ماكرون لن يكون مخلّص أوروبا إذا واصل استغلال الشعبوية

نشر في 30-08-2017
آخر تحديث 30-08-2017 | 00:06
لم يتعرض ماكرون بعد لضرر لا يمكن إصلاحه، إذ يحقق اقتصاد منطقة اليورو أداء أفضل في الآونة الأخيرة، ويدعم بعض الاتحادات العمالية إصلاحاته، ولكن بغية قيادة فرنسا على ماكرون أن يبذل جهداً أكبر على الصعيد المحلي بدلاً من أن يسعى إلى تأجيج الخلافات في الخارج.
 الغارديان تخطت موجة الراحة والطمأنينة حدود فرنسا، ففي عالم ترامب وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حمل البروز السريع لهذا السياسي البالغ من العمر 39 سنة العزاء لكل مَن قلقوا حيال وضع الديمقراطية التمثيلية والنظام الليبرالي العالمي. أتذكرون أن أوباما أيّد حملة ماكرون، قائلاً إن «نجاح فرنسا مهم للعالم بأسره»؟

نعم، اقترف ماكرون الأخطاء، إذ تحفل مواقع التواصل الاجتماعي بنكات عن الـ26 ألف يورو التي أنفقها على التبرج منذ انتخابه، فضلاً عن استخدامه فيسبوك لتفادي عملية التحرير الإعلامية التقليدية، ورغم ذلك لا يجعله أي من ذلك مختلفاً عن غيره من سياسيي الجيل الأصغر سناً، وتكمن المشكلة الفعلية في موضع آخر، في حجم الإصلاحات الليبرالية الموالية للسوق التي يود ماكرون إدخالها في بلد قد لا يكون مستعداً لتقبلها.

لا نبالغ إذا اعتقدنا أن مستقبل أوروبا يعتمد على نجاح ماكرون كرئيس يقود التغيير، حيث تبدو فرنسا كمن يعيش على فوهة بركان، فقد بدأ أحد الاتحادات العمالية يتحضر للإضراب وتسيير التظاهرات في الثاني عشر من سبتمبر، ولكن وسط كل هذا توجه ماكرون إلى أوروبا الشرقية، وهناك عرض الحجج التي تدعم تشديد توجيهات «العمال المرسلين»، التي تتيح للشركات إرسال الموظفين للعمل مؤقتاً في دولة أخرى من دول الاتحاد مع مواصلتهم دفع الضرائب والفوائد في بلدهم الأم.

يكمن التحدي الأساسي، الذي يواجهه ماكرون، في الحرص على عدم ظهور إصلاحاته كمحاولة لهدم دولة الرفاهية، بل اعتبارها مسعى لتحديث هذه الدولة بما يتماشى مع النموذج الاسكندنافي، ففي فرنسا ما زالت معدلات عدم المساواة والفقر أدنى مما نراه في بريطانيا وألمانيا، وفي المقابل يعاني هذا البلد منذ عقود البطالة، التي تتأرجح حول الـ10 في المئة وتبلغ راهناً نحو 21% بين مَن تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة.

إن كان هنالك من دروس تستطيع فرنسا أن تستمدها من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فلا ترتبط بالتأكيد بتصنيف عمال أوروبا الشرقية كخطر يهدد الخير العام، لا يكمن علاج الشعبوية الأفضل في تأجيج المخاوف، بل في الأداء الاقتصادي وإصلاح المشاكل المحلية. إذاً على ماكرون مواجهة هذه الصعوبة من دون صب المزيد من الزيت على نار القومية المتأججة.

لا شك أنه محق في تذكّر أن متلازمة «السمكري البولندي» أدت دوراً في رفض الناخبين الفرنسيين مشروع دستور الاتحاد الأوروبي عام 2005، إلا أن إعادة إشعال ذلك الجدال لا يخلو من المخاطر اليوم، إذ يحاول ماكرون تحويل الانتباه عن المآسي الداخلية بإشارته إلى مخاطر خارجية، مع أن العمال المرسلين يمثلون 1% فقط من القوى العاملة في الاتحاد الأوروبي، ولا نعلم كيف ستساهم هذه المناورة في الترويج لطموحه بإعادة إطلاق المشروع الأوروبي إلى جانب أنجيلا ميركل.

لم يتعرض ماكرون بعد لضرر لا يمكن إصلاحه، إذ يحقق اقتصاد منطقة اليورو أداء أفضل في الآونة الأخيرة، ويدعم بعض الاتحادات العمالية إصلاحاته، ولكن بغية قيادة هذه الأمة على ماكرون أن يبذل جهداً أكبر على الصعيد المحلي بدل أن يسعى إلى تأجيج الخلافات في الخارج.

كان أوباما محقاً: تشكّل فرنسا لاعباً أساسياً في أوروبا، وخصوصاً بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كذلك تُعتبر حالة ديمقراطيتها مهمة للعالم بأسره، لكن مقارنات ماكرون المتكررة بنابليون يجب أن تثير قلقه لا أن تعزز غروره، ومن الضروري أن يخوض معاركه في الداخل أولاً قبل أن يحاول تبديل ما تبقى من القارة.

* ناتالي نوغايريد

* «الغارديان»

back to top