مظهر النجوم الأخّاذ... هل يخفي جهل البعض منهم؟

فنّانو الزمن الجميل أتقنوا اللغات وتعالوا على الخلافات

نشر في 28-08-2017
آخر تحديث 28-08-2017 | 00:04
ينفق الفنانون مبالغ طائلة على مظهرهم من ثياب وتبرّج ولياقة بدنية، لا سيما الفنانات اللواتي يتخبطن بين أحدث صيحات الموضة وهوس جراحات التجميل. لكن مع أول حوار إعلامي أو موقف ارتجالي في مناسبة عامة تظهر سقطات البعض وضحل ثقافته، الأمر الذي خلف معارك بينهم البعض من جهة، وعرضهم لانتقاد الجمهور من جهة أخرى.
حول هذه الظاهرة نتوقف.
يرجع الموسيقار والملحن حلمي بكر حالة تردي الثقافة التي تشوب بعض الفنانين إلى «عصر الفوضى» الذي نعيشه، فأصبح الجمهور يتعاطى الفن ولا يستمتع به، ويشاهد الغناء ويقيمه بالعين ولا يتذوقه بالأذن، بحسب توصيفه، مشيراً إلى أن الجمهور هو من صنع فناني هذا العصر وجعل منهم قدوة، ما سينتج عنه جيل جديد مشوه.

ويدعو بكر أجهزة الإعلام إلى توجيه الفنانين إلى التعلّم والتثقيف وصقل موهبتهم بالقراءة والمعرفة، مستشهداً بالفنان محمود شكوكو الذي رغم بساطته وعدم حصوله على شهادة جامعية فإنه كان يتعلّم مع أولاده اللغات ويقرأ الكتب الأدبية، واعتمد على تثقيف نفسه ذاتياً.

ويتّهم بكر الإعلام بأنه يركض وراء نسب المشاهدات التي تعززها مفردات «الابتذال والشتائم»، وتعاطي الفنانين المخدرات، ولا يهمه الفنان المثقف والاستفادة من وعيه.

بدورها ترجع الناقدة ماجدة خيرالله مشكلة ندرة ثقافة الفنانين إلى تدني المستوى الإعلامي قائلة: «يحتاج الإعلام نفسه إلى ثقافة. قديماً، كانت أم كلثوم وكان عبد الحليم حافظ صديقين لكتاب وصحافيين كبار أمثال فكري أباظة ومحمد التابعي ومصطفى أمين».

وتستشهد الناقدة بأم كلثوم ذات الأصول الريفية، التي تعلمت بنفسها وقرأت الشعر وأتقنت لغة أجنبية، والموسيقار محمد عبد الوهاب الذي لقب في زمنه بأبي الارستقراطية رغم أن أصوله من منطقة بولاق الشعبية، مؤكدة أن ذلك ليس تنصلاً من أصل الفنان، لكن ما دامت الظروف جعلته مشهوراً وتحت الأضواء فعليه أن يتسم بقدر من المسؤولية ويطور من نفسه.

وتشير الناقدة إلى أن زمن الصحافة القوية والإعلام الجاد انعكس على الفنانين بصورة إيجابية أيضاً قائلة: «كان على الصحافي قديماً أن يعمل سنوات ويتعلم كي يطلق عليه لقب صحافي. مثلاً، إحسان عبد القدوس، رغم أن والدته فاطمة يوسف صاحبة جريدة «روزاليوسف»، فإنه تعلّم الفنون الصحافية في بداية مشواره الصحافي ولم يعتمد على والدته. أما الآن، فنجد صحافيين وإعلاميين مستشارين فنيين للنجوم يديرون صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي ولا يكترثون إلى ما يقوله الفنان من تصريحات تؤذيه».

تدلل خيرالله على قولها بمذيعات السبعينيات من القرن الماضي (تُعاد إذاعة برامجهن على قناة ماسبيرو زمان التابعة للتلفزيون المصري)، وما تميزن به من «كبرياء وثقافة واحترام»، بحسب وصفها، مشيرة إلى الراقصات سامية جمال ونعيمة عاكف وتحية كاريوكا، وتوضح أنهن رغم أصولهن البسيطة فإن حواراتهن التلفزيونية تعطي انطباعاً بأنهن «هوانم»، لافتة إلى أن كاريوكا أسست مسرحاً باسمها ناقشت فيه قضايا سياسية سجنت على خلفيتها.

ضرورة تثقيف الذات

تستغرب خيرالله من بعض النجوم الذين يتربعون على عرش الغناء والتمثيل وعندما يذهبون إلى محافل دولية لتكريمهم لا يستطيعون نطق كلمة بالإنكليزية، رغم ما لديهم من أموال ومكانة فنية تتيح لهم بذل الجهد في التعلم، وتتابع: «لا بد من أن يعي الفنانون أن ثمة فرقاً بين خفة الدم والارتجال وبين أن يكون مسخاً للآخرين بتصريحات غير مسؤولة، ولا يعني هذا أننا نريد له أن يقرأ كتباً عميقة في الفلسفة، لكن مطلوب توافر الحد الأدنى من الوعي والمعرفة».

تروي خير الله أن «السندريلا سعاد حسني أتت بمدرسين إلى منزلها لتعليمها القراءة والكتابة، واستطاعت أن تصنع لنفسها شخصية فنية مستقلة واعية من خلال التثقيف الذاتي».

تستطرد: «شاهدت بنفسي الفنانة نيللي التي كانت تسكن بالقرب من منزلي حيث كان والدها يأتي لها بمدرسين في اللغات والإتيكيت لتعليمها لدرجة أنها إذا تحدثت الإنكليزية يعتقد الناس أنها من بريطانيا أو أميركا رغم أن أصولها أرمنية».

تؤكد خيرالله أن تثقيف الفنان نفسه يدعم إحساسه بذاته، ويطيل من عمر نجوميته، قائلة: «مهما كبر حجم نجومية الفنان وازداد جمهوره، سيكون من دون ثقافة ووعي مدعاة للسخرية. قديماً اقتصر عدد الصحف على أربع أو خمس، لكن الآن في ظل عشرات المواقع التي تتناقل تصريحات الفنان، لا بد من توخي الحذر».

رأي علم النفس والاجتماع

يحذِّر د. علم النفس والاجتماع جمال فرويز من تصريحات الفنانين وتصرفاتهم التي يصفها بغير المسؤولة لانعكاسها على المجتمع، لا سيما المراهقين والشباب، مؤكداً أن معظم الجمهور يتلقى ثقافته من الفن والإعلام.

ويوضح: «تصريحات الفنانين وطريقتهم العشوائية في التصرّف تنعكسان على المجتمع، والفرق بين الفنانين قديماً وراهناً هو نفسه الفرق بين مصر الحضارة قديماً التي كانت منارة للثقافة ورائدة الفنون وبين مصر اليوم».

يتابع فرويز: «اختلف فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ ولكن لم يتجرأ أحد على الآخر إزاء الجمهور. كذلك كانت للعندليب واقعة شهيرة عندما تأخر صعوده على المسرح بعد أم كلثوم، قال فيها جملة واحدة: «مش عارف الطلوع بعد الست أم كلثوم مقلب ولا شرف»، في حضور رئيس الجمهورية، فاستدعته الشؤون المعنوية في اليوم التالي، واعتذر إلى أم كلثوم، على اعتبار أن ما حدث خطأ كبير يصدر من فنان كبير هو واجهة مصر وقدوة لجمهوره. أما اليوم فنسمع ألفاظاً بذيئة كثيرة يتبادلها الفنانون».

back to top