السخاء... كيف تعلّمينه لطفلك؟

نشر في 04-12-2017
آخر تحديث 04-12-2017 | 00:04
No Image Caption
العطاء والمشاركة والتبادل... لا يفكّر فيها صغارنا دائماً من تلقاء ذاتهم. إليك قليلاً من المساعدة لتضعيهم على الطريق الصحيح.
يأخذ سامر بكلّ فخر نصف حبّة البطاطا المقليّة من صحنه الفائض بها ويقدّمها لك. تشكرينه، فهذه خطوة صغيرة لكنّه يقوم بها دائماً. ولكن فيما يخصّ سيّاراته الصغيرة، فلا يعرها أبداً لأخيه! هل سامر نموذج صغير عن وحش الأنانيّة؟ دعونا لا نبالغ.

كريم ولكن ليس كثيراً

أثبتت الدراسات أنه حتّى المولود الجديد يسعد بالعطاء والاسترداد والعطاء مجدداً. عندما تلعبين هذه اللعبة مع طفلك، لا تدركين فعلاً أنّها نوع من التمرّن على السخاء. يقول علماء النفس إنّ الإنسان لطالما احتاج إلى المشاركة ليعيش، ويرتبط هذا المفهوم ارتباطاً وثيقاً بالسخاء الذي، ربّما لهذا السبب، يظهر بصورة طبيعيّة لدى حديثي الولادة. مع ذلك، تتعرّض «هذه الغريزة» لمكتَسب مهم لدى الطفل: تطوّر حس الامتلاك. وهذه صدمة حقيقيّة في التعاليم المنقولة إليه: ليكون كريماً، لا بدّ من أن يتمتّع بمساحات خاصّة به، ويعرف ما يمتلك، والأمور التي يستطيع مشاركتها مع الآخرين وتلك التي لا يستطيع مشاركتها.

يبدأ الصغير بالصراخ إذا أجبرته على إقراض أغراضه لأنّه يعتبرها امتداداً لذاته. حتّى عمر الثلاث سنوات، يعتبر أغراضه كأنّها مرجعيّاته، خصوصاً إذا كانت انتقاليّة، كالبطّانيّة. إذاً لا يجوز أن تتصرّفي معه عنوةً ولو كانت طريقته تتركك عاجزة عن إيجاد الكلمات، فهو يحتاج إلى وقت ليدرك أنّ إقراض سيّارته لا يعني اقتلاع ذراعه عنه.

القاعدة الأولى: يؤدّي إجبار الطفل على مشاركة أغراضه إلى نتائج عكسيّة، أو في أفضل الأحوال، يطيعك من دون أن يصير كريماً فعلاً. لذا خذي الأمور بتروٍّ من خلال احترام نضجه العاطفي. قبل عمر الستّ أو سبع سنوات، لا يكون كرمه «اجتماعياً»، على عكس الراشدين. لذا لا تأملي بأن يشارك أصدقاءه دلوه ومجرفته.

أنت وأنا يعني نحن

لتمرّري الرسالة بلطف، لا شيء يضاهي العمل بالمثل. لا داعي لمشاركة الجمعيّات في مساعدة المحتاجين (ولو كانت هذه فكرة جيّدة)، بل ابدئي بخطوات بسيطة وفق أسلوب «افعل كما أقول لك، والأهمّ، قم بما أقوم به». تريدينه أن يعطي من وقته، وأن يكون متيقّظاً وحاضراً فوراً. ماذا عنك؟ بدل أن تطلبي من ابنتك أن تساعدك وتهتمّ بأخيها الذي يبكي في حين أنّها ترسم غير مبالية به، ما رأيك بترك هاتفك جانباً لتقرئي معهما قصّة مثلاً؟

القاعدة الثانية: بالنسبة إلى الأطفال، ينتشر السخاء بصورة ثنائيّة، أي بعمليّة عطاء متبادل. يمكن تنمية مبدأ المعاملة بالمثل هذا عبر أصغر ملذّات الحياة اليوميّة، فتقولين له مثلاً: «سأدعك تتذوّق من الآيس كريم الذي اخترته بطعم الفرولة والفستق، لترى كم طعمه لذيذ! وأنت، ألا تريد أن تدعني أتذوّق من آيس كريم الشوكولاتة والحليب الذي اخترته؟». فالمشاركة (مشاركة الوقت واللحظات الجميلة والحلويات وغيرها...) رائعة فعلاً.

القاعدة الثالثة: دعي طفلك يقبل بالمشاركة أو يرفضها. المهمّ دائماً احترام موقفه. هل ترغبين فعلاً في تذوّق نكهتي المثلّجات التي اختارها، لكنّه يقول لك «لا» بحزمٍ وثقة؟ إذاً لا تشعري بالإهانة، فالأمر بهذه البساطة بالنسبة إليه. وبدلاً من الاستياء، أجيبيه: «لما كنت غير موافق، فلا مانع عندي».

مسألة خبرة

علّمي طفلك أن يصبح جهة فاعلة في مجال التبادلات بطريقة لطيفة. عندما يحين وقت تناول وجبة خفيفة، اقترحي عليه مشاركة قطعة الحلوى: «هل تريد أن نتقاسمها بالنصف هذه المرّة؟»، وفي الباص اسأليه: «هلّا تفسح لي مكاناً لأجلس؟». إذا أمسك بباب ثقيل من تلقاء نفسه ليدع امرأة تدخل، لا تنسي تهنئته: «كم أنت قوي! تصرّفك كان رائعاً، شكراً لأنّك فكّرت بذلك». حين تشدّدين على مبادراته الحسنة، تشجّعينه على تكرارها. ومن الأفضل التركيز على طبعه الخدوم بدل عمله، فيتشجّع على القيام بأمور مماثلة حين تعلمينه أنّ السخاء يشكّل جزءاً منه. كذلك تستطيعين إخباره عن المتعة التي نعيشها حين نكون كرماء، وعن الشعور الجميل الذي ينتابنا حين نفيد الآخر أو نساعده، وعن السعادة التي نقدّمها للناس في تلك اللحظة، فتقولين له مثلاً: «هل رأيت كم فرحت جدّتك عندما أعطيتها رسمتك؟ هل تعرف أنّها وضعتها في إطار؟». أو في حالة أخرى: «كم قدّرت «صوفيا» مجيئك إلى منزلها لتعطيها دروسها حين كانت مريضة...».

القاعدة الرابعة: أثبت باحثون من جامعة «يايل» الأميركيّة أنّك حين تساعدين الطفل في تذكّر النتائج الإيجابيّة التي تلت أعماله المتّسمة بالسخاء وتطلعينه عليها، فإنها تبقى في ذهنه وتدفعه إلى التصرّف بطيبةٍ مجدداً.

عندما تزيد الأمور عن حدها

في موعد تناول الوجبة الخفيفة، يوزّع حبّات البسكويت كلّها. كيف أوقفه؟

يعرف طفلك فعلاً معنى المتعة في العطاء وتفرحه رؤية عيون الآخرين تشعّ امتناناً له. وهذا العرفان هو عائد الاستثمار الذي يروق جدّاً للطفل فلا يرى أيّة مشكلة في التخلّي عن ذاته في سبيل رفيقه المحبوب... والمستحوذ أحياناً. عندما تشعرين بأنّ حسّ السخاء لديه تخطّى آمالك، يصبح ضروريّاً طرح نقاش صغير معه: «لست بحاجة إلى التخلّي عن ألعابك وحلوياتك كلّها لتقيم صداقات. فالأصدقاء الحقيقيّون يحبّونك لشخصك المضحك واللطيف، وليس للهدايا التي تقدّمها لهم». في الوقت ذاته، يمكنك تسجيله في نشاطات معيّنة (لتساعديه في لقاء أولاد آخرين) أو تحضير حفلات صغيرة في المنزل أو الحديقة العامّة ليقيم علاقات جديدة.

خلال الأعياد وبعدها

يترجم السخاء أوّلاً بالعناية بالآخر قبل أن يكون مسألة مادّيّة. ولكن كيف تستطيعين إعلامه بهذا في ظلّ الهدايا التي تنهمر عليه في فترة الأعياد؟ يمدّ لك علماء النفس يد العون في ما يلي: يبدأ التحضير للأعياد قبل 20 يوماً. نضع لائحة بالذين نريد تقديم الهدايا لهم، ونصل حتّى إلى المعلّمة والمسؤولة عن المكتبة وغيرهما. ثمّ ننطلق في مرحلة صنع الهدايا اليدويّة. صحيح أنّ العمل يدوم ساعات لكنّ العطاء يعطي فعلاً معنى للعيد ويشعرنا بمتعة حقيقيّة (في الواقع، إذا قمنا بهذا العمل مرّة، بالتأكيد سنرغب في تكراره في السنوات المقبلة).

ماذا عن فكرة التبرّع بالألعاب القديمة بمناسبة احتفال نهاية العام، فيشعر الطفل بمعنى السخاء قبل أن تغمره الهدايا الجديدة بمناسبة السنة الجديدة؟ إذا كانت هذه الخطوة تهدف إلى إفساح المجال لتلقّي المزيد، فلا تحمل الرسالة أيّة فائدة. في هذه الحالة، يُفضّل إبقاء عمليّة «الهبة مقابل هبة» لمناسبة الأعياد. عشيّة عيد ميلاد الطفل، يدعوه والداه ويقولان له: «كم كبرت! إذاً ربّما لن تستخدم هذه اللعبة كثيراً بعد اليوم؟ يمكننا التبرّع بها، ما رأيك؟». ولكن إذا رفض الطفل الذي شارف على سنواته العشر الابتعاد عن لعبته، على الوالدين احترام رغبته. ليست مشاركة اللعبة أو التبرّع بها أفضل تمرين على السخاء بالضرورة. لنأخذ مثلاً كلاً من سميرة وسمر، توأمان يتنازعان على المشاركة في لعبة «الليغو». ما من مشكلة، يمكن للوالدين أن يقترحا عليهما مشاركة الغطاء مثلاً وهما تشاهدان التلفاز.

القاعدة الخامسة: اللفتات الصغيرة مهمة جداً، والأطفال ملوك هذا التمرين: إحضار تذكارٍ من العطلة التي أمضاها لأصدقائه، أو جمع أزهار من الحقل وضمّها في باقة يهديها لمعلّمته، أو رسم قطّة الجيران وإهدائهم الصورة... تمرّ رسالة المشاركة المحفورة في هذه اللفتات الصغيرة بلطفٍ أكثر من شراء كيس حلوى بمناسبة عيد الميلاد أو علبة شوكولاتة كعربون شكر، وتترك أثراً كبيراً في الذاكرة، والقلب أيضاً.

اتركي الحرية لطفلك بمشاركة ألعابه من عدمها
back to top