ماذا تعلمت آسيا من أزمتها المالية قبل 20 سنة؟

نشر في 08-07-2017
آخر تحديث 08-07-2017 | 00:00
في الفترة التي سبقت اندلاع أزمتها المالية منذ نحو عقدين حافظت آسيا على معدلات غير عادية من إنفاق رأس المال عبر وفورات مستوردة من بقية أنحاء العالم، وبعد تلك الأزمة عمدت إلى تقليص ذلك الاقتراض الأجنبي الصافي، ولكن من خلال خفض معدلات الاستثمار فقط.
 إيكونوميست متحف سيام في بانكوك مخصص لاستكشاف كل ما هو تايلندي، وحتى الثاني من يوليو الجاري كان ذلك يشمل معرضاً عن الأزمة المالية الآسيوية التي بدأت في ذلك التاريخ قبل عشرين سنة عندما فقدت العملة التايلندية (البات) ارتباطها بالدولار الأميركي. ويمثل المعرض صورتين متباينتين تظهران كم كان يبلغ سعر الدولار مقابل العملة المحلية قبل الأزمة (25) وبعدها ( أكثر من 50 في مرحلة ما). وكان في وسع الزوار أيضاً قراءة شهادات بعض الضحايا بمن فيهم أحد كبار السماسرة الذي تحول الى بائع شطائر وسيدة أعمال طلب منها رئيسها الاهتمام بالعمل قبل أن يقدم على الانتحار. وفي هونغ كونغ واليابان وكوريا الجنوبية أقدم 10400 شخص على الانتحار بسبب تلك الأزمة.

ويبدو أن العنوان الفرعي للمعرض "دروس لم تتم الاستفادة منها" غير منصف. لأن تايلند وكوريا الجنوبية وماليزيا وإندونيسيا وهونغ كونغ استفادت بشدة من الأزمة، وباستثناء هونغ كونغ لم تعد تلك الدول تعتمد على ارتباط عملتها بالدولار من أجل مواجهة التضخم وهو ما أعطاها مساحة اضافية للتحرك. (وقد اختار بائع الشطائر شعاراً لعمله الجديد على شكل بالون يرتفع مثل العملة المحلية البات). وتقوم تلك الدول بشكل رئيسي بالاقتراض بعملتها، ولذلك لن تتأثر مسؤولياتها القانونية عندما تنخفض معدلات صرفها، وفي حالات الضرورة تحاول تلك الدول تحييد التدفقات النقدية الكبيرة بتدفقات معاكسة تشمل مشتريات البنك المركزي من احتياطيات العملات الأجنبية.

التغير في تجارة آسيا

ويظهر التغير جلياً في ميدان التجارة وميزان الحسابات الجارية في آسيا. وعلى سبيل المثال كانت تايلند تستورد عشية الأزمة أكثر مما تصدر كما كانت تقترض من جهات أجنبية بغية سد الفجوة، وفي عام 1996 وصل العجز في حسابها الجاري الى حوالي 80 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، وبعد 20 سنة وصل الفائض لديها الى أكثر من 11 في المئة.

ويتمثل السؤال الأكثر صعوبة في ما اذا كان التعلم من تلك الدروس كافياً من أجل حماية الأسواق الناشئة في آسيا أو في مكان آخر من كوارث مستقبلية. وبعد كل شيء لم تكن آسيا تتوقع حدوث أزمة عام 1997 لأنها كانت تعتقد أنها تعلمت من دروس أزمات سابقة. وعلى سبيل المثال وبخلاف دول أميركا اللاتينية المبذرة كان لدى الدول الآسيوية معدلات توفير وطنية عالية وديون عامة محدودة وفوائض في الميزانية، وفي سنة 1996 كانت ديون الحكومة المركزية في تايلند أقل من 5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي.

وقد غدت دروس سنة 1997 الآن قديمة جداً، وعانى ضحايا تلك الأزمة الاقليمية بقدر طفيف من النسخة العالمية لأزمة 2008 (على الرغم من أنه مع وجود احتياطيات دولار لدى كوريا الجنوبية فإن بعض شركاتها عانت نقصاً في العملة الأميركية). وكانت واحدة منها هي اندونيسيا التي سمحت للعجز في حسابها الجاري بأن يتوسع، وقد اعتبرت بين الاقتصادات الخمسة الهشة التي أثبتت في سنة 2013 انكشافها على السندات الأميركية.

ولكن لا يشعر كل شخص بالرضا، ويشدد هايون سونغ شين من بنك التسويات الدولية على تهديد جديد في مواجهة دروس عام 1997 يقول إنه لن يوفر حماية بالضرورة، وهو يجادل في أنه حتى الدول التي تتمتع بمعدلات صرف عائمة ولديها ديون عملات أجنبية واضحة قليلة يمكن أن تعاني من ضغوط مالية كما حدث في سنة 2013 اذا اقترضت فروع شركاتها الأجنبية بكثرة.

ويجادل السيد شين أيضاً في أن أموال الأوفشور هذه قد تخفف ضغوط الظروف المالية في الداخل على الرغم من عدم مبادلتها بالضرورة، ويرجع هذا الى أن الشركات التي تحقق أموال الأوفشور سوف تترك الكثير من أموالها في الداخل في البنك. ويظهر بحث أجراه صندوق النقد الدولي في الفترة ما بين 2009- 2013 أن الشركات في الدول المتوسطة الدخل زادت الكثير من ديون الأوفشور ووسعت من ايداعاتها المحلية وأغرقت البنوك الوطنية بالنقد.

مجلس الاحتياطي الفدرالي

ولسوء الحظ عندما يتشدد مجلس الاحتياطي الفدرالي في اجراءاته تزداد قوة الدولار وتصبح أسواق الأوفشور أقل استيعابا، كما أن الشركات متعددة الجنسية التي تعجز فجأة عن جمع المال في الخارج تزيد من طلباتها من البنوك المحلية وتعمد الى سحب ايداعاتها، وتهدف الى الحصول على قروض، ومن شأن ذلك أن يشدد الظروف المالية حتى مع عدم رفع البنك المركزي المحلي لمعدلات الفائدة.

وإذا لم يتم استرجاع أموال الأوفشور فإنها لن تسجل في الاحصائيات الرسمية، وقد اهتم صناع السياسة بدروس سنة 1997 وربما كان مفاجئاً لهم كيف أن الديون الخارجية المحدودة لم توفر لهم حماية من الأوضاع المالية العالمية.

وثمة مجادلة مختلفة تقول إن الدول الناشئة تعلمت بشكل جيد دروس أزمة عام 1997 ولكن هل ضحت بالكثير من النمو من أجل حماية الاستقرار المالي، أو ربما أنها عرضت للخطر الاستقرار المالي في أماكن اخرى؟

أوضاع ما قبل الأزمة

في الفترة التي سبقت اندلاع الأزمة المالية، حافظت آسيا على معدلات غير عادية من انفاق رأس المال عن طريق تعزيز توفيرها عبر وفورات مستوردة من بقية أنحاء العالم، وبعد تلك الأزمة عمدت الى تقليص ذلك الاقتراض الأجنبي الصافي ولكن من خلال خفض معدلات الاستثمار فقط (انظر الرسم البياني).

وكان البعض من تلك الاستثمارات التي سبقت الأزمة تبذيرياً ومن دون مردود. ويظهر أحد الأمثلة على ذلك في ساثورن يونيك في بانكوك وهو كتلة مهجورة وغير مكتملة بصورة غريبة من الشقق الفاخرة بارتفاع يتجاوز 40 طابقاً، وهو يحتوي الآن على طائفة من الاعلانات والرسوم والذكريات الحزينة لمواطن سويدي اختار تلك البقعة للانتحار. ولكن غابت الاستثمارات الاخرى بشكل محزن وكانت البنية التحتية في تايلند في الماضي موضع حسد في ذلك الجزء من العالم، ولكن جودتها تراجعت منذ ذلك الوقت الى ما وراء البنية التحتية في المكسيك، بحسب المنتدى الاقتصادي الدولي. والأكثر من ذلك، وفي اقتصاد عالمي لا يزال يفتقر الى الانفاق بدأت الكثير من صور التغيب تبدو غير اجتماعية، وليس في وسع كل الدول التعرض لفوائض في الحسابات الجارية (التي يجب أن يقابلها عجز في أماكن اخرى) ولذلك ليس في وسع كل الدول أيضاً التقيد بصورة تامة بدروس الأزمة المالية الآسيوية.

ويشير معرض المتحف في تايلند الى أن تلك الدولة كانت تعتبر نفسها "النمر الخامس" في المنطقة غير أنها تعتبر اليوم "رجل آسيا المريض".

بسبب الأزمة المالية في آسيا قبل 20 عاماً أقدم 10400 شخص في هونغ كونغ واليابان وكوريا الجنوبية على الانتحار

تايلند وكوريا الجنوبية وماليزيا وإندونيسيا لم تعد تعتمد على ارتباط عملتها بالدولار لمواجهة التضخم وهو ما أعطاها مساحة إضافية للتحرك
back to top