النجم الصاعد في شرق آسيا

نشر في 24-12-2017
آخر تحديث 24-12-2017 | 00:28
في اجتماعات مجموعة البنك الدولي السنوية، التي استضافتها مدينة واشنطن عاصمة الولايات المتحدة في شهر أكتوبر، كان التفاؤل ملحوظاً في ترقب طفرة تحسن ملموس في الاقتصاد العالمي، إذ يتوقع أحدث تقارير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي تَسارُع النمو العالمي إلى 3.6 في المئة في عام 2017، ثم إلى 3.7 في المئة في عام 2018. ولم يكن من المستغرب أن تستمر الزيادة في الاستثمار، والتجارة، والإنتاج الصناعي، وثقة قطاع الأعمال والمستهلكين، في العديد من الاقتصادات والمناطق الرئيسية.

وتعتزم إندونيسيا الاستفادة بشكل كامل من هذه الطفرة، ففي عام 2017، سجلت باطراد معدل نمو محترماً بلغ نحو 5 في المئة -أفضل من أغلب الاقتصادات الناشئة- بفِعل تزايد الاستثمار والاستهلاك، وتعافي الصادرات، وهو ما يرجع جزئياً إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، والواقع أن الصادرات أصبحت محركاً ثالثاً للنمو تستطيع البلاد أن تعتمد عليه.

والأفضل من هذا أن مؤشرات الاقتصاد الكلي في إندونيسيا سليمة، فالآن تشهد البلاد نمواً قوياً في الوظائف الجديدة والأجور الحقيقية، فضلاً عن معدل تضخم منخفض ومستقر عند مستوى 4 في المئة تقريباً، وفضلاً عن ذلك كانت أسعار المواد الغذائية ثابتة، وثقة المستهلك قوية، وأسعار الفائدة منخفضة، كما ظل سعر الصرف ثابتاً، وشهد الاستثمار المباشر المحلي والأجنبي ارتفاعاً ملموساً، بفضل زيادة الإنفاق على البنية الأساسية.

وأضافت هذه الاتجاهات الإيجابية زخماً قوياً للإصلاحات الجارية، وأفضل توقيت لإصلاح سقف البيت عندما تكون الشمس مشرقة، ومن هذا المنطلق لا تدخر حكومة الرئيس جوكو ويدودو جهداً في اتخاذ التدابير الأساسية الكفيلة بإرساء الأساس المتين اللازم لزيادة القدرة التنافسية في الأمد البعيد، وإلى جانب الإصلاحات البنيوية، نسعى إلى انتهاج سياسات مالية ونقدية حصيفة، في حين تتجاوز طموحاتنا الآفاق.

ويكمن الدليل على تقدم إندونيسيا في النتائج، فقد اكتسبت إندونيسيا اعترافاً دولياً متنامياً، حيث أصدرت 3 وكالات تصنيف كبرى تصنيفاً ائتمانياً استثمارياً للبلاد، ووفقاً لاستطلاع أجرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (غالوب)، فإن 80 في المئة من مواطني إندونيسيا يثقون بالحكومة الوطنية، وهي أعلى نسبة بين كل الدول التي شملتها الدراسة.

علاوة على ذلك ارتفع تصنيف البنك الدولي «لسهولة ممارسة الأعمال» في البلاد إلى عنان السماء، مسجلاً 34 مرتبة ارتفاعاً منذ تولت الحكومة الحالية مهامها في عام 2014، ونظراً لتحسن مناخ الأعمال والاستثمار تحت قيادة الرئيس جوكو ويدودو، احتلت إندونيسيا مكانها بين أفضل عشر دول إصلاحاً.

ومع اقترابنا من نهاية عام 2017، وافق البرلمان الإندونيسي على ميزانية وطنية قوية لعام 2018، والتي تهدف إلى تعزيز الثقة، وزيادة الإنتاجية، وتحسين القدرة التنافسية للبلاد، وعلى مدار السنوات الثلاث المنصرمة، بذلت الحكومة جهوداً حثيثة للاستثمار في المستقبل من خلال إغلاق فجوات البنية الأساسية ورأس المال البشري، وستواصل الميزانية الجديدة هذا العمل من خلال زيادة الاستثمارات في كلا المجالين إلى مستويات غير مسبوقة.

نحن نعتبر شعبنا أثمن الأصول لدينا على الإطلاق، فهو أثمن حتى من مواردنا الطبيعية وموقعنا الاستراتيجي، وبوصفها رابع أكبر دولة من حيث عدد السكان، تتمتع إندونيسيا بقوة عمل كبيرة ونابضة بالحياة وشابة وقادرة على تغذية النمو الشامل في المستقبل، والواقع أن جيل الألفية الجديدة في إندونيسيا أكثر ترابطاً وإبداعاً وثقة من أي جيل سابق. إنهم رواد الأعمال، ومنشئو الوظائف، والمهنيون، وقادة المجتمع المدني، ودافعو الضرائب في المستقبل، وهم يتنافسون بالفعل بقوة في الاقتصاد الرقمي، حيث ستستمر الإبداعات التكنولوجية في توفير فرص وتحديات جديدة.

يتعين على الجيل المقبل أن يبدأ اليوم الإعداد لوظائف وفرص المستقبل، ولتحقيق هذه الغاية ركزت الحكومة بشكل خاص على الاستثمار في رأس المال البشري، فخصصت أكثر من 20 في المئة من الميزانية الوطنية لعام 2018 للتعليم والتدريب المهني؛ ونحو 5 في المئة أخرى للقطاع الصحي.

وفضلاً عن ذلك تقدم الحكومة الدعم للمجتمعات الأكثر فقراً والفئات الأشد ضعفاً في البلاد، فمن خلال شبكات الأمان الاجتماعي، والتحويلات النقدية وبرامج النقد مقابل العمل، وغير ذلك من الإبداعات، بات بوسعنا انتشال الناس من حلقة الفقر المفرغة، وسيضمن برنامج التعليم الرائد الذي أقرته الحكومة بعنوان «إندونيسيا بنتار» بقاء نحو 20.3 مليون طفل في سن المدرسة في مدارسهم، كما تعمل المبادرة الصحية «صحة إندونيسيا» على توسيع القدرة على الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية للجماهير، هذا فضلاً عن تقديم برامج ائتمانية متناهية الصغر على نطاق واسع لدفع عجلة الاقتصادات المحلية.

تتألف إندونيسيا من أكثر من 17 ألف جزيرة منتشرة على ثلاث مناطق زمنية، وعلى هذا فإنها تُعَد أكبر أرخبيل في العالَم، ومن حسن الحظ أن الاستثمارات الجارية في مشاريع البنية الأساسية من شأنها أن تجعل البلاد أكثر ترابطا من أي وقت مضى، ومع انخفاض التكاليف اللوجستية وتحسن الكفاءة، من المرجح أن نشهد نشوء مراكز نمو جديدة خارج الجزر الرئيسية.

وأخيراً تعمل الحكومة جاهدة على تعزيز مؤسسات إندونيسيا، وقد قدمنا خطة إصلاح ضريبي شاملة لجعل تحصيل الضرائب أكثر فعالية وتوسيع القاعدة الضريبية، ونحن نتخذ الآن الخطوات اللازمة لضمان الشمول المالي وتحسين سياسات التجارة والاستثمار، وكل من هذا سيعمل على تعزيز القدرة التنافسية.

الواقع أن أي رجل أعمال أو مستثمر يتجاهل إندونيسيا يجازف بإهدار الفرص التي تتيحها قصة نجاح اقتصادي عالمية، وبوصفها عضواً في مجموعة العشرين، تُعَد إندونيسيا الدولة ذات الاقتصاد الأكير في جنوب شرق آسيا، وهي على الطريق الصحيح لكي تصبح صاحبة خامس أكبر اقتصاد في العالَم بحلول عام 2030، وعندما تزدهر إندونيسيا يستفيد الجميع.

يقوم أهل إندونيسيا بدورهم في المساهمة في تعزيز دينامية شرق آسيا، ومع استمرار اقتصاد إندونيسيا في اكتساب المزيد من الزخم، تتعاظم أيضاً الجهود التي تبذلها الحكومة الحالية لإرساء أساس قوي للمستقبل.

* وزيرة المالية في إندونيسيا، ورئيسة لجنة التنمية في مجموعة البنك الدولي.

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top