الناس على دين ملوكهم

وعليه، وحيث إن القيم الأخلاقية نسبية جداً، فلا يمكن افتراض سوى حدود دنيا لهذه القيم التي يمكن للحكومات الديمقراطية أن تسوق لها، لا أن تفرضها، وذلك بدءاً بأن تكون الحكومة هي القيمة التي تود أن تسوق. إذاً، حين يتحول الشعب، في ظاهرة قوية، إلى كراهية الآخر، إلى النظر بدونية للمختلف، إلى الرغبة في الانعزال عن كل من لا يحمل "أصالة" الانتماء إلى البلد، إلى تداول جمل عنصرية مثل "الوافدين كلونا" أو إلى تبادل السخرية تجاه لهجة فئة معينة أو تنميط شعب كامل، وحين يتوجه الشعب بمجمله للواسطة كحل، حين يعتاد الفساد كمعايشة يومية، حين يصمت تجاه بطالة مقنعة يتكدس من خلالها الموظفون في الإدارات التي لا يعمل فيها حقيقة سوى شخص أو اثنين، غالباً من المقيمين، أو حين يصمت تجاه بطالة مفعلة تصل رواتب أصحابها الذين لا يضعون قدماً في مقار أعمالهم إلى بيوتهم، حين يأخذ بدل عمالة، بدل إعاقة، معونة بيت الزكاة نصباً واحتيالاً، حين يتعايش وارتفاع أعداد القوانين وهبوط مستوى الانضباط، حين يتقبل وأحياناً يشجع امتداد مأساة بشر لأكثر من خمسين سنة على وقع وعود لا تتحقق، يغذي مطاطيتها الكراهية والعنصرية، حين يصفق لإيداع مفطر رمضان أو كاتب تغريدة في السجن ويتغاضى عن تصييف ناهبي الملايين في لندن وباريس، حين تتحول كل هذه المعضلات الأخلاقية إلى ظواهر عامة، فاعلم أن الشعب على "دين" حكومته، وأن المشاكل ما تحولت إلى ظواهر إلا بتسويق ممنهج ومع سبق الإصرار والترصد.