عادل ضرغام: قصيدة حجازي «الأمير المتسوّل» حجر الزاوية في كتابي

• مؤتمر «التنوّع الثقافي» يهدف إلى نشر ثقافة التسامح

نشر في 25-10-2017
آخر تحديث 25-10-2017 | 00:00
أصدر الناقد الأدبي الدكتور عادل ضرغام أخيراً «الوعي المعرفي وتطور الشعرية»، وهو الكتاب الذي بدأ بكتابته منذ 20 عاماً، تحديداً عام 1998 بعدما أنهى دراسته الدكتوراه ثم انشغل بهذا الكتاب القائم على دراسة لقصيدة «الأمير المتسول» للشاعر أحمد عبد المعطي حجازي وكان يعود إليه بالحذف والإضافة على فترات حتى أتمه وأصدره... عن الكتاب ورؤيته النقدية والقصيدة النثرية، وعن اختياره مقرراً عاماً لمؤتمر «التنوع الثقافي والهوية الحضارية» الذي يعقد في جامعة الفيوم في ديسمبر المقبل، التقت «الجريدة» د. ضرغام وكان هذا الحوار.
في كتابك «الوعي المعرفي وتطور الشعرية»، كيف ولماذا اخترت قصيدة «الأمير المتسول» للشاعر أحمد عبد المعطي حجازي؟

بدأت في دراسة هذه القصيدة بعدما أنهيت دراستي للدكتوراه وسلمتها إلى الأستاذ المشرف في نهاية عام 1998. فيما كان المشرف يقرأ الرسالة بدأت أشغل نفسي بشيء من الاهتمام بقراءة حجازي، وكنت تيقنت أن المنهج الذي استخدمته في الدكتوراه (المنهج الأسلوبي) ليس جيداً في دراسة الأعمال الكاملة لشاعر واحد، وإنما يعطي قيمة حقيقية للدرس الأدبي والنقدي إذا تعلق الأمر بنص واحد. حاولت في كتابي عن نص حجازي أن أطبق تلك القناعة، فجاء الكتاب على هذا النحو الذي صدر عليه الآن، فهو كتاب أنجزته قبل 20 عاماً، ولكنه لم ينشر إلا أخيراً، وحجازي هو الشاعر الأثير إلى روحي، لأن شعره أقرب إلى الإنسان، ويلح في كتابته حول منطلقات أساسية وثيقة الصلة بهذا الإنسان.

وعي الشاعر والمرأة

يرصد الكتاب علاقة الشاعر مع المرأة، فكيف تعامل معها أحمد عبد المعطي حجازي؟

وقف الكتاب عند صورتين للمرأة، الأولى نابعة من الوعي المعرفي الفطري القائم على المثال والنموذج وتأتي المرأة من خلاله محاطة بآيات التقديس، ولكن مع الوعي المعرفي المغاير الذي يمكن أن نطلق عليه الوعي التجريبي أو القائم على مقاربة الواقع والالتحام به أوجد صورة أخرى مغايرة، تستند في ملامحها إلى الواقع، وإلى كونها كياناً دافقاً بالحياة يتوق إلى الرجل كما يتوق إليها، وقد زالت عن عينيه غشاوة التقديس التي كانت تحرمه من الرؤية الحقيقية. هنا كانت المرأة المنطلق الأساسي في شعر أحمد عبد المعطي حجازي، بداية من ديوانه «مدينة بلا قلب» إلى آخر أعماله المتاحة للقارئ.

والفارق بين الصورتين نابع في الأساس من الفارق بين شعريتين، الأولى تهويمية تؤمن بالمثال وبرسالة الشعر، وبقدرة الكتابة على تغيير وتحويل الواقع، وشعرية أخرى فقدت منطلقاتها الأساسية بعد تقليم أظفارها بنزولها إلى الواقع والالتحام بالحياة.

إلى أي مدى يؤثر إدراك الشاعر بالواقع المعيش في الشعرية المنتجة؟

هذه قناعة أساسية في الدرس الأدبي والنقدي، فالفنون بتجلياتها المختلفة تشكل إجابة عن أسئلة تتصل بالكون والإنسان والوجود، وقيمة وعلاقة الإنسان بهذا الوجود، خصوصاً إذا كانت الأسئلة ثابتة أو شبه ثابتة بمرور العصور والأزمنة. ولكن طريقة الإجابة عنها تتغير، وهذا التغيير نابع من طبيعة إدراك الفنانين والأدباء للواقع المعيش وللسياقات الحضارية التي تتغيّر بالضرورة، وطبقاً لتغيرها (من دون الإشارة إلى فكرة الحتمية) تتبدّل الفنون والآداب وتتأثر بها.

هل تقف التجربة الإنسانية عند صورة بعينها؟

اهتمّ بهذا الأمر في كتابي عن حجازي، الذي يرصد صورتين من صور شعرية حجازي نتيجة للتطور الذي يصيب الوعي بالحياة وبمقاربة جزئيات الوجود، والأسئلة الوجودية التي تلازمنا على الدوام. فالوعي الإنساني، فضلاً عن وعي الشاعر، في معرض دائم للتغير والتبدل والتحول من حال إلى أخرى، وفي تحوله يغير بالضرورة في طبيعة الشعرية المنتجة، وفي استخدام الآليات القديمة على نحو مغاير، أو في إيجاد آليات جديدة منسجمة مع الوعي المعرفي الجديد. وفي ظل هذا التحوّل، تتغير طبيعة النظرة، وطبيعة الصور المقدمة الكاشفة عن وعي ووجود جديدين. فالتجربة الإنسانية لا تقف عند صورة بعينها، ولكن ثمة حالة من الحالات تظل فاعلة، ويظل لها وجود رغم انتهائها زمنياً، فالوعي الرومانسي بوصفه فناً أو مذهباً أدبياً محدوداً بزمن وخصائص قد انتهى، ولكن مقاربة الحياة بمنحى رومانسي ما زال لها وجود.

التنوع الثقافي

استلمت منصب المقرر العام للمؤتمر الدولي «التنوع الثقافي وقضايا الهوية». حدثنا عن محاور المؤتمر وأهدافه؟

سيعقد المؤتمر في ديسمبر المقبل تحت رعاية رئيس جامعة الفيوم الأستاذ الدكتور خالد حمزة، ورئاسة عميد كلية دار العلوم الأستاذ الدكتور صابر السيد مشالي، وسأكون مقرراً للمؤتمر، فقد رأت كلية دار العلوم استجابة للحظة الحضارية التي تمر بها الثقافة الإسلامية والعربية في مقاربتها للآخر المغاير أو المباين، أن هذا الموضوع يشكل إسهاماً مهماً منها ومن جامعة الفيوم في إعادة مقاربة الأمر، وفي إعادة مقاربة إشكاليات مستمرة في الوجود كموضوع الهوية. ووصلت إدارة المؤتمر بحوث عدة ومن دول مختلفة هي مصر والجزائر والسعودية والمغرب والأردن والعراق وبنغلاديش، واللافت أن تنوع التخصصات المشاركة يكشف ضرورة وحتمية إعادة مقاربة الموضوع. من ثم، جاءت الأهداف كاشفة عن إحلال ثقافة الحوار وقيمة هذا المنحى، ومن بينها: نشر ثقافة التسامح والبعد عن التعصب، والإصرار على ثقافة الحوار وتقبل الآخر، وتجسير الهوة بين التنوع الثقافي باعتبارها حاجة ملحة، والتمسك بشروط الهوية المنعزلة الخالصة، وتأكيد مرونة الهوية لفقد واكتساب منطلقات جديدة، وتفعيل قيم المواطنة والانتماء المشترك والتعايش السلمي، والعمل في إطار التنوع والتفاعل الإيجابي الخلّاق، وترسيخ مفهوم الوحدة الوطنية، والعمل على ترسيخ حقوق الإنسان، والاهتمام بالأفكار الجديدة، والمبادرات، وتفعيل العلاقات من أجل تشجيع المشاركين على الانخراط في مؤتمرات فكرية مستقبلية.

هل يمكن تحقيق التوازن بين مواكبة التطوّر المعرفي والحفاظ على هويتنا الثقافية من تأثيرات العولمة؟

هذا هو الموضوع الذي يلحّ عليه المؤتمر من خلال محاوره الكثيرة. الهدف الأساسي من عقد المؤتمر مقاربة هذه اللحظات الخاصة بسؤال الهوية، في إطار الوعي بالتعددية الثقافية، وطبيعة النظر إلى الآخر، ومحاولة التعالي على الصراع والتناحر. فالتعددية الثقافية في تجليها الفاعل مشدودة إلى مرحلة الحوار، أي التواصل الثقافي في إطار الانتماء إلى الإنسانية بوصفها الجوهر الحقيقي للعلاقات الفردية والدولية، لأن الانتماء إلى الإنسانية (في تجليه العميق) يحارب الانتماءات والنعرات العرقية والأسس الجوهرية التي شكلت ميراثها الطويل، وهذا الانتماء بالضرورة لا يتوجه نحو محوها، وإنما فقط يحاول إدراجها في سياق عام يهدهد النعرات اليمينية في كل ثقافة أو توجه على حدة، فلا تعود تشكل عقبة إزاء فرص الحوار بين الثقافات الكثيرة، ذلك الحوار القائم على المساواة وليس على التراتُبية.

بين النثر والعمودي

يرى ضرغام ألا صراع بين القصيدة العمودية وقصيدة النثر، مؤكداً أن الفيصل الأساس في ذلك الفن وطبيعته المتغيرة بتغير العصور والأزمنة، وأن في كل عصر ثمة أناساً يقدسون القديم، ويرون أن أي خرق لمنطلقاته يمثّل خرقاً لمقدس، من ثم تحول القديم إلى وجود نسقي له فاعلية.

ولفت ضرغام إلى أنه يمكننا النظر إلى القضية في إطار صراع الأجيال، ومدى تمسك كل جيل بمنطلقاته الأيديولوجية والفنية.

التجربة الإنسانية لا تقف عند صورة بعينها

لا صراع بين القصيدة العمودية والنثرية
back to top