«حادث.. ولكن»!

نشر في 03-09-2017
آخر تحديث 03-09-2017 | 00:00
 مجدي الطيب اتفق المؤرخون على أن ميلاد صناعة السينما يرجع إلى نهاية تسعينيات القرن التاسع عشر الميلادي (1895 على وجه الدقة)، لكن الخلاف ما زال محتدماً إلى يومنا هذا حول «جنسية الفيلم». ثمة من يرى أن تبعية الفيلم ترجع إلى جنسية الجهة المنتجة، ومنهم من يجزم بشكل قاطع أن جنسية مخرج الفيلم هي الفيصل في القضية الجدلية!

من هذا المنطلق أحدثكم اليوم عن فيلم يثير جدلاً كبيراً منذ بدء عرضه في صالات العرض الباريسية في 5 يوليو الماضي، وفي الصالات الأميركية في 11 أغسطس الجاري، ويُنتظر أن يتكرر الجدل في أعقاب طرحه في الصالات السويدية في 29 سبتمبر المقبل.

الفيلم الذي يحمل عنوان «حادث هيلتون النيل» The Nile Hilton Incident إنتاج مشترك بين السويد والدنمارك وألمانيا بالإضافة إلى فرنسا، ومخرجه/ كاتب السيناريو طارق صالح، مصري الأصل ولد في ستوكهولم عاصمة مملكة السويد، وقضية الفيلم مُغرقة في المحلية المصرية ما دفع البعض إلى وصفه بأنه «فيلم مصري بصبغة أجنبية» أو «فيلم أجنبي بصبغة مصرية»!

في «حادث هيلتون النيل» استثمر المخرج طارق صالح حادث مصرع المطربة اللبنانية الشهيرة سوزان تميم، الذي وقع في 28 يوليو 2008، واتهام رجل أعمال مصري بالتحريض على قتلها، للإيحاء بأن فساد الأجهزة الأمنية، فضلاً عن زواج المال والسلطة إبان حكم «مبارك»، كانا سببين رئيسين في اندلاع ثورة 25 يناير 2011. فرغم أن حادث الاغتيال وقع في دبي، وليس القاهرة، إلا أن المخرج / كاتب السيناريو اختار أن تُقتل المطربة «لالينا» في فندق «هيلتون النيل»، وأن يجعل من الفتاة السودانية «سلوى» (ماري مالك)، التي تعمل خادمة للغرف في الفندق، شاهدة على الجريمة، بينما يعيث رجال الشرطة فساداً، وتتواصل انتهاكاتهم، التي تتجاوز حد الرشاوى، إلى القتل جهاراً ونهاراً. ومن حي عابدين، حيث يقيم الرائد «نور الدين» (فارس فارس)، الذي فقد زوجته في حادث، إلى ميدان التحرير، حيث الفندق الذي شهد الجريمة، ترصد الكاميرا مصر، التي يهنئ رئيسها الشرطة لنجاحها في التوصل إلى مرتكبي الحادث الإرهابي (تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية)، بينما يتعهد أحد رجال أعمالها - «حاتم شفيق» (أحمد سليم) - ببناء مصر المستقبل برؤية معاصرة، فيما يتورط في اغتيال المطربة التي أحبها، ويسعى إلى تهديد الضابط بالعقاب، في حال الزج باسمه في القضية، اعتماداً منه على علاقة الصداقة التي تربطه و«نجل الرئيس»!

لا يكتفي الفيلم بالتلميح إلى رجل الأعمال، الذي اتهم بالفعل في قضية اغتيال المطربة اللبنانية، ومشروعه العقاري، وممارسته رياضة الغولف مع «الوريث»، وإنما يُشير – بطرف خفي – إلى منظم الحفلات اللبناني، الذي كانت تربطه علاقة والمطربة القتيلة، لكن السيناريو قدمه بوصفه «ناجي التونسي» (هشام يعقوبي)، الذي يُبرم الصفقات القذرة مع مجتمع النخبة في مصر، ويُسهل لهم الدعارة مع فتياته، ومن بينهن «جينا» (هانيا عمار)، التي تكشف للرائد «نور الدين» أن القتيلة «لالينا» كانت تحتفظ بصور لها أثناء العلاقة الحميمة ورجل الأعمال، ما يُرجح قتلها، لكن «جينا» تُقتل أيضاً، ومن قبلها تطول عملية التصفية بعض السودانيين المقربين من الشاهدة «سلوى»، التي تنجو بأعجوبة. لكن رجل الأعمال، الذي نجح بعلاقاته، وتقربه من النظام الحاكم، في إغلاق القضية، يسعى إلى تجنيد الرائد «نور الدين» في صفه، أملاً في الحصول على الصور و«النيغاتيف»، ويكون سبباً في ترقيته إلى «مُقدم»!

بعيداً عن الجريمة، التي تجعلنا بصدد فيلم بوليسي على الطريقة الأميركية، يكشف الفيلم تضخم شبكة الفساد بين رجال الشرطة، ولا يقف الأمر عند المقدم «نور الدين»، الذي يصلي ويرتشي، ورفاقه الذين ينكلون بالضحايا، وإنما يزكم الأنوف فساد «كمال» (ياسر علي ماهر) القيادة الكبيرة في الداخلية، كونه يُقاسم رجال السلطة، والأعمال، في المنح والعطايا والرشاوى، ومع اقتراب يوم الاحتجاج الشعبي، يتفاقم غضب الشارع المصري، ويرصد الفيلم هذا الغضب من خلال شخصية طريفة لسائق التاكسي (أحمد خيري)، الذي يجهل أن الراكب معه ضابط شرطة، ويصب لعناته على رجال الداخلية، الذين اعتادوا تلفيق التهم للأبرياء (قضية خالد سعيد)، ويُطالب «نور الدين» بالنزول معه، والمواطنين، يوم الخامس والعشرين من يناير، قبل أن يكشف الراكب هويته!

«حادث هيلتون النيل»، الذي استقبل بحفاوة من الجمهور الأوروبي، كُتب بسذاجة، وصور بعيني مخرج لا يكاد يعرف شيئاً عن الشارع المصري... والثورة في نظره مجرد «شرذمة في ميدان»!

back to top