جومانا ناهض: قصائدي هي «الأنا»

• ديوانَاها صورة عمّا تريد للمرأة أن تصبُوَ إليه

نشر في 12-09-2017
آخر تحديث 12-09-2017 | 00:02
منذ بدات علاقتها باللغة العربية، طالبة ثم مدرّسة لها في ما بعد، تصارع الشاعرة جومانا ناهض أمواج الكتابة وتتمنّى أن تصرعها فتحقّق أحلامها. عشقها للغة العربية لا حدود له، فهي الملجأ الذي تفيء إليه عندما تشتعل الأفكار في قلبها وعقلها، والواحة التي تعيش فيها سعادة الإبداع والتعبير عن مكنوناتها التي يتحكّم فيها جنون الشاعر. بعد ديوانيها «جرأة انتهكت الصمت» و«أنا... حبّك واللّامنطق» تنكبّ على التحضير لديوان ثالث، ولمجموعة قصص للأطفال «تنتظر من لا تزال اللغة العربيّة تستهويه ليدعم نشرها فتصبح لآلئ في أيدي الأولاد»، على حد تعبيرها.
ديوانك الجديد الصادر حديثاً «أنا… حبّك واللامنطق»، هل تقصدين في العنوان أن الكتابة عن الحب يجب أن تكون تحت خانة اللامنطق؟

لا يمكننا أن نصنّف الحبّ في خانات، فالحبّ مدًى واسع غير محدود. وأنا عندما كتبت «أنا... حبّك واللّامنطق» عبّرت فيه عن الحبّ بكلّ منطقٍ رغم لامنطقه. الحبّ عندي لا يعترف بالعقل: فمن قال إنّ العقل هو من يُعطي دوماً الإجابات الدّقيقة؟ لِمَ لا يكون القلب، في حال الحبّ، ميزاناً له؟

من هنا، لا أقصد في كتابي تعبيراً غير منطقيّ عن الحبّ بل التّعبير عن الحبّ، كيفما تجسّد، حتّى لو كان غير منطقيّ. الحبّ عندي لا قالَب له ولا ميزان، هو مُتفلّت من كلّ شيء لأنّه يساوي عند العاشق كلّ شيء.

الديوان هو الثاني بعد «جرأة انتهكت الصمت»، إلى أي مدى تستطيع الشاعرة في مجتمعنا الذكوري أن تعبر بجرأة عن الحب؟

يتبادل ديواناي الجرأة واللّامنطق، ويأتي تعبيري عن الحبّ فيهما كعاصفة لم يشهدها تعبير أنثويّ بهذا الوضوح سابقاً. لا شك في أن تعبير المرأة عن الحبّ ما زال خجولاً، فالأفكار الشّرقيّة المتعصّبة لم تفكّ قيودها عنها ومستمرّة في صدّ مشاعرها مع أنّها الأصدق. من جهتي، حاولت كسر تلك القيود وذهبت في تعبيري عن الحبّ إلى حدّ بعيدٍ.

انتصار على الظلم

يدور ديواناك حول الحب والمرأة والحياة، فما الرسالة التي تودين نقلها إلى القارئ من خلالهما؟

الديوانَان صورة عمّا أريد للمرأة أن تصبُوَ إليه. لا أقول إنّهما رسالة إنّما دعوة جدّيّة إلى المرأة لتغوص في بحر الحبّ وتواجه من خلاله الحياة وتعقيداتها لتنتصر على كلّ ظلم يلحق بها وكلّ إجحاف في حقّ مشاعرها النّبيلة الصّادقة. من خلال كتاباتي، أدعو كلّ عاشقة لتعبّر عن مشاعرها مُتحدّية الصّعوبات. فلِمَ يكون عند الإنسان الوقاحة للتّعبير عن الكره ولا يكون عنده الجرأة للتّعبير عن الحبّ مع أنّه الشّعور الأرقى؟

أين أنت في قصائدك؟ وهل هي صورة عن ذاتك أم تعكس تجارب مختلفة في المجتمع؟

أنا لست في قصائدي، قصائدي هي «الأنا». هي مشاعري وأحاسيسي وعواطفي الّتي مررت بها وعايشتها مع من أحبّ. وقد ظهرت في صورة الغلاف «المرآة» لأنّني فعلاً عكست البركان الّذي كان يتأجج في داخلي في هذا الدّيوان. هي صورة عن ذاتي لكنّها أيضاً صورة عن تجربة كلّ فتاة عاشت قصّة حبّ صادقة مجنونة وغير منطقيّة، رغم اختلافات واقع هذه القصّة وتفاصيلها.

كيف كانت ردود الفعل عليهما، هل ثمة تقبّل لهذا النمط الشعري؟

فوجئ المحيطون بي بداية بجرأتي في التّعبير وبعمقه رغم الكلام القليل. لكنّ كثيرين، بعد قراءتهم الدّيوانَيْن، ثمّنوا تلك الجرأة، لأنّها عبّرت عمّا كانوا يريدون بدورهم البوح به ولم يجرؤوا. النّمط الّذي أكتبه، وهو السّهل الممتنع والعميق في آنٍ، يدفع أصدقائي إلى الطّلب منّي كتابة رسائل أو خواطر شعريّة لمن يحبّون، فاللّغة غير متكلّفة إنّما أنيقة وعميقة تفتعل في القلب هزّة غير مُدمّرة إنّما بنّاءة.

قصائد نثرية

تعتمدين أسلوب القصائد النثرية، فهل الفكرة هي التي تفرض طريقة التعبير أم تقصدين الاعتماد على هذا الأسلوب؟

تطوّر الشّعر على مرّ الأجيال لينتقل من الخاصيّة إلى الشّموليّة. بعدما كان قلائل يستطيعون كتابة الشّعر أصبح اليوم، كلّ من يعيش حالة ما، يعبّر عنها بأيّ أسلوب يريده. بالنّسبة إليّ أعتبر أنّ النّغمة الموسيقيّة قد لا تأتي دائماً بتناغم الحروف أو باتّباع الأوزان إنّما بتناغم الأحاسيس والتّعبير عنها. عندما تتأجّج الأحاسيس في داخلي تتقطّر منّي تعابير لا أراقب توازنها ووزنها إنّما فعل تسرّبها إلى القلوب.

العالم الذي تحاولين رسمه في قصائدك هل ترمزين من خلاله إلى رسم غد أفضل؟

أحاول من خلال كتاباتي رسم عالم من الحبّ تزيّنه العواطف الصّادقة وتعطّره المشاعر النّبيلة. وما الغد سوى أناس يحبّون بعضهم بعضاً فيكسرون طوق الحرب ليزرعوا بساتين من السّلام.

المرأة بكل شغفها ومعاناتها وجمالها كيف تحضر في شعرك؟

في شعري تحضر المرأة... «امرأة» كما خلقها الله جميلة بروحها وأحاسيسها وأفكارها. المرأة معي لها كيانها الخاصّ، حالمة، طموحة، قويّة تعرف كيف تحبّ وتقدّم لحبيبها أسمى المشاعر. فهي ليست صورة كما يحلو للبعض رسمها وليست كما يقولون «كوني جميلة واصمتي» بل «كوني امرأة وجاهري بكلّ أفكارك».

ما الذي يحرك قلمك ويدفعك إلى الكتابة؟ حالة معينة، أم تجربة، أم فكرة خطرت ببالك؟

عندما أعايش حالة ما يتحرّك قلبي وعقلي ليكتبا معاً مُستنجدَيْن بالقلم لرسم تلك المشاعر والأفكار. جاءت ولادة الدّيوانَيْن بعد حالة خاصّة عشتها، وبما أنّني عشتها فقد ارتقت لتصبح تجربة مرّت في حياتي ولّدت فيَّ أفكاراً ومشاعر تعلّمت منها. قد تخطر أحياناً فكرة ما في رأسي بناءً لوضع سياسيّ أو اجتماعيّ ما فلا أتلكّأ في ترجمتها. إذاً الكتابة عندي: حالة، وتجربة وفكرة.

كيف ترسمين الحياة في ديوانيك؟

كم أتمنّى أن يكون كلّ من ديوانيَّ حياة بحدّ ذاتها، بسيطة جميلة صادقة مليئة بالحبّ. كذلك أحاول أن أرسم في ديوانيّ المرأة بمساواة الرّجل في أحقيّة التّعبير عمّا يخالجها، وفي الجرأة عينها الّتي يعبّر فيها عن المرأة في قصائده.

نعي الحب

حول ما إذا كانت تنعي الحب في ديوانها الجديد وما إذا بلغنا زمناً لم يعد للحب فيه من مكان، تجيب: «طبعاً لا أنعي الحبّ إذ أنّني لا أعرف له بداية ولا أحبّ أن أكتشف النّهاية. لكن قد يكون النّعي لنوعيّة الحبّ، إذا جاز التّعبير، والّتي يُعايشها الجيل الجديد. باعدت التّكنولوجيا بين النّاس ممّا خلق مساحات واسعة للكذب. الحبّ حاليّاً يعتمد بين كثيرين على ما ينتظره أحد الطّرفَيْن من الآخر وما يريده منه لا على ما يقدّمه هو من ذاته، من هنا اختلّ ميزان الحبّ: العطاء والأخذ».

عندما تتأجّج الأحاسيس في داخلي تتقطّر منّي تعابير لا أراقب توازنها إنّما فعل تسرّبها إلى القلوب

في شعري تحضر المرأة كما خلقها الله جميلة بروحها وأحاسيسها
back to top