الفنانة الفلسطينية وفاء النشاشيبي: المشهد التشكيلي في الكويت مزدهر ويثري الفن العربي

نشر في 19-07-2017
آخر تحديث 19-07-2017 | 00:03
خاضت الفنانة الفلسطينية وفاء النشاشيبي بمعرضها الجديد «نقطة نور»، في دار الأوبرا المصرية، تجربة تفاعلية جديدة مع الزائرين تمثّلت في دعوتهم إلى الرسم على جدران العرض في القاعة، مما أضفى جواً مختلفاً، ربما تواءم بشكل أو بآخر مع فلسفة المعرض وشخصية الفنانة الطامحة دائماً إلى البحث والتجريب وإطلاق الخيال من دون حسابات. حول المعرض وتجربتها التقتها «الجريدة» وكان هذا الحوار.
استضافت قاعة الباب في دار الأوبرا أخيراً معرضك «نقطة نور». ماذا عنه؟

شكّل هذا المعرض بالنسبة إليّ تحدياً وتجربة جديدة، لأني أعمل دائماً بألوان زيتية وبطريقة مختلفة، أتحدث عن مجموعات الناس معاً وأرسمها من دون ملامح. ولكن حاولت هنا وضع ألوان كثيرة لأقول إن ثمة ألواناً نارية وموضوعاً مهماً يستحق النظر، وعندما فكرت في المعرض تساءلت: لماذا لا أعمل باللونين الأبيض والأسود، خصوصاً أنني لم أرسم بهما سابقاً، كذلك استخدمت خامة الأكريليك بدل الزيت. ومن هنا كانت التجربة جديدة ولا أعرف نتائجها، وكان التحدي: هل ستنجح التجربة أم لا؟

رسمت كمية من الأبيض والأسود بحرية ثم وجدت نفسي أسير باتجاه التجريد، لأن الإنسان لم يعد له شكل أو خطوط عريضة وأصبح شيئاً هائماً. بدأ الموضوع يدخل في إحساسي وفكرتي الأساسية، وقرأت عن سيكولوجية الألوان وعشقت اللون الأصفر الذي أعتقد أنه مظلوم، ووجدت فيه تفاؤلاً وتحدياً وحباً، أحببت فكرة أن النور الذي أريد رؤيته يتحقّق من خلاله.

يحمل معرضك «نقطة نور» دلالات فلسفية عدة. ما تعليقك؟

«نقطة نور» امتداد لفكرتي الخاصة بالتعاطف نحو الإنسان الذي يعاني الظلم، بغض النظر عن انتماءاته أو ثقافته. جاء اللون بديلاً للكلمة، وصريحاً كصوت عال ليعبر عمن لا صوت لهم. إذاً، هي تجربة فنية متأثرة بالوضع العام في العالم حيث التناقض الحاد بين الخير والشر، والنور والظلمة، والحرب والسلام... ومع ذلك رأيت أن ثمة دائماً «نقطة نور».

ضمّ المعرض جزءاً تفاعلياً خاض خلاله الجمهور الرسم على الحائط. ما الذي دعاك إلى ذلك؟

ضمّ المعرض ثلاث تجارب: الأولى خاصة بطريقة العرض، فأنا لا أحب الطريقة التقليدية وكنت أريد ألا تزدحم القاعة بالأعمال. رسمت لوحات بطريقة أفقية ولكن عند تعليقها شعرت بأن الشكل العمودي أفضل فلجأت إليه. كذلك جعلت منطقة مزدحمة بالمعرض تبدو كأنها سور الأزبكية، وبدلاً من أن يقلب المتلقي في الكتب والملصقات والصحف، يقلب في اللوحات بمختلف أحجامها على الأرض، بل وينسق بينها وكأنه يوفق قطعاً مع بعضها البعض.

أما التجربة الثالثة فتمثلت في تجهيز رف في أحد الأركان يضمّ ثلاثة ألوان (أبيض وأسود وأصفر) مع الفرشاة، لمن يريد أن يكتب أو يرسم أو يوقع على جزء من الحائط، وكانت المفاجأة إقبال الزائرين على التجربة والرسم بحرية. حتى أنني أنزلت بعض اللوحات من على الجدار كي أزيد المساحة، ووجدت تفاعلاً كبيراً، خصوصاً من الأطفال الذين تعاملوا بحرية تامة مع الرسم، لا سيما أن كثيرين منهم لم يمسكوا الفرشاة سابقاً... إلخ.

تميل أعمالك إلى التجريدية التعبيرية، فما الذي يغريك بهذا الاتجاه؟

لا أذهب إلى المدارس التأثيرية، وأخشى الدخول إلى التجريدية البحت، فيما أشعر بأن المدرسة التعبيرية تعبِّر عني، حيث كل لوحة تتضمّن قصصاً وأفكاراً مررت بها. كذلك أستخدم التجريد لأني لا أريد إظهار واقع أو ملامح للأشخاص، بل يبقى التأويل مفتوحاً لأي إنسان على الأرض.

الخيال

ما الفرق بين معرضك الأخير «نقطة نور» وتجاربك السابقة؟

ازدادت الخبرة وتبلورت. كذلك أردت أن أقول للفنانين الأكاديميين إنني موجودة رغم كوني لست أكاديمية وأستطيع إبداع لوحات بتقنية معينة كي أقدم معرضاً ناجحاً، وفي التجربة الأخيرة كنت متحررة جداً، خصوصاً بعدما وثقت من أدواتي وقدرتي على العمل.

سبق معرضك الأخير معرض بعنوان «الخيال» في غاليري الكحيلة قبل أسابيع عدة. ماذا عنه ولماذا التقارب بين المعرضين؟

عرضت في غاليري الكحيلة عدداً قليلاً من اللوحات بخامة الأكريليك بالألوان، وكان المعرض يمثّل حلقة وصل بين أعمالي القديمة والحديثة، وتضمن شخوصاً ووجوهاً أكثر. أما التقارب بين المعرضين فلم يكن مقصوداً، إذ آخر معرض فردي قدّمته كان منذ أربع سنوات بعنوان «من أنا»، بعده رسمت كثيراً ولكني شاركت في معارض جماعية وهي تستغرق وقتاً ومجهوداً لأني أحرص على عرض أعمال جديدة. من ثم، تكدّست لدي اللوحات لأني أرسم كثيراً وطلب مني القيمون على غاليري الكحيلة معرض «الخيال» فوافقت، ولم يكن لدي تأكيد بموعد العرض في قاعة الباب كوني حجزت لـ«نقطة نور» منذ عامين.

للمرأة حضور قوي في أعمالك، فهل هذا انحياز أنثوي؟

لا أعتقد أنه انحياز. المرأة بالفلسفة العامة تمثّل الأرض والخصوبة، ولكن في لوحاتي لا فرق بين المرأة والرجل. ربما أرسم في معارضي المقبلة رجلا.

الكويت وجدلية الإنسان

أقمت وعملت وقدمت معرضاً في الكويت. أخبرينا عنه وعن رؤيتك للحركة التشكيلية الكويتية.

أقمت في هذا البلد 35 عاماً. أنا مواليد الكويت، تعلمت في مدارسها وتزوجت وأنجبت فيها أبنائي وعملت أيضاً فيها، إلى أن قصدت مصر وأقيم بها منذ بداية التسعينيات. بعد نجاح معرض «جدلية الإنسان والأرض» مع الفنانة رانيا الحكيم في متحف محمود مختار، قررنا أن نعرضه خارج مصر، ومشكور المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب أنه قرر استضافتنا في قاعة في ضاحية عبد الله السالم، حيث عملنا بحريتنا وأعدنا صياغة وتوزيع الأعمال بطريقة تشكل منظراً يبدو كأننا ندخل إلى قرية مليئة بالبيوت. حقق المعرض نجاحاً كبيراً، ودعمنا المجلس بالإعلام والمدعويين واقتناء أعمال.

أما عن المشهد التشكيلي الكويتي، فهو مزدهر وألاحظ ذلك من خلال صديقات تشكيليـــات لي في الكويت يعملن بجديــــة، لا سيما أن الحكومة تدعم هذا الفن والمرسم الحر يقوم بدور فاعل في هذا المجال، فضلاً عن أن الكويت تشهد افتتاح قاعات جديدة، ما يعني أن ثمة حركة نشطة فنياً، ولم يعد الاعتماد على التراث والبيئة فحسب، بل دخل مجالات أخرى مع انفتاح الفنانين على ورش العمل والعرض في الخارج.

لماذا جاءت تجربتك الفنية متأخرة؟

عندما كنت في الكويت كنت عملت في مجال بعيد عن الفن، فضلاً عن انشغالي بمسؤوليتي الأسرية، ولكن عندما قصدت مصر وجدت لدي وقتاً فتسجلت في دورات للرسم على الحرير والباستيل والفحم والجواهر والشمع، وأصبح لدي مخزون في هذا المجال، ومع ممارستي الفن وجدت ضالتي. الفن يصنع لي تأملاً فكرياً توافق مع شخصيتي، وما زالت لدي رغبة في تعلم المزيد في هذا المجال، خصوصاً النحت على الخشب والخزف.

لوحة تتمنى رسمها

اللوحة التي يظهر فيها رجل عجوز يحمل القدس على ظهره... هذه هي اللوحة التي تمنت الفنانة وفاء النشاشيبي رسمها وتقول: «عندما نقول فلسطين أذهب إلى هذه اللوحة، وأرى أن الفن عبارة عن ذوق وإحساس، وفي كل مكان يذهب إليه الإنسان يرى أشكالاً مختلفة من الجمال يختزن ذلك في اللاوعي، خصوصاً عندما يرى تقنية مختلفة. أصبح الإبداع متنوعاً، ولا أستطيع نسيان لوحة كبيرة رأيتها في صالون الخريف في فرنسا منذ عامين توقفت أمامها كثيراً ذهاباً وعودة من دون فهمها، وعندما لاحظت الفنانة حيرتي أخبرتني بقصة اللوحة وقالت إنها كانت ترقص في الماضي، ولكنها لم تعُد تستطيع حالياً فأحضرت فتاة ترقص أمامها ورسمتها بإحساس الفتاة ذاتها. إذاً، اللوحة تعكس إحساساً بالحركة فحسب، وليس فيها أي شكل بل خطوط سوداء. هنا تظهر المستويات المختلفة في التعبير، وهذه الرؤية توسع مدارك الفنان».

معرض «نقطة نور» السلام بديل عن الحرب والحياة بلا خوف

الإنسان لم يعد له شكل أو خطوط عريضة وأصبح شيئاً هائماً على اللوحة
back to top