنانة سندرا كلارك التي زيّنت بريشتها 24 خاطرة رسمتها خصيصاً للكتاب، واليوم أتعاون مع المصوّر إيهاب ملاعب الذي ينقل بعدسته صورة حقيقيّة تساعد القارئ على الغوص في مضمون الكتاب، كذلك الطفلة سيرينا صفير استطاعت بريشتها أن تعبّر، بشكل عفوي وبريء، عما يجول في خاطر الطفلين المذكورين في رواية «مبنى الأحلام».

وبالتالي، أرى أنّه بات لزاماً علينا تطوير الرواية العربية، لتصبح سريعة الأحداث، مزيّنة بصور ورسومات تسهّل عملية المطالعة وتقدّم للقارئ فناً شاملاً.

هل ما زال لقصص الحب مكان في حياتنا وهل ما زالت تستقطب القراء؟

مهما سعينا إلى التطوّر، ومهما غرقنا في واجباتنا الاجتماعية، نعود دوماً إلى الجذور، وإلى القلب، وإلى الحب، وبالتالي فإن قصص الحب تحتفظ بمكانتها في مكتباتنا وفي حياتنا.

منذ ثلاث سنوات أصدرت روايتك الثانية «نسمات الحنين» (2014)، بعد روايتك الأولى «قصة عمر» (2011)، وحصدت كلا الروايتين مرتبة الأكثر مبيعاً في «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب»، ما هي المعايير لنجاح الرواية اليوم؟

أعتقد أن الحبكة الدرامية، واستعمال الأسلوب البعيد عن الوصف، واعتماد الكلام المبسّط، إضافة الى محاكاة النفس البشرية والمشاكل اليومية، في قالب رومانسي بعيد عن التكلّف هي من الأسباب الأساسية للنجاح.

مسلسل «المستبدة»

تنكبّ حالياً على كتابة مسلسل «المستبدة» الذي سيعرض قريباً على الشاشات، هل ثمة قاسم مشترك بين الكتابة الروائية وكتابة سيناريو درامي؟

أنهيت العمل على كتابة المسلسل، ويجري تسويقه عربياً من إحدى شركات الإنتاج، عساه يبصر النور قريباً.

يختلف أسلوب الرواية عن السيناريو الدرامي، فللرواية معاييرها وخيالها اللامحدود الذي قد يتناقض مع بعض المحاذير في المسلسلات التلفزيونية، فعندما تشترين كتاباً تقومين بهذه الخطوة بملء إرادتك، لكن المسلسل يدخل كل بيت من دون استئذان ويجب مراعاة العائلة العربية.

لكنني شخصياً اعتمد الأسلوب الدرامي في رواياتي، فتجدين حدثاً في كل صفحة يشدّك الى متابعة القراءة حتى ما بعد الصفحة الأخيرة.

تسيطر على روايتك «نسمات الحنين» أجواء رومانسية تنقل القارئ إلى الطفولة وإلى أمكنة يرسم ملامحها في خياله، فهل ثمة ارتباط بينها وبين روايتك الجديدة؟

لا ترتبط «نسمات الحنين» بـ «مبنى الأحلام» بالشكل الحقيقي للكلمة، لكنّ الروايتين مرتبطتان باسمي، وبالتالي بأسلوبي في الكتابة الذي أسعى دوماً إلى تطويره.

الا تعتبر أن العوالم التي ترسمها في رواياتك يمكن أن تكون غريبة في عصرنا الاستهلاكي الذي لا يقيم وزناً للمشاعر؟

لا يصحّ إلا الصحيح ولو بعد حين، فمهما أصبح عالمنا ماديّاً سنرجع إلى جذورنا الإنسانية، هذه الجذور التي تميّزنا عن سائر المخلوقات ألا وهي المشاعر السامية.

وبالتالي تهدف رسالتنا الى رفع الصوت لنعيد عالمنا إلى رقيّه المعهود بعيداً عن الماديات.

تجربة غنية

لدى الروائي روي حرب مؤلفات تربو على 13 تتنوع بين الدراسات والروايات وأخيراً كتابة السيناريو، فما الذي يكسب الكاتب هذا التنوع في الإبداع، ثقافته الواسعة أم تجاربه الإنسانية؟ يجيب: «قيل قديماً «من راقب الناس مات همّاً»، لكنني أرى أن هذا المثل يصحّ أن يقال «من راقب الناس زاد فهماً»، وبالتالي فإنّ التجارب اليومية تغنينا، سواء تلك التي نعيشها أو التي نقف بجانب من يعيشها، بالإضافة إلى المطالعة والاطلاع على كلّ جديد.

يضيف: «أتعرّف يومياً إلى فئات من الناس، مختلفة الأعمار والعقليات والطبقات الاجتماعية بسبب أعمالي المتنوعة، وهذا يغني مخزون مخيّلتي، على ما أعتقد.

العالم المرسوم في «مبنى الأحلام» مزيج من المجتمع اللبناني
back to top