تقرير برلماني : إعادة هيكلة الجهاز الإداري لتصويب المسار الحكومي

«مطلب أساسي لتحقيق الإصلاح والتنمية وتحسين مستوى الخدمات ومواجهة الفساد»

نشر في 24-12-2017
آخر تحديث 24-12-2017 | 00:04
مبنى مجلس الوزراء
مبنى مجلس الوزراء
تزايدت المطالبات النيابية والحكومية بضرورة فض التشابك بين الجهات الحكومية، باعتباره أحد معوقات تطوير الأداء، ومن أسباب تأخر التنمية والترهل في أجهزة الدولة، مؤكدة أن معالجة هذا الوضع ستؤدي إلى تحقيق الإصلاح، وترشيد الإنفاق، ومعالجة اختلالات الهيكل التنظيمي للدولة.
يبدو أن طريق الإصلاح الاقتصادي والإداري ومعالجة الاختلالات الهيكلية مازال طويلا، رغم تأكيدات الحكومة أنها عازمة على تطوير الأداء والقضاء على الروتين، والعمل على إصلاح وتطوير الاقتصاد الوطني.

وتمثل عملية إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة مطلبا أساسيا لتحقيق الإصلاح والتنمية الاقتصادية، وتحسين مستوى الخدمات، ومواجهة الفساد الإداري، إلا أن إجراءات الحكومة في هذا الشأن تبدو بطيئة، او انها غير جادة في المضي باتجاه تنفيذ هذا المطلب.

وتعتبر قضية التشابك والتداخل في الاختصاصات بين الجهات الحكومية أحد معوقات تطوير الأداء، ومن أسباب تأخر التنمية والترهل في أجهزة الدولة، وربما هذا يفسر أسباب تزايد المطالبات بضرورة الإسراع في فض التشابك بين الجهات الحكومية، باعتباره مدخلا لتحقيق أهداف الإصلاح، وترشيد الانفاق ومعالجة اختلالات الهيكل التنظيمي للدولة.

تحديد الاختصاصات

ولم تقتصر المطالبات بضرورة تحديد اختصاصات الجهات الحكومية وفض التشابك بينها على أعضاء مجلس الأمة، بل دعت الجهات الحكومية أيضا الى الإسراع في تحقيق هذا المطلب.

وطالبت الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، في أحد تقارير متابعة الخطة السنوية، بضرورة إعادة هيكلة الأجهزة الحكومية، وتخفيض حجمها، وفك تشابك الاختصاصات فيما بينها، من خلال تحديث الهياكل التنظيمية.

وأجرى ديوان المحاسبة دراسة تحليلية لأوضاع بعض الجهات الحكومية التي تم إنشاؤها، والنظر في التداخل والتشابه في الأهداف والاختصاصات فيما بينها، بهدف الحد من وجود كيانات تنظيمية لا مبرر لها ترشيدا للإنفاق العام.

ورغم مرور سنة على إنجاز هذه الدراسة فإن التشابك الحكومي مازال موجودا، وتنازع الاختصاصات بين الجهات الحكومية قائما، ما يؤكد عدم وضوح الرؤية الحكومية في هذا الشأن.

صورة واضحة

وتعكس حالة الهيئة العامة للطرق والنقل البري صورة واضحة عن التشابك والتداخل في الاختصاصات بين الجهات الحكومية، وتبين ضعف إجراءات الحكومة في التعامل مع هذا الموضوع.

فقبل نحو 3 سنوات صدر القانون رقم 115 لسنة 2014 بشأن إنشاء الهيئة العامة للطرق والنقل البري، «إيمانا من الدولة بضرورة إعطاء قطاع النقل اهتماما بالغا عن طريق التوسع في شبكة النقل، وإنشاء بنية تحتية لطرق جديدة ووسائل نقل حديثة لتوفير سهولة في عملية النقل، وحل الاختناقات المرورية، خاصة في ظل الزيادة الكبيرة في أعداد السيارات والنمو السكاني وإنشاء المدن السكانية الجديدة».

ومنذ ذلك الوقت فإن «هيئة الطرق»، وهي هيئة عامة ذات شخصية اعتبارية لها ميزانية مستقلة عن الدولة، وتعد على نمط الميزانيات التجارية، ويشرف عليها وزير الأشغال العامة، لم تمارس الدور المنوط بها، في ظل تنازع اختصاصاتها بين جهات حكومية عدة.

وشمل قانون إنشاء «هيئة الطرق» عدة قطاعات على أن يتم نقلها من جهات أخرى، هي وزارة الأشغال، ووزارة المواصلات، وبلدية الكويت، والإدارة العامة للمرور في وزارة الداخلية، لكن هذه الجهات لم تنقل قطاعاتها إلى الآن، مما جعل الهيئة متوقفة وعاجزة عن ممارسة دورها وتحقيق أهدافها الواردة في قانون إنشائها.

وليس بعيداً عن هيئة الطرق، فإن برنامج إعادة هيكلة القوى العاملة والجهاز التنفيذي للدولة، والهيئة العامة للقوى العاملة نموذج آخر لحالة التشابه في الاختصاصات وبطء القرار الحكومي في هذا الشأن.

ورغم أن مجلس الوزراء وافق في يناير الفائت على توصية لجنة الشؤون الاقتصادية بشأن مقترح دمج برنامج إعادة هيكلة القوى العاملة والجهاز التنفيذي للدولة بالهيئة العامة للقوى العاملة، وقرر اعتماد تاريخ الأول من يونيو الفائت موعداً لبدء عملية الدمج لكن هذا الأمر لم يتحقق إلى الآن.

وربما الجهة الحكومية الوحيدة، التي تتداخل في الاختصاصات مع الجهات المعنية في قطاع الشؤون الإسلامية، واتخذ بشأنها قرار هي اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية.

اهتمام نيابي

بيد أن قرار إنهاء عمل اللجنة لم تكن له علاقة بموضوع فك التشابك مع الجهات الأخرى، إنما لأن اللجنة «أنهت أعمالها وأنجزت المهام الموكلة إليها»، بعد مرور 26 عاماً على إنشائها، فصدر مرسوم بإلغائها.

ولم يتجاهل مجلس الأمة حالة التشابك بين الجهات الحكومية وأهمية اتخاذ قرار حكومي لمعالجة هذا الوضع في إطار الإصلاح الاقتصادي ومواجهة الفساد الإداري، وبدأ هذا الاهتمام النيابي من خلال التصريحات النيابية المختلفة، خصوصاً من قبل لجنة الميزانيات والحساب الختامي البرلمانية، التي استمرت بالمطالبة بضرورة إعادة هيكلة الجهاز الإداري في الدولة وفض التشابك والتداخل في الاختصاصات بين العديد من الجهات الحكومية.

وأكدت لجنة الميزانيات، التي اتخذت من الدراسة التحليلية، التي قام بها ديوان المحاسبة لأوضاع التداخل والتشابك في أهداف واختصاصات بعض الجهات الحكومية بعد تكليف مجلس الأمة بناء على طلب اللجنة، مرجعاً مهما في إثبات وجود العديد من الجهات الحكومية المتشابهة والمتشابكة في اختصاصاتها، وضرورة إصلاح هذا الخلل.

ولاحظت اللجنة أن الجهاز الحكومي متضخم ومتشعب في ظل وجود عشرات الجهات الحكومية فضلاً عن برامج مجلس الوزراء والمكاتب واللجان المختلفة، مؤكدة أن إعادة الهيكلة الإدارية في الدولة يجب أن تكون بمبادرة حكومية، لأنها أكثر قدرة على تشخيص الوضع بما تمتلكه من إمكانات.

أمر ضروري

ومن دون شك، فإن عملية إعادة هندسة الهياكل التنظيمية في الدولة أمر ضروري لا غنى عنه لأي دولة من الدول، إذ إن التأخر في إعادة الهيكلة بالشكل الصحيح تنتج عنه آثار ضارة بالجهاز الإداري ليس أقلها عملية الترهل، التي تحدث لذلك الجهاز من حين لآخر، والتي تؤدي، إن لم تتم معالجتها بالشكل الصحيح، إلى حالة من العجز الإداري، وفقدان ذلك الجهاز لفعاليته الإدارية.

وقال ديوان المحاسبة في دراسة تحليلية لأوضاع التداخل والتشابك في الاختصاصات لبعض الجهات الحكومية، إن ما نراه لدينا من تدن واضح في مستوى خدمات الجهاز الإداري العام (في التعليم والصحة والأمن والمواصلات والاتصالات والإسكان والمرافق والبنى التحتية... إلخ) هو انعكاس لمدى الحاجة إلى ضرورة إجراء عملية إعادة هيكلة للجهاز الإداري للدولة، وإنه ما لم يتم إجراء إعادة الهيكلة بشكل صحيح، فإن النتيجة الحتمية لذلك هي تدني مستويات خدمات الجهاز الإداري بشكل عام، وما ينتج عن ذلك من ظهور الفساد الإداري وتأخر في التنمية الاقتصادية.

غير أن هناك بعض المتطلبات الأساسية لنجاح عملية إعادة الهيكلة لعل من أهمها، كما تقول الدراسة، عدم النظر إلى هذه العملية بمعزل عن العملية الإدارية ككل، بل يجب أيضاً الأخذ بعين الاعتبار عناصر مهمة تؤثر مباشرة في إنجاح جهود إعادة الهيكلة، ومن أهم هذه العناصر الإدارية تنسيق العلاقات بين الجهات الحكومية في التنظيم، ليكون للهيكلة أو إعادتها معنى حقيقي إذ إن تشابك الاختصاصات في أي جهاز إداري، يؤدي إلى ظهور الكثير من حالات الصراع في داخل تلك الجهة، مما يحول دون الوصول إلى الأهداف المنشودة.

تفويض الصلاحيات

وتعتبر عملية تحديد الاختصاصات وتفويض الصلاحيات أمراً مهماً إذ إن عمليات إعادة الهيكلة لا تعدو كونها ضياعاً للجهد والمال، إذا لم يتم تحديد اختصاصات واضحة لمختلف وحدات ومستويات التنظيم، والأهم من ذلك أيضاً أن يتم تفويض الصلاحيات اللازمة لممارسة الاختصاصات المحددة.

ويبدو أن ترشيد الجهاز الحكومي المتضخم، لابد أن يتم عبر إعادة هيكلة القطاع العام باعتباره أهم محاور إصلاح مؤسسات القطاع العام ويتضمن، كما يقول ديوان المحاسبة، إما إلغاء وزارات أو دمج أو إنشاء وزارات ومؤسسات أو تعديل مسميات لبعض الإدارات أو إلغاء أقسام على مستوى كل إدارة أو دمجها مع إدارات أخرى.

back to top