قاسم حداد: طرفة بن العبد قريني الثقافي والإنساني

دشن أولى ليالي ملتقى «أمسيات» بمصاحبة موسيقى أحمد الراشد

نشر في 12-07-2017
آخر تحديث 12-07-2017 | 00:04
اعتبر الشاعر البحريني قاسم حداد في الأمسية الشعرية الأولى لملتقى "أمسيات الثقافي"، أن الشاعر طرفة بن العبد قرينه الثقافي والفني والإنساني، لأنه عشقه منذ الصغر.
حلَّ الشاعر البحريني قاسم حداد ضيفا على جمهور ملتقى "أمسيات الثقافي"، وأقيمت الأمسية في "ميوز لاونغ" بمجمع سيفوني، تحت عنوان "طرفة بن الوردة".

قدم الأمسية الشاعر مسفر الدوسري، ورافقتها معزوفات موسيقية قدَّمها العازف أحمد الراشد، إضافة إلى معرض فني تشكيلي من أعمال طفول حداد.

وبدأت الأمسية بكلمة للمسؤولة الإعلامية للملتقى في "ميوز لاونغ" خديجة الشمري، قالت فيها إنه "تم الحرص على البدء بشكل يتوج بالجمال، وهو ما دفع أعضاء الملتقى للتفكير في إطلالة مختلفة ومغايرة، لذا كان علينا أن نختار ما هو مختلف ومتفرد. إذاً، فلا خيار أجمل من أن يكون قاسم حداد بيننا، فهو شاعر يحيي لنا غيوما في سماء طرفة بن الوردة".

مكان الحب الآمن

بدوره، قدم الشاعر مسفر الدوسري كلمة تعريفية بالضيف، أشار خلالها إلى أنه اليوم يقدم الشعر للشاعر، مضيفا: "مُربك ما أنا فيه، مربك حد الاصطدام بزجاج نافذة اليأس برأس عار، فكيف لأفق يضيق أن يعرف المدى المتسع؟ وكيف أن أقدم من قدم لنا على جمر من الكلمات فأنضجتنا؟!".

وأضاف: "لم نعرف مكانا آمنا للحب، حتى اتانا هذا القاسم حافي القدم يمشي بصوفية عاشق لا تشبه صوفية العشاق الآخرين الذين لا يرون طريقا للاتحاد بحبهم سوى الموت".

وعقب ذلك، قرأ حداد مجموعة من قصائده على أنغام العود، غمرتها المشاعر والرؤى، وتميزت نصوصه بالتكثيف والإيحاء، ومن القصائد التي قرأها: "زهرة العنفوان"، "نظام الكلام"، "نهاية الأرب"، و"ما البحرين" ومن أجوائها:

سألته: وما البحرين؟ قال: "إذا كنت تقصد البحرين عندنا، فهي التي إن بدأت في رأس عُمان، فلن تنتهي عند نهر البصرة، وان كل ما بينهما فضاء مزيج بين الوقت والمكان. وسوف يشمل أقاليم ساحل البحر وداخل الجبل. ويطال هجر والاحساء جميعها. غير أن هذا كله لم يكن ليعني شيئا عندما نهمُّ نزوحا عن مكان أو نسعى رحيلا إلى مكان. فالبحرين عندنا هي الآفاق التي تستعصي على التخوم وتفوق الوصف".

مواهب حقيقية

ثم تحدث الشاعر قاسم حداد، وقال: "المواهب الحقيقية هي التي تتميز بالمعرفة، هي الطريقة لاكتشاف الآفاق المفتوحة أمام الشعر العربي، فهناك آفاق رحبة ممكن للشعر العربي أن يذهب لها بواسطة مواهب حقيقية متوافرة في كل المشهد العربي".

وردا على سؤال من أين يستمد قوته الشعرية؟ قال حداد: "من اللغة العربية، فكلما أحسن الشاعر وعي اللغة وجمالياتها وغناءها وثراءها، فإنه يستطيع أن يكتب شيئا جميلا".

وعن سؤال: أين وصل الشعر العربي الحديث؟، أجاب: "أنا أتكلم عن الشعر ككل، لا أميز، فالشعر في المطلق هو شعر حديث. ما نتحدث عنه هو الشعر بالمعنى والرؤية واللغة".

وعن مقولة له في إحدى المناسبات، إن "الشعر لا يبدو جميلا إن لم يكن غامضا"، أشار إلى أن "الغموض أحد عناصر جمال الشعر، ولا يقتصر عليه فقط، بل كل فنون التعبير؛ الأدبية والفنية والموسيقية، لابد أن تكون فيها درجة من الغموض، وهو شيء جميل، لأنه عندما تكتب أدبا أو فنا أو شعرا، فأنت تكتب عواطف، ولا تكتب أفكارا، فالعواطف يصعب تفسيرها، وحلها".

وعن سر اختياره طرفة بن العبد، قال: "أحببت هذا الشاعر وأنا صغير في بداية المرحلة الابتدائية، وأعجبت به وبتجربته الاجتماعية والشعرية والفلسفية، وموقفه من القبيلة، وتجربته الروحية، وشعرت بأنه قريني الثقافي والفني والإنساني".

فان غوخ

وعقب القراءات الشعرية، فتح باب النقاش، وسأله الأديب إسماعيل الفهد عن تجربته مع فان غوخ، فقال حداد: "غوخ تجربة منذ بداية الثمانينيات ونهاية السبعينيات، وفي الستينيات أول ما تعرفت عليه في مجلة الهلال المصرية، فكان رئيس التحرير يعمل محلقا خاصا في كل عدد عن فنان تشكيلي عالمي، ووقعت على أحد الأعداد، فكان عن غوخ، وفي الثمانينيات أعدت قراءته واكتشافه، وشعرت بأن لغوخ تجربة غير عادية إنسانيا، أولا هو بدأ الرسم بعد الثلاثين، ومات في عمر 37 سنة، وكل منجزاته الفنية ولوحاته كانت في 7 سنوات".

وأضاف: "كان غوخ مشهورا برسائله التي ترجمت في السنوات الأخيرة كاملة، ويعتبرها النقاد من أهم الرسائل التي تعبِّر عن تجربة إنسانية وثقافية عميقة".

وتابع حداد: "الفنان غوخ بدأ حياته كمبشر ديني، ونزل إلى مناجم الفحم مع العمال تحت الأرض، وهذه مرحلة تقاطعت مع تجربتي في الحياة".

تجارب مشتركة

وأشار حداد إلى أنه قبل أن يبدأ في الكتابة، دفعه غوخ إلى قراءة المشهد السياسي والثقافي في أوروبا، واكتشف ثورات الربيع الأوروبي، لافتا إلى أن تجربته في نص "أيها الفحم يا سيدي" بمثابة تحية شعرية لفنان تشكيلي.

وأضاف أن لديه تجارب أخرى مع فنانين تشكيليين كثيرين، وحقق أعمالا فنية ونصوصا أدبية يعتز بها، وربما هذا الذي دفعه حتى يعمل نصا مشتركا مع غوخ.

وعلَّق حداد: "هناك مفارقة زمنية بين طرفة بن الوردة، ومجنون ليلى، وفان غوخ، وهذا يعبِّر عن موقفي ورؤيتي للفنون الإبداعية، انها خارج الزمن والوقت والمكان والتاريخ. وفي الحقيقة كل التجارب التي شاركت فيها مع فنانين آخرين أغنتني وعلمتني أشياء كثيرة، وإسماعيل الفهد من التجارب المشتركة".

المواطنة والوطنية

وسأل أحد الحضور حداد عن رأيه في "المواطنة والوطنية بمفهومها الحالي، هل هي صورة من العرقية الحديثة، أم التعصب الديني؟"، فقال: "السؤال مهم، خصوصا في هذه الفترة، فنحن غالبا ما نكون مستعدين لإعادة النظر في مفاهيمنا، وتصويب أشياء كثيرة تلقيناها، ضمنها مفهوم المواطنة، الهوية، والقومية، وهذه المصطلحات التي نتداولها في الثقافة العربية بتداول آلي، كأن الزمن والمتغيرات في حياتنا لا تمس هذه المصطلحات، وتتحول في التفكير العربي والشرقي ككل إلى معتقدات دينية، لأن التفكير العربي أو الشرقي يتعامل مع الأشياء بطريقة دينية مقدسة، وتكاد مسألة إعادة النظر في مصطلح متداول بمثابة خدش للمعتقد الديني"، لافتا إلى أن ذلك بحد ذاته مشكلة.

وأضاف: "في السنوات الأخيرة، بعد تعرضنا وتخبطنا في الطائفية والتعصب نكاد نقع الآن في فاشية– فاشية، لدرجة أن بعض الأنظمة العربية الهشة في الحقيقة تدفع شعوبها إلى التعصب". وتساءل حداد: "أنا لا أفهم كيف يطالب نظام عربي شعبه بأن يأخذ موقفا سلبيا من شعب آخر، وهي أنظمة خارج التاريخ، وأنظمة تختلف وتتصالح، والشعوب تقع في تفكير فاشي".

وتابع: "لا أفهم مثلا، العرب عندهم استعداد خارج المفهوم القومي، وكقوميين متعصبين، وعلى فكرة النازية لا جنسية لها، وأيضا الفاشية. لذلك، أقترح دائما أن نكون مستعدين لإعادة النظر المستمر والنقدي لكل المفاهيم التي يجري تداولها، والتي يتم تطبيقها علينا ودفعنا لها".

وأوضح حداد أنه لا يفهم أن الجميع أصبح لديه استعداد لأن يوزع التهم والوطنية، لذلك "أعتقد أنه يجب أن نرفض القوالب التي يقولبوننا فيها، أظن أن لا أحد مؤهلا أن يعطي دروسا وطنية لآخرين، يجب أن نحرر هذه العقليات".

«مثل وردة تقلد عطراً»... شذرات مكثفة قصيرة

تخلل الأمسية حفل توقيع كتاب "مثل وردة تقلد عطرا"، وتحدث حداد عن الديوان، مبينا انه الكتاب الثالث من كتبي التي نشرت فيها شذرات الكتاب الأول (الغزالة يوم الأحد)، والكتاب الثاني كان بعنوان "سماء عليلة". وأوضح أنه "يحمل شذرات عبارة عن كلمات وجمل مكثفة قصيرة، أحاول فيها التعبير عن رؤى أو انطباعات وأحاسيس فنية وإنسانية وفلسفية مكثفة، وفي كلمات قصيرة، وهي تشبع عند الشاعر الجانب الذي لا تحققه القصائد الطويلة".

من جانبها، أشارت الرئيسة التنفيذية للشركة المؤسسة لمقهى ميوز لاونغ، مها الحساوي، إلى أن أمسية "طرفة بن الوردة"، هي أولى ثمرات التعاون مع ملتقى أمسيات الثقافي.

ولفتت إلى أن "ذلك التعاون سيثمر إقامة ندوات وأنشطة الملتقى الفنية والأدبية والموسيقية الأسبوعية في المقهى".

وكشفت أن مكتبة "ميوز لاونغ" تحتوي على العديد من الكتب والإصدارات المتنوعة، ضمنها النسخة الحصرية من الكتاب الأخير لقاسم حداد (مثل وردة تقلد عطرا).

يجب أن نحرر أنفسنا من عقلية الوصاية

الشعر لا يبدو جميلاً إذا لم يكن غامضاً
back to top