عقيلة رياض: أحلم باللوحة قبل رسمها

• المرأة في أعمالي «مصر» وأيقونتي المفضلة

نشر في 10-09-2017
آخر تحديث 10-09-2017 | 00:10
قدمت د. عقيلة رياض في معرضها الأخير» ابنة الشمس» عالماً له رؤية فلسفية خاصة تلامست مع فترات مختلفة في التاريخ المصري القديم، وتداخلت معها عوامل عدة نتاج الدراسة والرؤية والأفكار والقراءات، ودمجت خلالها الفنانة بين القديم والحديث، مع إبراز الشكل الإنساني والبحث عن في جذورنا العميقة. «الجريدة» التقتها على هامش معرضها الأخير وكان هذا الحوار.
استضاف غاليري «النيل» أخيراً معرضك «ابنة الشمس» الذي يحمل دلالة رمزية وتاريخية. كيف جاءت فكرته؟

بحثت كثيراً في الفترة الماضية في تراثنا المصري القديم لأفهم ماذا حدث لمصر أخيراً. من هنا، جاءت فكرة المعرض. لديّ تصور يتمثّل في أن الفرعون كان يسمى ابن الشمس كأحد ألقابه، وفي الحقيقة الفرعون لا يأخذ العرش أو يجلس على الكرسي إلا عندما يكون ابناً من دم ملكي سواء من ناحية الأب أو الأم، من ثم مصر هي ابنة الشمس أولاً أو أخيراً. بالنسبة إلي ابنة الشمس تصوِّر مصر في العصر القديم، التي كانت تملك العالم.

المرأة الرمز

يجسد المعرض حالتين مختلفتين. ما تعليقك؟

فعلاً، ترمز لوحة «ماعت» إلى آلهة العدالة التي تقف على البوابة، وتتحدّث بقية اللوحات عن المرأة المصرية سواء هي مصر أو السيدة الجميلة عبر الأزمنة. أعيش أجواء هذه الحالة من خلال القراءة والمشاهدة، وجسدت المرأة بحالات رومانسية في الثلاثينيات.

يقوم مشروعك الفني على المرأة في التاريخ. هل تعتقدين بضرورة أن تكون لكل مبدع ثيمة معينة يعمل عليها؟

نحن في عصر الحداثة وما بعدها. تقلصت فكرة التشخيص، وحتى في حال حدوثه يأتي بشكل حديث. تقتحم المرأة لوحاتي وتسيطر عليها نتيجة دراسة ووعي. ولكني لا أرسم المرأة بل مصر، وإذا دخل في لوحتي عنصر رجالي فلا بأس. المرأة أيقونتي المفضلة، هي تمثل مصر وتمثلني شخصياً. والتشخيص بصمة بالنسبة إليّ، كوني قدّمت الشخصيات في الثلاثينيات أو السبعينيات أو في المصري القديم، بالملامح نفسها تتحرك في أي مكان، لأن الوجوه الخاصة بي لن تتغير. أولئك أصدقائي الذين أعرفهم، شخصيات تسكن خيالي. فضلاً عن ذلك، لا بد من أن يكون خيال المبدع واسعاً ليعمل على مشروع ما، والفنان إذا لم يثقف نفسه ويتابع في المجال الذي يحبه سيفقد مصداقيته. تعلمت من أساتذتي ضرورة وجود الفكر في الفن، لذا قبل أن أنفذ اللوحه أحلم بها. أنجزت «الفالس» خلال عامين، وفي لوحاتي كافة أرسم مباشرة من دون «اسكتش»، وأفضل المساحات الكبيرة لأني أسعد بها أكثر.

شاركت أخيراً بلوحة «قنال مصر» في معرض «مصر الماضي والحاضر والمستقبل». ماذا قالت إيزيس في لوحتك؟

لوحة «قنال مصر» تسجيل للحظة تاريخية عاشها الوطن، هي لحظة عبور مصر إلى المستقبل. استدعاء الماضي في هذا العمل حلم بأن نستعيد الأمة العظيمة التي أعطت العالم مبادئ الإنسانية والأخلاق والضمير، وتمثل ذلك في صورة إيزيس التي تعبِّر عن الأم مصر وهي تستدعي الابن حورس بما يحمله من رخاء وإنماء وأمل.

التاريخ القديم

يستأثر الشكل الفرعوني بأكبر نصيب في أعمالك. ما الذي يغريك بتقديم هذا النموذج؟

منذ كنت في الجامعة حيث كنا نقوم برحلات إلى محافظتي الأقصر وأسوان سنوياً، بدأ الشكل الفرعوني يستحوذ عليّ. كذلك كان أساتذتنا يهتمون بالتاريخ ويعشقون الفن المصري الفرعوني وجذبونا إلى الأخير من خلال شروحاتهم له. وعندما حان وقت مشروع التخرج فضلت العمل على تلك الثيمة.

كيف تعملين على نقل قراءتك التاريخ بصرياً إلى لوحة فنية؟

أعيش الحالة نفسياً في خيالي. بعد هذه القراءة، أرى ضرورة استخراج جزئيات منها بصرياً، من ثم دخولي إلى الشخصيات يساعدني على السرد البصري.

كونك عاشقة للتاريخ، فهل ترينه يعيد نفسه؟

يؤدي التاريخ دوراً مهماً في حياتي، وأرى أنه يعيد نفسه. لذا لا بد من قراءته كي نتعظ ونرى كيف تسير الحياة. أفضل قراءته جيداً، لا سيما أن كل ما حولنا له علاقة بالتاريخ ليس كفن فحسب، ولكن أيضاً كحوادث.

هل اللوحة التي تقدمينها تعبّر عنك؟

لا أقدِّم عملاً لا يعبِّر عني. أرسم كثيراً ولكن في النهاية إذا لم أشعر بأن هذه اللوحة أو تلك خرجت بإحساسي الذي أريده وفيها العمق المطلوب، ألغيها فوراً حتى إن أشاد بها الجميع. اللوحة ليست رسماً فحسب، بل هي رسم ولون وتعبير بإحساس صادق. لذا تجدين أن عدد أعمالي أقل من المنتظر.

كيف تصفين علاقتك باللوحة واللون اليوم؟

الرسم فعل جميل لا يصلح معه أي أمر آخر. أشعر بأنه قوة تسري في دمي ولا أستطيع أن أحيا من دونها. أحلم باللوحة قبل تقديمها، فتأخذ حيزاً كبيراً من تفكيري، لأنني أريد أن أحقق ما أحلم به من خلال اللون. كذلك أحلم بالعازفات اللاتي أقدمهن.

التصنيفات الفنية والواقع

لا تفضل الفنانة عقيلة راتب التصنيف إلى مدارس واتجاهات، ولكنها ترى أنها تنتمي إلى مدرسة لها دلالات بين الأشياء «الواقعية الحديثة»، وتقول عنها: «هي حرية مطلقة في تصوير اللاواقعي وإعادة تقديمه إلى المتلقي بشكل يبدو واقعياً، وهي حالة تقع بين الملحمة والأسطورة، والأسطورة هي مرحلة ما بعد الملحمة». تتابع: «لدى الفنان القدرة على صنع عالمه الخاص، ولعالمي رؤية فلسفية تلامست مع فترة في التاريخ المصري القديم وتداخلت معهما عوامل عدة نتاج الدراسة والرؤية والأفكار والقراءات، من ثم كان الدمج بين القديم والحديث على السطح مع التركيز على الشكل الإنساني والبحث عن جذورنا العميقة، وكل ما هو دافئ وأصيل».

وعن علاقة الفن بالواقع ترى راتب: «عندما ينبع الفن من المجتمع، يرصد مشاكله وهمومه، يكون مرآته وذا قيمة فعليه. ولكن للأسف نلحظ اتساع المسافة بين المتلقي وبين الفنان، فلا يفهم الأول ما يقدمه الثاني وهنا تكمن المشكلة. لذا لا بد من أن يكون الفن على علاقة وثيقة بالناس بمختلف أطيافهم، فلا نقدم فناً مخصصاً أو للنخبة».

التاريخ يؤدي دوراً مهماً في حياتي

الفنان إذا لم يثقف نفسه يفقد مصداقيته

لوحة «قنال مصر» تسجيل للحظة تاريخية عاشها الوطن
back to top