«الخلية»!

نشر في 11-09-2017
آخر تحديث 11-09-2017 | 00:00
 مجدي الطيب دأب بعض الأفلام المصرية على اختيار ميدان طلعت حرب، رجل الاقتصاد المصري المعروف، وتمثاله الشهير في قلب الميدان، وسيلة للمقارنة بين دوره الكبير في تحرير الاقتصاد المصري من التبعية الأجنبية، وبين ما آلت إليه الأحوال الاقتصادية في مصر من تردٍ إنتاجي وطغيان ثقافة الاستهلاك. لكن كاميرا فيلم «الخلية»، الذي كتب له السيناريو والحوار صلاح الجهيني عن قصة أخرجها للشاشة طارق العريان، انطلقت من ميدان الزعيم مصطفى كامل، وتمثاله الشهير، لتوحي أن ضابط العمليات الخاصة الرائد «سيف» (أحمد عز)، الذي تقع شقته في الميدان، وتطلّ شرفته على التمثال، هو تجسيد حي للمقولة الخالدة التي نطق بها الزعيم يوماً: «لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً!».

«سيف»، كما اسمه، شجاع كحد السيف، مقاتل صلد، fighter، لكنه يفتقد، حسب توصيف رؤسائه، إلى الثبات الانفعالي، وهو ما يضع الجميع في مواقف حرجة. مات أبوه وأمه في حادث، ويعيش مع رفيق وحدته الكلب «ليو»، الذي ينتمي إلى فصيلة Great Dane أو «الدنواه»، وتسبب، فضلاً عن السيارة الفارهة، والشقق التي يعيش فيها «سيف» ورفيقا دفعته في كلية الشرطة «صابر» (محمد ممدوح) و«عمرو» (أحمد صفوت)، في انتقاد الفيلم، نظراً إلى المستوى الاقتصادي المرتفع، الذي لا يناسب مدخول ضباط الشرطة، رغم أن الوضع كان مبرراً بالنسبة إلى ضابط المباحث «صابر»، الذي تزوج فتاة من عائلة ثرية.

منذ الوهلة الأولى، يُدرك المشاهد أن «عمرو» بملائكيته، ومثاليته، «ابن موت»، وهو ما يحدث فعلاً عندما يستشهد في عملية اقتحام وكر تخص «الخلية»، التي يُشتبه في تورطها بتفجير سيارة النائب العام المستشار هشام بركات، ويُقسم «سيف» أن يقتص له من قائد «الخلية»، الإرهابي «مروان» (الممثل السوري سامر المصري)، كذلك يتولى عناية نجله «علي» مع أمه «نهى» (الممثلة التونسية عائشة بن أحمد)، فيما تتوطّد علاقة الحب بينه و«سلمى» (أمينة خليل) التي تعمل طبيبة نفسانية أو Life Coach في المصطلح العصري.

كعادة المخرج طارق العريان اتسم الفيلم بالإتقان والتشويق، خصوصاً في ما يتعلق بمشاهد الحركة والمطاردات (تصوير مازن المتجول)، فيما بدا التطور الهائل الذي اعترى أسلوب الكاتب صلاح الجهيني، مقارنة بفيلمه الأول «30 فبراير» (2012)، حيث التكثيف الرائع من دون إخلال (التنويه إلى الماضي الملوث لشخصية «شروق» (ريهام عبد الغفور) زوجة الإرهابي، والاهتمام بخلفيات الشخصيات، فضلاً عن طرافة الحوار، وخفة الظل، خصوصاً في المشاهد التي جمعت أحمد عز ومحمد ممدوح من ناحية، وروح السخرية التي جمعت بين «عز» و«أمينة» من ناحية أخرى، والإجابة عن أسئلة كثيرة تشغل الرأي العام، على رأسها: «لماذا لا تحارب هذه التنظيمات إسرائيل؟»، والرد على هذا بأن «ثمة عدواً بعيداً وآخر قريباً»، وأن «الحرب على الطواغيت مقدمة للحرب على إسرائيل»، وهو رد ربما يحقق «غسيل المخ لأتباع الإرهابي»، لكنه قد يبرر، في جانب منه، جرائم الإرهابيين، أو يثير التعاطف معهم!

بالطبع استدرك المؤلف الأمر بحوار آخر بين «مروان» ومساعده «عامر» (أحمد صلاح حسني) حول «مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا»، وحوار على درجة من الأهمية بين الإرهابي و«سيف» عن الإرهاب الذي ليست له هوية، ولا عقيدة، و«غسيل المخ المتبادل». لكن «العريان» أدار التجربة بحنكة، واقتدار، سواء على المستوى الحركي أو قيادة الممثلين، مثلما حدث مع أحمد عز، الذي بدا في أفضل حالاته، من حيث اللياقة البدنية والذهنية، وإجادة فنون القتال، كما طور أداءه كثيراً، والحال نفسها بالنسبة إلى توظيف الممثل السوري سامر المصري، فالاختيار لم يكن مقصوراً على الإمكانات الفسيولوجية للممثل، من صوت ولغة جسد، وإنما تجاوز هذا إلى تنمية طاقاته الانفعالية والحسية والروحية، وهو ما لم يحدث مع محمد ممدوح، الذي بدا غير ملائم للشخصية، من الناحية البدنية والذهنية، وكان مُجهداً ومتهدج الصوت، فيما تغيرت الحال مع ريهام عبد الغفور، التي جسدت شخصية زوجة الإرهابي بمصداقية وإقناع كبيرين.

أخيراً، استهلكت مشاهد «المترو» الجزء الأخير من الفيلم، وتسببت في ترهل الإيقاع (مونتاج أحمد حافظ)، لكن شيئاً من هذا لم يُفسد التجربة، فيمكن القول إن «الخلية» سينضم إلى قائمة أفلام الحركة المهمة في السينما العربية، وسيُصبح طارق العريان خليفة المخرجين الكبيرين سمير سيف ونادر جلال في ما يتعلق بإبداع هذه النوعية من الأفلام.

back to top