الباحث المصري د. وائل الدسوقي: فوزي بجائزة الدولة يحمّلني مسؤولية كبيرة

نشر في 05-07-2017
آخر تحديث 05-07-2017 | 00:02
وجه الباحث المصري وائل الدسوقي، الفائز أخيراً بجائزة الدولة للتفوق في مجال الآداب فرع التاريخ، انتقادات واسعة إلى مجال البحث العلمي في الوطن العربي، وقال إن إهماله وتهميشه أديا إلى تراجع كبير في خطوات النمو والنهضة، مشيراً إلى أن البحث العلمي لا يضيق ولكن صدور الدول تضيق. وحدَّد الدسوقي في حواره مع «الجريدة» الشروط الواجب توافرها في الباحث الجيد، ومن بينها أن يكون موضوعياً في تحليلاته ويبتعد عن الأفكار المسبقة، وأن تتسم كتاباته بالاستشهاد الجيد، إلا أن الأهم من ذلك كله توافر ميزة سعة الأفق لديه، بتقبل أفكار الآخرين ولو اختلفت مع رأيه. إلى نص الحوار.
كيف استقبلت الفوز بجائزة الدولة التشجيعية للآداب فرع التاريخ؟

كنت أنتظر النتيجة بقلق، خصوصاً أن إعلانها تأخر ساعتين ونصف الساعة تقريباً عن الموعد المحدد. حدثني، فور سماعه اسمي، صديقي الكاتب الصحافي سامح فايز، وكان يحضر مؤتمر إعلان الفائزين بحكم عمله، فشعرت في البداية بالسعادة ثم غمرني شعور عميق بالقلق لأنها بداية لحمل مسؤولية كبيرة، ولأنني يجب أن أدقق كثيراً في كتاباتي وأعمالي المقبلة، سواء في اختيار الموضوعات أو طريقة عرضها، وقبل أي أمر، هل ستضيف إلى المجتمع أم لا.

هل أنت راض عن ردود الفعل حول جوائز الدولة في مصر هذا العام؟

ردود الفعل حول الجوائز ونقدها ظاهرة مستمرة طبيعية ومطلوبة، فلن يتفق الجميع أبدا على جودة عمل أو معايير التحكيم والاختيار. ولكن هذه السنة كانت ردود الفعل أقل قسوة عن سابقتها، وركزت على نقد الأعمال الفائزة من دون الطعن في أصحابها، إلا الذين وجدوا أن هذا أو ذاك اختيرا لتبنيه أيديولوجيات معينة، وفي الأحوال كافة يجب على وزارة الثقافة أن تنظر بعين الاهتمام إلى جميع الآراء الناقدة.

فزت بجائزة الدولة في مصر عن كتاب «تاريخ علم المصريات». ماذا عنه؟

جاء هذا الكتاب حصيلة نقاش تمهيدي بيني وبين أستاذي الدكتور أحمد زكريا الشلق (أستاذ التاريخ الحديث في جامعة عين شمس)، وهو لفت انتباهي إلى دراسة الموضوع بعدما انتهيت من إعداد رسالتي للدكتوراه تحت إشرافه، وضمت فصلاً عن مؤسسات الآثار التاريخية، فشجعني على التوسع في دراسته. بناء على ذلك، بدأت العمل فيه، وقدمت للقارئ من خلاله بعض الموضوعات، من أهمها مناقشة فكرة تحول علم المصريات من الخرافة إلى العلم، كذلك عرض لتطور الوعي بضرورة حفظ الآثار المصرية وحمايتها، فضلاً عن تتبع التطور التاريخي لمتاحف آثار مصر القديمة والآثار اليونانية والرومانية والإسلامية، والحديث عن مدارس ومعاهد وجمعيات استكشاف التاريخ المصري، والسير الذاتية لأهم علماء الآثار من الأجانب والمصريين.

لماذا اخترت التاريخ تحديداً، خصوصاً التاريخ المصري الحديث؟

ما يجهله كثيرون أنني إلى جانب دراستي التاريخ كنت أتوق إلى الحصول على شهادة أكاديمية في الفنون الجميلة، وقطعت شوطاً لا بأس به في دراسة النحت والتصوير، كذلك خضت دورات متخصصة في الرسوم المتحركة والمونتاج في أكاديمية الفنون. لكني لم أستطع استكمال مشواري لأسباب كثيرة، فركزت في دراسة التاريخ لأنه أيضاً من وجهة نظري لون من ألوان الفنون التي تبحث عن وقائع الزمان في التعيين والتوقيت، ولأنه علم يبحث في الإنسان وتأثير الأحداث فيه، وهو أمر مهم لمستقبل البشرية عموماً، ولم يكن اختياري التخصص في تاريخ مصر الحديث إلا تأثراً بفكر أستاذي الدكتور عبد الخالق لاشين (أستاذ التاريخ الحديث في جامعة عين شمس) الذي غيَّر طريقة تفكيري كثيراً، وجعلني أنظر إلى تاريخ مصر بنظرة وبفكر مختلفين، فأحببت التخصص فيه، لأنه يحتاج إلى المزيد من الفحص...

الماسونية

كتب رجال الدين ضدّ الماسونية من دون فحص دقيق، حتى أصبح الغموض والتشويش سمتين غالبتين على تاريخها. ماذا أضفت في نقل الحقائق كاملة؟

كان تركيزي على دراسة الماسونية ونشاطها نتيجة لذلك الغموض الذي اتسم به تاريخها، وأتيحت لي صلاحيات أكثر من غيري كوني أقوم بعمل أكاديمي حصل على موافقة رسمية من الجامعة. لذلك استطعت الاطلاع على أوراق المحافل الماسونية المحفوظة في الأرشيف المصري، وهو ما لم يتوافر لغيري ممن تعرضوا لتاريخ الماسونية بالكتابة، وما جعلني أقف على حقائق مهمة من خلال الأوراق الأصلية. ذلك كله، دعم عملية اختياري المراجع الحديثة وفرزها فرزاً دقيقاً ومعرفة أي منها تتضمن تاريخاً حقيقياً وأي منها يغلب عليها الزيف لإثبات ما يريد الكاتب ترويجه نتيجة لأيديولوجية دينية أو سياسية. هكذا كانت دراساتي عن الماسونية إضافة متواضعة اتسمت بأنها أكثر ترتيباً وتوثيقاً عن غيرها.

البحث العلمي أزمات وحلول

كيف ترى البحث العلمي في مصر، وهل يواجه أزمة حقيقية من عدم الاهتمام به وتسخير الإمكانات له؟

يواجه البحث العلمي في مصر أزمة كبيرة، فالعثرات في طريق الباحث لا تتوقف، وتتحمل الدولة أسباب ذلك، لا سيما أن منظومة البحث العلمي كلها ضعيفة، ولا تعود في مجملها بالنفع على الوطن، فلا تتوافر مراكز بحوث مجهزة، ولا قواعد بيانات كاملة يمكن الرجوع إليها، كذلك يغيب التمويل الجيد للمنح والبعثات الدراسية.

ماذا ينقص الباحثين في العالم العربي ليكونوا بمكانة الباحثين العالميين داخل بلادهم وليس في الخارج؟

المشكلة الأساسية لدينا قلة التدريب الإلزامي. يجب على الجامعات تخصيص حصص من ساعات الدراسة لورش عمل تلحق بمادة مناهج البحث أسبوعياً، ذلك لتدريب الطلاب على مناهج الكتابة وطرائق كتابة الحواشي، وغيرهما من أمور يمكنها جعل القارئ في حالة استيعاب كاملة للمعلومة ومصدرها، فيخرج إلى المجتمع باحثاً محترفاً، وقارئاً يدرك الأمور.

كيف يمكن للباحث في التاريخ أن يعبِّر عن قضايا بلاده بحياد وموضوعية من دون أن يعبِّر عن رأيه بوضوح؟

يجب على الباحث أثناء خوضه في الحديث عن قضايا بلاده بشكل مكتوب، أن يلتزم بقواعد المنهج المحكومة بأربعة أمور (الفهم، والتناول، والتحليل، وتأسيس الأحكام). ويعتقد البعض خطأ أن ذلك يرغم الباحث على الالتزام بالحياد التام، فثمة خطأ شائع يجعل الحيادية شرطاً للموضوعية، فالباحث إذا التزم أثناء عرض رأيه الشخصي بوضوح ومنهج سليم، قد نقبل حديثه كوجهة نظر توضع محل النقد والمناقشة، فتعد شهادته قراءة أخرى، ومن وجهة نظري عدم الحياد من الأمور التي لا مفر من حدوثها، فالذاتية أحياناً تكون طريقاً إلى الموضوعية، والمرور الضروري للمعرفة عبر الذات يترك أثراً وبصمة في صياغة شكل المادة التاريخية ومضمونها.

كيف تتعامل مع المصادر التاريخية السابقة والتي تتضمّن اختلافات تراها أنت كباحث؟

ثمة قاعدة مهمة تحكم تلك النقطة، وهي أننا في التاريخ لا نتحدث عن حقائق، بل عن «السياق ومن كتب القصة». كي نتأكد من صدق مصدر ما، يجب علينا أن نجيد التعامل مع السياق وظروف الكتابة، مع تقييم كاتب المصدر ومعرفة توجهاته للتأكد من التزامه الموضوعية، فنستطيع استخدام أو استبعاد مصدر ونحن على أرضية معرفية راسخة. من ثم، الخبرة والحرفية والقدرة على التفسير وتوفير الوقت الكافي للدراسة من دون «عنترية» بحثية، تجعلنا نتعامل مع المصادر التاريخية بشكل جيد.

ما هو جديدك في العمل البحثي الفترة المقبلة؟

أعمل على الانتهاء من كتاب عن منطقة الأزبكية في القاهرة، كذلك أستعد للبدء في الجزء الثاني من كتابي عن التاريخ الثقافي لمصر الحديثة بعدما اقتربت من إنهاء الجزء الأول من موسوعة أعلام وشخصيات الإمارات العربية المتحدة والذي يؤرخ لسير رجال الحكم والسياسة، والذي أنجزته بصعوبة نتيجة لقيامي به من مصر من دون اتصال مباشر بالشخصيات التي أكتب عنها

شروط الباحث الجيد

يطالب الباحث وائل الدسوقي بتوفير لجان علمية محايدة وموضوعية لكتابة المناهج التاريخية من دون تدخل في ما تكتب وأن يؤخذ برأيها... ويضع شروطا يجب توافرها في الباحث الجيد وهي: الدقة واحتراف تنظيم الوقت، والقراءة المستمرة من دون ملل، بالإضافة إلى الأمانة والصبر والثقة في النفس، وأن يكون الباحث موضوعياً في تحليلاته ويبتعد عن الأفكار المسبقة، وأن تتسم كتاباته بالاستشهاد الجيد. إلا أن الأهم من ذلك كله توافر ميزة سعة الأفق لديه، بتقبل أفكار الآخرين حتى وإن اختلفت مع رأيه بروح رياضية.

العثرات في طريق البحث التاريخي لا تتوقف

سعة الأفق وتقبل أفكار الآخرين من شروط الباحث الجيد
back to top