خاص

عبدالله الرميثان لـ الجريدة•: أول أغنية لحنتها كان عمري 14 عاماً (1-5)

التحقت بالمعهد العالي للفنون الموسيقية 1975 لاستكمال دراستي

نشر في 21-06-2017
آخر تحديث 21-06-2017 | 00:05


يقتنص الملحن الأكاديمي الكبير الدكتور عبدالله الرميثان ألحانه اقتناصاً، مستنداً إلى الموهبة الموسيقية التي شهد لها كبار الموسيقيين في الوطن العربي ودراية أكاديمية في أصول علم الموسيقى وتطوراته، إضافة إلى خبرة كبيرة في تقديم قيمة لحنية يقل نظيرها تحمل بصمته الخاصة، فهو لا يدع مجالا للمصادفة أو العفوية تنسج موسيقاه على القصائد، بل يتبع أسلوباً أكاديمياً كما حدث في أغنية «صادني في غرامه» التي شدا بها الفنان بلبل الخليج نبيل شعيل واستمر نجاحها نحو 20 عاما.

يتسم عمله بالانضباط والنظام، فعملية التلحين لدى الرميثان تمر بمراحل دقيقة قبل ولادة الجمل الموسيقية، فحينما يشرع بقراءة القصيدة المراد تلحينها يدقق على النغم في القافية والإيقاع في الوزن، فإن توافرا النغم والإيقاع في الكلمات بحث عن الإبداع في الصور الشعرية والشدو في المعنى، وبذلك تتحقق المرحلة الأولى في قبول النص الشعري، ثم تأتي مرحلة أخرى أكثر دقة وأهمية في صياغة النسيج الموسيقي، فإن كان اللحن يحتاج إلى البحث ينكب قارئا عن الخلفية التاريخية والإرث الموسيقي المشابه، رغبة في تقديم لحن مختلف يمزج بين العراقة والمعاصرة في آن، فينقل المتلقى إلى الأجواء ذاتها من خلال لغة موسيقية راقية وحديثة لا تنقل القديم كما هو بل تقدمه ضمن قالب متطور.

حقق الرميثان نجاحا كبيرا مع أبرز نجوم الغناء في الوطن العربي مدونا عبر سجل توهجه قفزات فنية شكلت علامات بارزة في مشواره، وربما يصف المستمع إلى ألحانه بجملة واحدة «هذا شي غير معقول» كما غناها محمد المسباح الذي قدم معه أعمالا خالدة.

الرميثان لم يقتصر إبداعه على مستوى الخليج بل تجاوز حدوده الإقليمية فشدت بألحانه المطربة ميادة الحناوي، وأنغام، وطلال مداح، وعبدالمجيد عبدالله وغيرهم من نجوم الصف الأول، فهو عقد صفقة دائمة مع التفوق الذي لا يقبل بغيره، فحصد جوائز متنوعة في عالم الغناء والطرب.

في الحلقة الأولى من حواره مع الجريدة، يسرد ملامح من طفولته وأولى خطواته في المجال الفني، وفيما يلي التفاصيل:

• نشأت في مدينة الجهراء، فما الذي تحتفظ به ذاكرتك من مرحلة الستينيات؟

- الجهراء كانت في الستينيات عبارة عن أسرة واحدة، وجميع الأسر التي تقطنها تربطهم علاقة وطيدة، فكان التكافل سمة لسكان المدينة، لأنه لم يكن تعدادها السكاني بهذا الحجم الكبير الآن، كما أنها مساحتها اتسعت بشكل كبير، وكنت أشعر بدفء حنان جيراننا ومحبتهم، وكانوا يعاملونني كابنهم لأن والدي توفي وأنا في السادسة من عمري، وهذه المشاعر الحانية خففت وطأة الحزن فلم أكن أحس أني فقدت شيئا، أو نقص شيء من طفولتي إلى أن «شب عودي» وغادرت الجهراء، بسبب ظروف دراستي داخل الديرة، وغادرت مدينة مسقط رأسي مرغما، لأني حينما التحقت بالمعهد العالي للفنون الموسيقية وجدت أن الذهاب والإياب بشكل يومي مزعج، لاسيما أن المسافة بين المنزل ومقر العمل ليست قصيرة. والتحقت في المعهد العالي للفنون الموسيقية في 1975 لاستكمال دراستي الثانوية في المعهد، وعقب التخرج عينت مشرفاً فنياً في مركز شباب الجهراء في عام 1979.

فرقة شعبية

• ماذا الذي قدمته في أول وظيفة لك؟

- بسبب عطائي المتميز في مركز شباب الجهراء انتقلت إلى التوجيه في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بطلب من الإدارة، فقد كانت تجربتي ثرية جداً في المركز، إذ أنشأت أول فرقة شعبية من المنتسبين في المركز، وحققت الفرقة أصداء جميلة وقدمنا عروضنا في حديقة جمال عبدالناصر في منطقة الروضة ونالت استحسان الجمهور وذاع صيتها، وعقب ذلك جاءني السيد سليمان الأشوك والأستاذ بدر رمضان ومعهما بعض المسؤولين من وزارة الشؤون، وبعد مشاهدة العمل الذي قمت به، طلبوا مني أن أنتقل إلى إحدى الإدارات في الوزارة وأحضر معي أعضاء الفرقة، فأخبرتهم أني لا أستطيع أن أنقلهم من مركز الجهراء وأضمهم لمركز آخر، أما بخصوص انتقالي فأنا على أتم الاستعداد إلى الذهاب معكم إلى إدارة التوجيه في الشامية والتي كانت مقراً لوزارة الشؤون، وعملت قرابة عام، وأنجزت بعض المهام الموكلة إليّ وقمت بتنظيم العمل، لكن المهام المنوطة بي في قسم التأليف في المعهد العالي للفنون الموسيقية تحتاج إلى تفرغ تام فآثرت التركيز في عملي بالمعهد.

التحصيل العلمي

• ماذا كان رأي المسؤولين في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل؟

- لم أجد مناص من تقديم استقالتي، وأذكر حينئذ أن وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السابق عبدالرحمن المزروعي ومعه مجموعة من المسؤولين رفضوا هذه الاستقالة، لكني كنت مجبراً على الانقطاع عن العمل، وبالرغم من غيابي، اتصل بي بعض المسؤولين وقالوا لا تكترث بأمر الغياب سنتكفل به فقط نريدك أن تعود إلى عملك، حينئذ قلت لهم لا أستطيع، فثمة أعمال تنتظرني ومهام أخرى سأتصدى لها، كما أخبرتهم أني أريد أن أكمل دراستي... وهذه الأمور كلها تضيق الخناق علي ولا تمنحني فرصة للعمل معكم، لاسيما أني لا أريد أن أرتبط بعمل، ولا أتمكن من تقديم نتائج مرضية تنعكس إيجاباً على المحيطين بي والذين يعملون معي، وتفهموا الأمر، وعدت إلى المعهد لاستكمال دراستي وتفوقت وكنت الأول على الدفعة.

البحث والتدقيق

• كنت صغيراً حينما عينت مشرفا فنياً، لكن استطعت تحقيق نتائج مرضية، هل كنت تستعين بأحد لوضع خطة عمل أم انك تضع أهدافك بنفسك وتسعى إلى تحقيقها؟

- عندما ولجت عالم الموسيقى لم أتخذه للتسلية والوناسة بل لفت نطري أن ثقافة معينة في محتوى الفنون، كما أن اختلاف مشاربها له دلالة معينة، بمعنى أن لكل فرد في المجتمع ثقافة معينة ورغبات محددة وذائقة فنية

وألوان غنائية يطرب لها، لذلك بدأت أطرح الأسئلة لماذا هذه الطبقة في المجتمع تطرب إلى هذا النوع من الفنون، لماذا تلك الطبقة تعشق كذا وكذا؟ ولماذا يتم انتقاء نوعية محددة من الشعر ثم تلحينه وعقب ذلك يتم غناؤه؟

- هذه الأسئلة وغيرها دفعتني إلى المزيد من البحث والتدقيق للوصول إلى نتائج مهمة. وهنا كانت بداية التحليل والتعرف على خفايا الأمور. وخلال هذه المرحلة توصلت إلى بعض النقاط المهمة، فأدركت أن البراهين لا تأتي إلا من خلال البحث والمقارنة والتحليل، وهنا شعرت بلذة كبيرة، واستطعت استيعاب بعض التفاصيل وأصبحت عندي حقائق ثابتة في مقدمها أن التفاصيل الدقيقة إن لم تكن متقنة بشكل كبير فستخل بالعملية الفنية، ولا أذيع سراً إن قلت ان هذه النتائج المبرهنة دفعتني إلى المزيد من البحث وطرح الأسئلة، وأذكر أني حينما كنت أصطحب والدتي إلى السوق للتبضع أُفضل الجلوس في السيارة لأستمع إلى الأغاني وأحللها، وفي أحايين أخرى أسجل بعض الملاحظات، وربما كان غريبا أن تجد شخصا في تلك الفترة يستمع إلى جيمس براون وغيره من المطربين الأجانب.

• هذه الفترة كانت للتدريب والتثقيف، هل كنت تقصد ذلك أم أنها جاءت بطريقة عفوية؟

- كانت هذه الفترة مرحلة الاستماع واكتساب الثقافة الموسيقية، مما انعكس إيجاباً في مشواري، لاسيما في مرحلة دراسة الموسيقى الشعبية والشرقية، وهذا التدقيق جعلني أعرف مبكراً أهمية جودة اللحن الموسيقي، وأن الأغنية تشكل وحدة متكاملة لا يمكن فصل الكلمات عن اللحن، وحين يتم أداء الكلمات بلا لحن تبدو غير مستساغة، لكن حينما تغني ضمن إطارها اللحني ستكون جميلة، كما اكتشفت أن الأغاني الغربية تعتمد على الموسيقى المصاحبة، بينما العربية تفتقد هذا الشيء في السابق، لكن عقب التطور دخلت هذه المصاحبات إلى الأغنية العربية، وأصبح هناك مجال كبير اسمه التوزيع الموسيقي، وإن تم تفكيك هذه الوحدة المتكاملة ربما لا يطرب إليها المستمع.

أغانٍ متنوعة

•ميولك إلى الموسيقى بدأت في مرحلة الطفولة، حدثنا عن تلك المرحلة؟

- نعم هذا صحيح، عندما أقمت في بيت عائلة النصرالله وهي من العائلات الميسورة في الجهراء كان لدينا جهاز التلفاز وكذلك السيارات وبكرات التسجيل القديمة «آلة التسجيل» وكنت استمع إلى أغنيات كبار المطربين المصريين آنذاك ومنهم عبدالحليم حافظ، وأذكر أن والدتي من باب تجريب آلة التسجيل قامت بتسجيل صوتي حينما كنت في الخامسة من عمري وأنا أغني «أنا كل ما أقول التوبة» وأصبحت هذه وثيقة نادرة جاءت بطريقة غير مقصودة، كما كنت أستمع إلى أغنيات أخرى مصرية وعراقية وبدوية، ومن جانب آخر كنت استمع عند جدي إبراهيم النصرالله وهو كان نوخذة يدخل البحر، فيحكي لي عن البحر وقصصه واستمع إلى فنون البحر بمختلف أشكالها كل ذلك كان بمنزلة تدريب وصقل وتثقيف لي من خلال الاستماع والتمعن في هذه الفنون المختلفة، فقد نشأت في بيئة فنية تجمع بين فنون البادية والفنون البحرية والفنون العربية وزدت على ذلك الفنون الأجنبية حينما بلغت مرحلة الشباب.

أداء جميل

• هل تذكر أول لحن لك؟

- كان لأغنية من كلماتي «الثوب الأبيض» وكان عمري آنذاك 14 عاماً، وسجلتها في البيت لأنه كان في بيتنا آلة للتسجيل آنذاك، وأذكر أن أسرتي أعجبت بهذه التجربة العفوية التي جاءت في سن مبكرة جداً.

«هلي يا قمرة علينا» تصدرت سباق الأغاني في «مونت كارلو»

في حديث عن عرقلة التلحين لتحصيله العلمي وعدم حصوله على الشهادات العليا، قال الرميثان:» في فترة الثمانينيات كنت فاعلاً جداً في مجال التلحين، ولم أكن أنتبه إلى هذا الأمر وكانت الأعوام تمضي ومن خلال الألبومات كنت استعرض فيها فكري الموسيقي، لكن عقب مرور بضعة أعوام انتبهت أن انهماكي في العمل ربما يمنع عني أشياء مهمة، لذلك قررت السفر إلى مصر لاستكمال دراستي والحصول على الماجستير ثم الدكتوراه.

وأضاف:» في السابق كنا نقدم أعمالنا من خلال شركات الإنتاج أما حالياً آلية إظهار العمل الفني اختفت من الساحة الفنية كما أن وسائل الإعلام لم تعد تكترث بإذاعة الأعمال المهمة بل تركز على الأغاني الشبابية المطلوبة كالسنغل وأنا أرفض هذا الظهور، لأنه لا يجوز أن أسلك طريقاً ضيقاً جداً للوصول إلى الشهرة وإن كانت هذه السكة هي الوحيدة لأني لا أحب وضع فاكهتي في سلة واحدة، وبرأيي أن «السنغل» هي فرصة تمنح الفنان ترويج عمله للوصول إلى أكبر كم من الحفلات الغنائية

ولا أعتبرها بوابة للشهرة لأنك تعرض لشخص يختلف حينما تعرض لجمهور، وسأذكر لك مثالاً حينما قدمت أغنية «هلي يا قمرة علينا» التي شدا بها الفنان نبيل شعيل كانت أغنية فرح في البداية واتهمنا من الشخص الذي اتفقنا معه لأدائها في هذه المناسبة أننا لا نفقه بالفنون، وأن لحن الأغنية من أسوأ الألحان الذي سمعها في حياته، فاقترحت على الفنان نبيل شعيل أن نقدم الأغنية في ألبومه المقبل فوافق على الفور وطرحت الأغنية وحققت نجاحاً كبيراً وحققت المراكز الأولى في سباق الأغاني في إذاعة مونت كارلو فترة طويلة.

الجمع بين ثقافتي البادية والحاضرة

حول تأثير مدينة الجهراء في تكوين شخصيته، قال الرميثان:» الجهراء جعلتني رجلاً اجتماعياً أحب التواصل مع الناس، والجهراويون هم منبع الطيبة والتسامح والمودة، كما غرست هذه المدينة الولاء في نفسي وبرغم انتقالي من الجهراء منذ أكثر من 25 عاماً، إلا أن ثمة تواصلاً بيني وبين سكانها، فأحرص على حضور المناسبات، ودائما أذكر أن رابطة الدم قد تدفعك إلى صلة الرحم والتواصل، لكن ثمة تواصلاً نفسياً لا يمكن تجاهله، فنحن شباب الجهراء في تلك الفترة كانوا يطلقون علينا «عيال السوق» وكنا نقطن الجهراء القديمة والآن معظمهم تركوا الجهراء وذهبوا إلى مناطق أخرى وللحق أقول أن مناخ الجهراء صحي جداً وكذلك البيئة لأنها تعتبر واحة فيها المزارع والمياه الجوفية. كما ساهمت هذه المدينة في نشأتنا بطريقة مختلفة إذ غرست في نفوسنا الصلابة والجلد، وأنا تربيت في بيت عائلة النصرالله عقب وفاة والدي في السادسة من عمري فقد احتضنني أخوالي، وهم معروفون من سكان منطقة القبلة وكان لديهم بيت في الجهراء وكل هذه الأمور أثّرت في ثقافتي ووسعت من مداركي، فقد التقت ثقافة البادية مع ثقافة الحاضرة، وعقب ذلك تزوجت والدتي من العم فهد الشمري، وقد كان هذا الرجل الذي اتصف بالكرم الطائي حسن المعشر ودمث الخلق وكان يعاملني كأني ابنه وأشعر بالفخر أني تربيت في بيت الكرم، هذا الرجل يقل نظيره، فكل هذه الأمور مجتمعه أثّرت في تكوين شخصيتي.

الجهراء كانت في الستينيات عبارة عن أسرة واحدة والتكافل سمة سكانها

والدتي سجلت صوتي وأنا أغني «أنا كل ما أقول التوبة» وكنت حينها في الخامسة

كنت أستمع للأغاني المحلية والعربية وكذلك أغاني جيمس براون

التحليل والبحث دفعاني إلى ولوج عالم الموسيقى فلم أتخذه للتسلية والوناسة

أنشأت أول فرقة شعبية من منتسبي مركز شباب الجهراء وحققت أصداء جميلة
back to top