خاص

رانيا محيو الخليلي: نضجتُ كتابياً وفكرياً وأتعلّم من الحياة

• اعترفت بأن كتاباتها المباشرة تبدو فظة وجارحة أحياناً

نشر في 09-10-2017
آخر تحديث 09-10-2017 | 00:00
تأبى الأديبة اللبنانية رانيا محيو الخليلي أن يندرج اسمها تحت لافتة المثقف المحبط، وترى أنها كاتبة الأمل، ورغم رداءة الواقع والإحباط السائد في المشهد الأدبي العربي فإن محيو تطالب بالخروج منه والتغلب عليه بالكتابة المبدعة، وتطالب المثقفين بكسر جدار عزلتهم والتصدي أو عدم السماح للأعمال التسويقية الترويجية التي لا تمت للثقافة ولا للفكر بصلة بأن تكون لها الغلبة في المشهد الأدبي العربي. التقتها «الجريدة» في هذا الحوار الذي تتحدث فيه عن رؤيتها للواقع الأدبي وأعمالها وأبطالها ومسيرتهم ومسيرتها.
صدرت لك أخيراً رواية «سيّدة ستراسبورغ» أخبرينا عنها.

«سيدة ستراسبورغ» روايتي الثالثة ومن خلالها تمكنت من سبر أغوار الكتابة الروائية بتمرّس، وبذلت طاقة هائلة في كتابتها بتقنية جديدة نوعاً ما، لأنها تعتمد إخفاء تفاصيل مهمة لا يكتشفها القارئ إلا في نهاية الرواية، وهي تبرز قوة الشخصية من خلال رصد معاناة البطلة «حنان» والعنف الجسدي واللفظي الذي كانت تتعرض له في المناسبات كافة، وحرمانها العاطفي الذي عانته في مختلف مراحل حياتها، وقد وضعتها دائماً في موقع المسؤولية الذي تحوّل لاحقاً ليكون موقع قوة، وعندما تكون في موقع قوة الشخصية وتحمّل المسؤولية لا يستهين المحيطون بك أو بحاجتك العاطفية، وبلا وعي آثرت التركيز على هذه النقطة في الرواية.

بين الواقع والخيال

بطلتا الرواية «حنان وليليا» كل واحدة منهما عاشت حياتها بطريقتها، لماذا؟ وهل الرواية إسقاط للواقع المعاش؟

كل رواية كتبتها يعتقد القارئ الذي لا يعرفني أنها إسقاط للواقع. في «سيدة ستراسبورغ»، اعتقد القراء أنّ حنان شخصية واقعية وليليا شخصية خيالية، لكن الحقيقة هي العكس تماماً: ليليا هي الحقيقية وسبق والتقيتها في ساحة ستراسبورغ وما طلبته من حنان في الرواية كان الأمر نفسه الذي طلبته مني. جمعت بين القصتين لأشير إلى أن العنف ليس بالضرورة أن يكون جسديّاً إنما أيضًا بمقدوره أن يكون معنوياً، وتعنّف المرأة نفسها بنفسها غالباً من خلال رضوخها، وأعتقد أن الرواية لا يمكن فصلها عن الواقع فيما يطغى الخيال فيها، ويوماً ما ربما إن قررت كتابة مذكراتي سأوضح الحقيقي من الخيالي في رواياتي، ومتأكدة أن كثيرين سيُفاجأون كيف أدمج الواقع بالخيال.

من أين تستقين شخصيات رواياتك؟

منهم من عايشته ومنهم من طعّمته بأشخاص عايشتهم ومنهم من أتخيله. هذه النماذج الثلاثة يجب أن تحضر في رواياتي. للحقيقة، لا أعرف كيف تحصل هذه الأمور معي وكيف أقوم بهذا الدمج.

بين الشعر والرواية

في أعمالك الروائية شاعرية نابضة وطافحة، ألم تخشي أن تغلب الشاعرة على الروائية وأنت تسطرين فصول روايتك هذه، فتغدو الرواية قصيدة طويلة؟

تطلبت رواية «سيدة ستراسبورغ» تلك الشاعرية نظراً إلى الظرف الخاص الذي كانت البطلة تحت تأثيره. كل رواية، حسب موضوعها، تتطلب مني تقنية ما، وأنا أعيش لحظات كتابتها، لذلك ستجد هذه الشاعرية قليلة في «رواية أمين» و{لعنة البيركوت»، لكن، وهذا اعتراف مني، تميل شخصيتي نحو الشاعرية رغم أن كتاباتي المباشرة قد تبدو فظة أحياناً وجارحة.

في أعمالي تجد «بكاء في الخفاء» 2002 مجموعة خواطر شعرية وأولى إصداراتي، فيها نصوص كلما قرأتها أتأثر بشدة نظراً إلى ما تحمله لي من ذكريات، وتحتوي على قصائد كتبتها في مراحل بعيدة من حياتي. أما لعنة البيركوت» فبدأت بكتابتها عام 2005 وأنهيتها عام 2009، أي خلال أربع سنوات من العمل الدؤوب لأنها تطلبت مني دراسة تاريخ وجغرافيا الدول العربية والبحث عن المعالم السياحية في دولة الكويت الشقيقة لأنني لم أزرها في حياتي، ودراسة مستفيضة لاتفاق الطائف الذي أصبح وثيقة تاريخية حددت معالم لبنان ما بعد الحرب. العنوان الذي أربك الجميع هو الجمع بين مدينة بيروت ومدينة الكويت من خلال إضافة حرف واحد هو «الكاف» إلى كلمة بيروت. كذلك تحضر بين أعمالي «رواية أمين» 2013، لم أعلن الحقيقة التالية في الرواية، ولكن بطلها جدي أمين محيو الذي فجر مستودع أسلحة للفرنسيين واختطف خلال العملية جنرالاً فرنسياً في أحد الأكواخ في منطقة ضهر البيدر الجبلية في لبنان. غلّبت الخيال على هذه الرواية لعدم رغبتي في التطرق إلى شخصيات سياسية أصبحت تاريخية رافقت سيرة جدي.

هل نعيش أزمة شعر أم أزمة شعراء؟

انضممت أخيراً إلى مجموعات أدبية وذهلت لمقدار الطاقات الشعرية العربية، لا سيما من موريتانيا الشقيقة. أردد دائماً أن الأدب العربي يقوم على دعامة الشعر، ما يجعل الفنون الأدبية الأخرى كالقصة والرواية والمسرح في جانب منزوٍ من المشهد الأدبي العربي.

كيف تنظرين إلى مشروعك الشعري والروائي، وكيف تقرئين فيها تحولاتك الذاتية وانعكاسات الأزمنة والأمكنة؟

لم أتعمق كثيراً في الشعر. بعد «بكاء في الخفاء» توجهت نحو الكتابة الروائية، لكنني أكتب مقاطع يعتبرها البعض شعرية لكنني أخجل من تصنيفها كذلك، خصوصاً حين أقرأ لكبار الشعراء. كان توجهي منذ البداية نحو القصة والرواية، وما كان الشعر إلا بداية الانطلاق. أما عن تحولاتي الذاتية فأعترف بأنني تغيّرت ونضجت كتابياً وفكرياً لأنني من النوع الذي يتعلّم من الحياة ولا يكتفي من ذلك.

كيف تقيمين المشهد الثقافي والأدبي اللبناني راهناً؟

سأتحدث بصراحة لأن الوضع أصبح يحتاج إلى وقفة احتجاج تظهر الحقائق لا للذم وإنما للتصحيح: المشهد الثقافي والأدبي اللبناني الحالي رديء! احتكرت مجموعة أشخاص الساحة وجعلتها تسويقية ترويجية لا تمت إلى الثقافة ولا إلى الفكر المتجذر أصلاً في لبنان. ثقافة «مرر لي لأمرر لك» هي السائدة من دون أي التزام أدبي واعتماد أي معيار نقدي سليم.

مبدعون وجوائز

تأثرت رانيا محيو بكثير من المبدعين حسبما تقول: «عربياً، تأثرت بكل من المنفلوطي وميخائيل نعيمة ومحمد عبد الحليم عبد الله، وعالمياً بكل من بلزاك وبروست وأندريه جيد... اللائحة تطول، لم أتعلق بكاتب معين حد التأثر، ولعل ذلك ما أنقذني من فخ التقليد فبقيت مستقلة بكتاباتي».

وعن رأيها في الجوائز الأدبية وما إذا كانت تشكل دليلاً على إبداعية المنتج الأدبي تذكر: «الجوائز الأدبية من المفروض أن تكون محفزة، لكن إن غلب عليها التسييس والمحسوبية تتحوّل إلى ركود إبداعي. خيّب بعض الجوائز آمال القراء وأساء إلى ذاته قبل الإساءة إلى الكاتب».

«البيركوت» تجمع بين بيروت والكويت من خلال حرف واحد هو «الكاف»
back to top