دماغك لا يقوى على انتظار المكافأة!
يقيّم دماغنا سلبيات وإيجابيات آلاف الأوضاع يومياً، وتحدث هذه العملية غالباً من دون مشاركة دماغنا الواعي. تناول بحث بالغ الأهمية مدى تأثير الانتظار في مسارات المكافأة.
النواة المتكئة مجموعة صغيرة من الخلايا تكمن عميقاً في وسط دماغنا وتطلق الناقل العصبي الدوبامين. تقيّم كتلة الخلايا العصبية هذه «كم ستكون المكافأة جيدة في المستقبل».تُظهر البحوث السابقة أن مقدار الدوبامين المفرز في هذه النواة يقدّم معلومات عن حجم المكافأة، واحتمال تلقيها، وكم سيطول انتظارها على الأرجح.تناولت دراسة جديدة نُشرت أخيراً في مجلة Cell Reports كيف تشير خلايا الدوبامين إلى مرور الوقت. أجرى البحث في جامعة تكساس بسان أنتونيو فريق من الباحثين بقيادة الدكتور ماثيو وانات، بروفسور مساعد متخصص في علم الأحياء. ويؤكد الباحثون أنهم أرادوا اكتشاف ما إذا كان الدوبامين المنتَج «ينقل معلومات ارتجاعية ترتبط بالمكافأة، كالوقت الذي مرّ».
الدوبامين والانتظار طويلاً
استخدم الباحثون التكييف البافلوفي التقليدي ليعلّموا عدداً من الجرذان أن صوتاً محدداً يعني وصول المكافأة. عندما ترسخت هذه العلاقة الثنائية في أدمغة الجرذان، صار صوت الإشارة (سواء حصلت الجرذان على المكافأة أو لا) يؤدي إلى ارتفاع معدل الدوبامين، الذي يشهد تراجعاً ثابتاً بعد تلقي المكافأة واستهلاكها.سمحت تقنية تُدعى القياس الفلطي للدكتور وانات وفريقه بقياس الكميات الصغيرة من الدوبامين الذي يُفرَز وسط النواة المتكئة مع كل إشارة مكافأة. في التجربة، استخدم الباحثون نغمتَين مختلفتَين: أطلقوا الأولى بعد فترة انتظار قصيرة (15 إلى 25 ثانية)، في حين أصدروا الثانية بعد فترة انتظار أطول (65 إلى 75 ثانية). أشارت النغمتان إلى المكافأة عينها مع الفترة الفاصلة ذاتها بين الإشارة والمكافأة. كان الاختلاف الوحيد طول الفترة بعد عملية الإشارة/ المكافأة السابقة.اكتشف الباحثون أن كمية أكبر من الدوبامين أُطلقت في الدماغ عندما سمعت الجرذان نغمة الانتظار القصيرة. بكلمات أخرى، تُعتبر فترة الانتظار القصيرة أفضل مقارنةً بالفترة الطويلة في ما يتعلق بنظام المكافأة.من الناحية الأساسية، جاءت النتائج كما هو متوَّقع: تكون إثارة الدماغ أكبر مع احتمال انتظار فترة أقصر للحصول على المكافأة.المكافأة والإدمان
يوضح الدكتور وانات المنطق وراء هذا البحث، قائلاً: «سعينا خصوصاً إلى تحديد إشارات الدماغ التي تؤثر في القرارات التي نتخذها».يضيف: «ترتكز قرارات كثيرة على مقارنة القيم بين الإشارات المرتبطة بالمكافآت المختلفة. تُظهر أدلة كثيرة أن إشارات الدوبامين هذه والدلائل الخارجية تشكّل إشارات مهمة ترتبط بالقيمة وتسهم في توجيه قراراتنا بشأن إقدامنا على سلوك معين». يشكّل إدمان المخدرات أحد مجالات البحث التي قد تستفيد من اكتشافات الدكتور وانات، فالإدمان سلوك يغذيه مسار المكافأة المرتبط بالدوبامين. و«تسيطر» المخدرات على مراكز المكافأة هذه. يوضح الدكتور وانات: «باكتشافنا كيفية عمل نظام الدوبامين في الظروف الطبيعية وغير الطبيعية، نتمكن على الأرجح من تحديد تبدلات وطرائق مهمة تتيح لنا استهداف نظام الدوبامين بغية تصحيح عواقب أنماط سلوك مماثلة».يذكر تشارلز ويلسون، رئيس قسم إيوينغ هالسيل لعلم الأحياء المتميز في جامعة تكساس بسان أنتونيو: «قيل الكثير عن دور الدوبامين في المكافأة، إلا أن الأخيرة لا تكون مهمة حقاً إلا في إطار اتخاذ الخيارات. وتتيح تجربة الدكتور وانات قياس الدوبامين النشيط في الدماغ مباشرةً خلال عملية الاختيار وتكشف طريقة تحديد الدماغ قيم خياراتنا».
إثارة الدماغ تكون أكبر مع احتمال انتظار فترة أقصر للحصول على المكافأة