شعوب ومسلسلات

نشر في 01-07-2017
آخر تحديث 01-07-2017 | 00:07
 عبداللطيف المناوي تلك الحالة من الاستسلام والرفض، رغم الإصرار على متابعة المسلسلات التلفزيونية، لا تختلف كثيراً عن الحالة ذاتها التي يمكن ملاحظتها في الشارع العربي بشكل عام، حالة من الاستسلام غير الطبيعي، والخضوع لما هو مطروح، أو مفروض علينا سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً، حتى أن السؤال الذي يتردد أو على الأقل ينبغي أن يتردد داخلنا وحولنا، هو: هل هذه المسلسلات بمنزلة أبناء شرعيين أو غير شرعيين لهذه الحالة التي نعيشها، أم أن هذه الحالة هي الابن الشرعي لتلك المسلسلات وذلك الإنتاج الفني والسياسي الذي نتعرض له يومياً حتى بتنا هكذا؟

لست ناقداً فنياً، لكن تستوقفني الظواهر، والظاهرة التي استوقفتني خلال الأسابيع الماضية، هي تلك العلاقة الغريبة والمريبة بين المواطن المتلقي وجهاز الإعلام المرسل عبر إنتاجه الدرامي، والذي تمثل في ذلك الفيض من المسلسلات التي فاضت بها الشاشات العربية من دون استثناء، وجوه شاخت، وشخصيات ملّها الناس، وممثلون وممثلات كادوا أن يضيفوا أجنحة ملائكية يسبحون بها في عقول الناس الخاوية بإرادتهم، وآخرون يتحدثون عن ملايين لم يسمع بها معظم المشاهدين، وقصص سخيفة وممجوجة، وشخصيات باهتة، وأحداث غير واقعية.

باختصار حالة من النصب العام والشامل ومتعدد الأطراف على المشاهدين، والغريب هنا ليس حالة النصب، إنما هو إدراك المتلقين من المواطنين أمثالنا لهذه الحقيقة، ولكن الأكثر غرابة هو تلك الحالة الغريبة من الاستسلام التي راح فيها المواطنون، رافعين كل رايات التسليم للأمر الواقع والرضا بالمكتوب.

قرر منتجو هذه المسلسلات وتضامنت معهم كل الشاشات العربية التي هي جزء من الآلة الإعلامية العربية، الرسمية والخاصة، قرروا جميعاً أن يقدموا هذا المخدر إلينا نحن المواطنين، ورضينا نحن بإدمان هذه الأشياء حتى لو كنا مدركين حقيقتها، وحتى لو كنا غير راضين عنها.

أعود للسؤال المحير على طريقة المسلسلات: من ابن من؟ هل نحن أبناء هذه الحالة من الاستسلام اللذيذ المؤذي، أم أن هذه الحالة من الاستسلام الناتجة عن ذلك الواقع الذي نعيشه هي المسؤولة عن أحوالنا هذه؟

قد يرى البعض فيما أقول محاولة للي عنق الأشياء لأصل بها إلى معنى أكبر من حدودها، فكل ما سبق هو حديث عن مسلسلات، ولكني أرد قائلاً، إن العَرَض، بفتح العين والراء، البسيط هو نتاج لداء قد يكون مزمناً، ولست أدري هل هذا العرض، بفتح العين والراء، الذي أشرت إليه اليوم هو إشارة لحالة أعم وأخطر، أنا أظنها كذلك، وإذا أردنا الدليل فلنحاول استعادة حالتنا الاستسلامية لما فرض علينا من شاشاتنا، ونقارنها بما فرض علينا من واقع تفاصيله غنية عن البيان، ولن تجد الأنظمة ولا منتجو المسلسلات شعوباً ومتلقين أفضل منا.

back to top