الشاعرة اللبنانية سمية تكجي: الكتابة عندي خيار للحياة أكثر مما هي خيار فنيّ

نشر في 17-07-2017
آخر تحديث 17-07-2017 | 00:02
تقتنص الشاعرة اللبنانية سمية تكجي لحظات هاربة من كل زمان ومكان، لتمارس شغفها بالكتابة، وهي وإن كانت تؤطر عباراتها برومانسية وحب وجمال، فإن الواقع يرمي بظلاله عليها، فتعبر عنه بكوميديا سوداء، من دون أن تسمح له بالسيطرة الكلية على نتاجها الأدبي والشعري، تاركةً للحلم المساحة الأكبر.
بعد ديوانها «مرايا البوح»، تنكب سمية تكجي على كتابة مطالعات حول الأجناس الأدبيّة، لا سيما الحديثة من بينها: الهايكو والقصّة القصيرة جدّا، وتحضّر لديوان جديد، وتكتب قصّة قصيرة.
نتاج سمية تكجي الأدبي دائم الاحتفال بالحياة، دائم الحركة والمواكبة لكل جديد سواء من ناحية الشكل أو المضمون، كيف لا وهي ناشطة على الساحة الثقافية من خلال ترؤسها اللجنة الثقافية في المركز الثقافي اللبناني –العربي، ومشاركتها في ندوات وأمسيات شعرية وتكريم شعراء وأدباء...
سمية تكجي الأديبة والمرأة ترسم في كتاباتها صورة المرأة الفاعلة والمنتجة والأم والحبيبة، باختصار صورة المرأة الشاملة التي فرضت حضورها في ميادين الحياة كافة ولو أنكر بعض المجتمعات صورتها هذه وحاول طمسها...
ما الذي يحرّك قلمك ويدفعك إلى كتابة الشعر؟

كل من يتسربل بالحبر ويكتب، فهو يفعل ذلك إمّا لأن لديه حالة ظمأ أو حالة فيض، وأنا بين الحين والآخر أمرّ بهاتين الحالتين. أحياناً، أكتب لأنزف من أحمالي، وأحياناً أخرى كي أكتمل، فالشعر هو علاقتي مع الحياة أي أنّ الكتابة عندي هي خيار للحياة أكثر مما هي خيار فنيّ.

ديوانك «مرايا البوح»، هل هو بوح للذات أمام الذات؟

المرايا هي التي تعكس لنا الأضواء وتدلّنا أنّ ثمّة ظلالاً، والكتاب هو دائماً مرآة تتجوّل في الأمكنة، تعكس ما تراه حيناً وإمّا تشكّله بملامح أفضل حيناً آخر. طبعاً أنا أحدّق في مرآتي وأبوح، فالمرآة، برأيي، تعرّي الروح وتعكس ألوانها أكثر ممّا تعكس ألوان ثيابنا.

تكتبين عن قضايا الإنسان في هذا العصر وفي كل عصر، فهل الشعر، بالنسبة إليك، مساحة تعبير عن واقع  فحسب أم محاولة لتخطي هذا الواقع بوضع اليد على الجرح؟

الشعر عندي تجوال، ومرايا ديواني تارة أغسلها بماء الحلم وتارة أخرى بدموع الواقع، فإذا ما لامست روح المتلقّي وتركت أثراً، سيكون هذا الأثر هو التخطّي للواقع الذي تتكلّمين عنه، لأنّه حتما سيحدث تغييراً ما في النفس، وكل شاعر يطمح أن يحسّن الواقع بسلاح الجمال والكلمة. كتبت الكثير من القصائد التي تصبّ في شجون قضايانا المشتركة وذاكرتنا الجمعيّة، فلسطين، الحرب، الأسرى، الفقر وأمور أخرى...

كوميديا سوداء

تكتبين كوميديا سوداء، فأين هي من شعرك؟

في مجتمعنا اعتدنا أن نقول: «شرّ البليّة ما يضحك»، ربّما تختصر هذه العبارة الكوميديا السوداء، هذا المضحك المبكي الذي يتناول القضايا والمعاش اليومي بسخرية لاذعة تضحكنا قليلاً لكنّها تدعونا أكثر إلى التّامّل والبكاء. كتبت الكوميديا السوداء ونشرت الكثير منها عندما كنت منخرطة أكثر في الحقل السياسي، فالسياسة تربة خصيبة للكوميديا السوداء، الآن أكتبها بشكل أقلّ لأنّني تفرّغت لاهتمامات أخرى. آخر كوميديا كتبتها عنوانها «الصائمون الجدد» نشرتها في «موقع شطرنج».

أنت متعددة الاهتمامات من سياسية واجتماعية، فهل تتداخل كلها في كتابتك سواء الشعر أو غيره، أم تضعينها جانباً عندما تكتبين وترسمين عالماً آخر؟

لا شكّ في أنّ كلّ ما يعيشه أيّ شاعر أو كاتب سيتجلّى في حبره. بالنسبة إلي، عندما أكتب أظلّ على تماس مع الواقع، ولا أقطع الخيط مع ما أعيشه، لكنّني أحاول أن أخفّف من الضجيج الذي يكون بلا طائل.

تبدو اللغة في كتاباتك مطواعة تعبر عن أحلامك وآمالك وآلامك بحرية من دون تقيّد بمدرسة شعرية محددة، فهل هي مرآة لشخصيتك التائقة إلى الجمال والحب أينما وجدا؟

نعم أنا أكتب الشعر الحرّ ففي لغتنا العربيّة متّسع لأنفاس الحبر الذي يعبّر عن نفسه من دون قيد أو شرط إلاّ التلبّس بالجمال واقتراف الشاعريّة. أنا متصالحة مع القديم أقرأه وأحبّه ولكنّني لست في دائرة سلطته. الشعر اللصيق بلغتنا العربيّة  بإمكانه أن يكون حرّاً وفي الوقت نفسه غنيّا، متوتّراً، دافقاً، ومهتمّاً بالتفاصيل كافة.

إيقاع موسيقي

بعض قصائدك ملحنة ومغنّاة، فهل تقصدين أن تكتبي قصائد لتغنى، أم أن نظمها على إيقاع موسيقي داخلي نابع من الروح يجعل من السهل تلحينها؟

لم أقصد أبداً أن أكتب كي تلحّن كلماتي أو تغنّى، ولكن إن حصل وصادف ذلك فإنّه سيسعدني جدّاً، فهذا بعد جديد في شعري أنا نفسي لم أنتبه له، لا علم لي بأنّ بعض قصائدي ملحّنة، ثمة قصيدتان صغيرتان انتقاهما الملحّن العراقي مهدي الوزني لحّنهما وغنّاهما بصوته، كذلك اختير ديواني ليبث على أثير إذاعة لبنان بصوت وحيد جلال مع مرافقة موسيقيّة وذلك ضمن برنامج «غزل».

كيف تقيّمين الحركة الشعرية في لبنان اليوم، في ظل الأمسيات الشعرية المزدهرة في معظم المناطق اللبنانية وإصدار دواوين شعرية؟

انتشار الأمسيات الشعريّة دليل عافية كانتشار النحل في الحقول، بشرط أن ننعم بطبق من العسل على موائد الشعر. لهذه الوفرة والكثرة أوجه وأبعاد منها الإيجابي ومنها السلبي. على صعيد لبنان مثلاً يكفي أنّها تجمع من فرّقتهم السياسة والأديان حول الجمال والكلمة الطيّبة. على المنتديات أن تتكامل لإعلاء النشيد من أجل الثقافة وليس أن تتعارض لأجل إعلاء الأنا، وبين الغث والثمين سيكون الزمن هو أعدل القضاة.

تتولين منصب رئيسة اللجنة الثقافية في المركز الثقافي اللبناني –العربي، كيف تأسست هذه اللجنة وما أبرز أهدافها؟

اللجنة الثقافيّة في المركز الثقافي اللبناني العربي موجودة أصلا وكان يتمّ تنظيم الندوات الأدبيّة والاقتصاديّة من حين إلى آخر، وحصل أنني أحببت أن أبثّ فيها روحاً إضافيّة عبر إحياء مجالس الشعر مرّة شهريّاً، أتولّى فيها إدارة الأمسيات وتقديم مطالعات عن الضيوف الشعراء ونتاجهم. الأهداف من هذه اللجنة أعتقد أنّي ذكرت بعض جوانبها في الأجوبة السابقة، وهو لمّ ذات البين الذي سبّبته الخلافات السياسيّة.

طبعا هذه اللجنة تتوخّى المساهمة والحضور في الساحة الشعريّة وليست ثقافة من أجل الثّقافة، بل رسالة خلق وإبداع تعطي معنى للحياة وللإنسان الذي ينظر إلى ذاته وعلاقته بالآخرين.

صور العظيمة

صور المدينة التي صدّرت أعظم الحضارات إلى العالم، إلى أي مدى هي حاضرة في كتابات سمية تكجي؟ تقول في هذا الشأن: «أنا لست ابنة صور في سجلّ القيد ولكن بالشعر والهوى نعم، فالمدن العظيمة تحتلّ القلوب سواء في بلدانها وأبعد بكثير من حدود بلدانها، ولقد نظمت الكثير من القصائد في حبّ هذه المدينة فهي البطلة على مرّ العصور وستظلّ كذلك في ذاكرة الحبر».

ومهرجانات صور هي الوحيدة في لبنان التي درجت منذ انطلاقتها على تخصيص إحدى أمسياتها للشعر، يشارك فيها شعراء من لبنان والعالم العربي، فأية رسالة توجهها المهرجنات إلى العالم من خلال هذه الأمسيات؟ تذكر: «حضرت كثيراً من هذه الأمسيات وساهمت في تنظيمها، وهي ملتقى للـتّبادل الثقافي والحضاري والتّلاقح الفكري، فضلاً عن أنها تفتح الحدود الثّقافيّة وتعلي شأن الإنسان، وليس غريباً على مدينة صور هذه الأعراس الثقافيّة فهي حاضرة دائماً في قلب المشهد الثقافي».

كل شاعر يطمح أن يحسّن الواقع بسلاح الجمال والكلمة

في لغتنا العربيّة متّسع لأنفاس الحبر الذي يعبّر عن نفسه من دون قيد أو شرط
back to top