عبدالله العتيبي... وللعشيش عودة!

نشر في 13-12-2017
آخر تحديث 13-12-2017 | 00:00
No Image Caption
لا أعرف كيف حاول كاتب شاب، وهو عبد الله العتيبي، أن يستدرج التاريخ الاجتماعي ويغوص فيه ليقدم لنا عملاً أدبياً راقياً! حتما ثمة علامات استغراب بشأن أن تكتب في قضايا لم تكن أحد شهودها، فالحصول على أجواء تلك الفترة من الزمن يتطلب بحثاً متعباً، وأعني فترة مسكوتاً عنها من تاريخنا الاجتماعي في الكويت، أو لا يهتم بها أحد. لكن الكاتب ينتشل تلك الأحداث من الماضي بتميز، ويعرض لجوانب إنسانية أهملت.
«أرق العشيش» للكاتب عبد الله العتيبي مجموعة قصصية من إصدار «دار مسارات»، طبعة 2017 في 82 صفحة، ويحتوي على سبع قصص تدور في ملامح مجال اجتماعي واحد. وصدرت للكاتب عام 2015 مجموعة قصصية أولى بعنوان «النيرفانا.. أحياناً مُغلقة».

و«العشيش» التي يتحدث عنها الكاتب، هي مناطق سكنية عشوائية من الصفيح والخشب انتشرت في الكويت وبرزت في فترة الخمسينيات وحتى أواخر الستينيات من القرن الماضي، وبعدها أزالتها الحكومة ونقلت سكانها إلى مناطق سكنية جديدة، ومعظمهم من الذين قدموا للعمل في الكويت قبل النهضة الاقتصادية أو بعدها. وكانت بؤرة الحياة التي صنعها الكاتب «المقوع»، وهي منطقة قريبة من الأحمدي ظهرت بعد اكتشاف النفط وتصديره. لكن توسعت العشيش بعد ذلك لتظهر في مناطق مثل خيطان والفروانية وغيرها.

بشر وحياة

من الصعوبة أن تكتب في أحداث زمن مضى، خصوصاً إذا كنت تخوض في عمق قضايا اجتماعية، وأن تتلمس مشاعر بشر عاشوا في تلك الفترة، فهل ستنجح إن لم تكن ابن ذلك الزمن، وهل بإمكانك أن تكون صادقاً في نقل تلك الحياة إلى الورق، أم ستظلمها؟ المُجازفة كبيرة. شخصياً بعد اطلاعي على العمل، وعلى أجواء تلك القصص، أرى أن الكاتب تعامل بصدق مع تلك المرحلة، وما كتبه قريب إلى تلك أيام. رغم أنه لم يعشها فالمؤكد أنه سبر أغوارها من شخصيات عاشت الفترة، وروايات من سكانها ما زالوا على قيد الحياة.

لغة مُتمكنة

في غالبية قصص المجموعة ثمة حرص من الكاتب على أن يجعل نهاية كل قصة مفاجأة تكشف محتوى المضمون الغامض أحياناً، خصوصاً في القصة الأولى «أرق العشيش»، وتميز الكاتب بعدم خروجه عن أسوار منطقة العشيش في المقوع، حيث كانت الحياة قاسية جداً، خصوصاً في صيف الكويت اللاهب، وبردها القارس، وبشر يسكنون عشيشاً من الصفيح، تذروها أتربة الصحراء صيفاً، وتلعب بها العواصف من كل جانب.

تميز أسلوبه بالرصانة، ويتوافق مع أسلوب النهج القصصي الراقي، وإن كان ثمة تكثيف في أحداث بعض القصص وتطويل قد لا يحتملها النص، فإن الكاتب يملك تميزاً في اختيارات العناوين، أبرزها «انتقال مفاجئ، وفي المنتصف، وقيد»، وغيرها من عناوين لا تكشف المضمون، بل تحبس نفس القارئ إلى آخر سطر في النهايات. كذلك نجد المكان بارزاً في هذا العمل الذي يحتمل أن يكون رواية أيضاً.

سرد

بالعودة إلى الأسلوب، نجده مُتناسقاً في القصص كافة، وهنا نقرأ تلك الفقرات من قصة «عبرات»: «أغيب عنك، وأغمض عيني وأنت معي، هذا الجديد، اكتفيت به وأنا انتظر عودته لذلك الباب الذي جمعنا مصادفة قبل أيام. لم يحدث لي في السابق شيء يشابهه، هذا الجديد في الأمر». ويكمل وهو يتحدث عن ناصر: «منذ أيام وأنا يحاصرني الحنين، فأنصت لنبضات قلبي الموجعة، وقد هربت ابتسامة وجهي وبقى لدي حديثها العميق وكلماتها الأخيرة معي». وهنا في بعض القصص نجد الحب ينبت ويترعرع تحت أسقف العشيش، وهذا التصور نجده في قصة «العبرات»، وحب يتوقف عند ساعات الزمن وهو يراها تترك ذلك المكان حيث تختفي ملامح المقوع.

أخيراً، نبارك للكاتب عبد الله العتيبي «أرق العشيش» وننتظر منه أعمالاً أخرى ليضيف اسماً جديداً إلى مسيرة السرد الكويتي الشبابي المعاصر.

الكاتب حرص على أن تشكِّل نهاية كل قصة مفاجأة للقارئ

أسلوب القصص كافة متناسق
back to top