نجاة فاروق: «مجرد خطوط» يحنّ إلى الزمن الجميل

عالم الأطفال بأحلامهم هو جوهر المشهد في لوحتي

نشر في 22-08-2017
آخر تحديث 22-08-2017 | 00:03
قيم ومعانٍ فلسفية عميقة يحملها معرض «مجرد خطوط»، الذي استضافه مركز «الهناجر» في دار الأوبرا المصرية أخيراً للتشكيلية الدكتورة نجاة فاروق، إذ ترى أن الخطوط الخاصة بكل إنسان تخصه وتحمل مشاعره وانفعالاته الذاتية، وعندما يراها المتلقي ينفذ إلى روح الفنان، فتحكي له أسراره وحكاياته وشغفه في الحياة، كما تعود به إلى طفولته البكر في حالة من «النوستالجيا».
معرضك الأخير «مجرد خطوط»، هل هو احتفاء بالخط أم مجرد خطوط، وما دلالة العنوان؟

الخط أحد أهم عناصري في اللوحة، وعندما أبدأ في الشروع بالرسم تأخذني الخطوط في عالم مثير وغامض، وواضح ومحدد في آن. كذلك تتولّد الحكايات والمحادثات اللانهائية بيني وبين الخطوط، وكلما أضفت خطاً تزيد علاقتي بالعمل، لأن كل خط بالنسبة إلي هو رسالة أو أمل أو حكاية تخرج إليّ قبل المتلقي. ومن خلال الخطوط أكتشف نفسي بماذا أفكر وأحلم. خطوطي علاقات في حالة حب وتناغم تارة، وفي حالة صراع وانقسامات وقلق وأمنيات طوراً. أجدني واضحة من خلال خطوطي اللينة والمنكسرة وحتى المستقيمة، كونها حكاياتي وأسراري التي تخرج من خلال القلم والفرشاة الدقيقة. وهنا، أقصد بالعنوان «مجرد خطوط» الخطوط الخاصة بكل إنسان وليس الفنان فحسب، تحمل عنه مشاعره وانفعالاته الذاتية، عندما يراها المتلقي في لوحات ينفذ إلى روح الفنان، وتحكي له أسراره وحكاياته وشغفه في الحياة. تظهر الخطوط لدي سهلة ومحددة وواضحة، ولا أعلم كيف تشكّلت في داخلي، وتكونت في علاقات وإيقاعات، فهي تخصّ روحي مثل بصمة اليد التي تجعل الإنسان مميزاً عن الآخر وليس أفضل. كذلك تحمل الخطوط بعض المبالغات والتحويرات التعبيرية، ويخضع الخط عندي للانفعال الذاتي، فهو يمتدّ وينكسر بصورة طائشة أو تائهة، هادئة أو مرحة، حالمة أو غاضبة، أحياناً.

حنين

في المعرض استدعاء للطفولة وذكرياتها، نوستالجيا ربما لزمن مضى، فما تعليقك؟

نعم يحنّ المعرض إلى الزمن الجميل، ويظهر ذلك أيضاً في معارضي الثلاثة السابقة. الطفولة عالم فريد وصادق وحالم، يحمل أبطاله الدفء والحب والمرح واللعب، والطفولة «بئر لا يجف». أنا الفتاة الهادئة الجالسة دائماً، لا ألعب ولا أتحدث كثيراً هكذا كنت، لذلك ألعب من خلال لوحاتي بعناصري الجميلة، الطائر، الدراجة الهوائية، والطائرة الورقية، والبالون. كذلك عرائس الماريونيت والقفاز والورق، يغلب عليها مضمون خفي غامض وحديث صامت تترجمه العناصر الأخرى المساعدة للشخوص. والطفولة عموماً، عالم يتحرك من دون حسابات وقواعد، والأولوية هنا للعب والأحلام مفتوحة، والحياة كلها تفاؤل وأمل مع البداية الجميلة والناعمة.

هل ثمة أولوية لأحد مكونات اللوحة على الآخر لديك سواء من ناحية الموضوع، أو الشكل، أو المادة، أو اللون، أم ثمة طريقة واحدة تتعاملين فيها مع هذه المكونات؟

العمل الفني مجموعة متكاملة من هذه العناصر كافة. موضوعه مهم، ولكن كيف نعبِّر عنه؟ يجب أن تكون أدواتي مناسبة، بمعنى أن أرسم على التول والورق بألوان الأكريليك والأقلام، وأحياناً ألوان زيت. مثلاً، قد أستخدم الخطوط لتأكيد بعض التفاصيل وتحقيق الإحساس. كذلك كان للون تأثير كبير في معرضي «مجرد خطوط»، وهنا أقصد التعبير عن السعادة والأمل وألوان الأطفال الصريحة الأحمر والأصفر والبرتقالي والأخضر، كما هي من دون أي تدخّل بإضافة ألوان أخرى، لذا أتبع منطق الطفل في التلوين باعتباره لا يضيف ألواناً إلى بعضها بعضاً لاكتشاف ألوان أخرى، بل يحب الألوان الصريحة والمباشرة والبراقة.

تشكيل وتناغم

انتشرت في الفترة الأخيرة معارض ومشاركات للفنانات التشكيليات بصورة كبيرة. كيف تقيمين هذه الظاهرة؟

أجدها ظاهرة إيجابية في ممارسة الفن التشكيلي وتذوقه. ولكنّ كثيرين، للأسف، لا يتذوقون هذا المجال، ولا يزورون المعارض التشكيلية، ويتعاملون مع اللوحات من منطلق تجميل المكان فحسب، وهم يجهلون أن الفن التشكيلي جزء من العملية الإبداعية كديكور الأفلام والمسرح، وتصاميم الملابس والحلي وغيرها. كذلك يعتبره البعض فناً غير مفهوم على عكس الكتابة والمسرح والموسيقى والغناء والتمثيل، فربما يتفق الجميع على حب أم كلثوم وعبدالوهاب وسعاد حسني، فيما كثيرون لا يعرفون مثلاً محمود سعيد أو محمود مختار، وغيرهما.

من أين ينطلق أو ينفجر هاجس الإبداع لديك؟

عالم الأطفال بأحلامهم البريئة والساذجة وألعابهم مفتوح دائماً، وهو جوهر المشهد في لوحتي.

علاقة الاتصال بين المبدع والمتلقي تحكمها شروط وضروريات، فكيف تنظرين إلى علاقة المتلقي بأعمالك؟

الفن التشكيلي بالنسبة إليّ هو التعبير عن المشاعر والانفعالات الذاتية، وتتحقّق سعادة التشكيلي عند ممارسة الفن عندما تكون المشاعر حقيقية وصادقة فتصل إلى المتلقي الحقيقي. في معرضي في شهر مايو الفائت دخلت أم وأطفالها القاعة وهم لا يعرفون من هي الفنانة، ووجدتهم يستمتعون بالألوان والموضوعات المتناولة في اللوحات.

طائرة ورق

تعود الفنانة نجاة فاروق إلى الماضي دوماً، فما الذي يشغلها راهناً؟ تقول في هذا المجال: «تشغلني دراسة التراث، والفن المصري القديم، ورصد حالات الحزن والفرح والنصر بعمق. كذلك المرأة تأخذ نصيباً كبيراً في جداريات عدة مثل العازفات، والمرأة الحاكمة والمحبة، والأم. بدوره، يظلّ عالم الطفولة مفتوحاً في أشكالي ومفرداتي الدائمة من الدمية والطائرة الورقية إلى البالون والدولاب بصياغات جديدة».

وعن طقوس عملها تقول: «لا أوقات محددة لديّ في ممارسة الفن التشكيلي، وأعتبره هواية لدي وعالمي الخاص المثير الذي أدخل إليه في أوقات أسرقها. ويحرضني الواقع عندما يأتي أبطالي، وأذهب بهم حيث أشاء إلى البحر أو السماء، نلعب سوياً مع النجوم وسط تراكم بصري للمفردات».

الخطوط في لوحاتي طائشة وتائهة ومرحة وحالمة وغاضبة
back to top