«سيف الملوك» يبحث عن حبيبته التي عشق صورتها

نشر في 16-06-2017
آخر تحديث 16-06-2017 | 00:00
تصل شهرزاد في هذا الجزء من الليالي العربية إلى استكمال قصة «سيف الملوك»، ابن الملك «عاصم» ملك مصر، الذي غادر أرضه وبلاده بحثاً عن معشوقته، تلك الفتاة الجميلة التي رآها مرسومة بخيوط الذهب، وأغرم بها غراماً شديداً، جعله يفكر في طريقة للوصول إليها، خصوصاً بعدما عرف اسمها «بديعة الجمال» وهي ابنة ملك من ملوك الجان في مدينة بابل، وتعيش في مكان يقال له «بستان أرم». حين شاهد «مساعد» وزير الملك «سيف الملوك» مليكه يبكي عجزاً عن الوصول إلى حبيبته، تأثر لحاله وعرض عليه المساعدة في الوصول إليها.
لما كانت الليلة الثانية والتسعون بعد الثلاثمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوزير ساعداً، ابن الوزير فارس، لما قرأ الكتابة التي على صورة بديعة الجمال، قال لسيف الملوك: أتعرف مَن تكون صاحبة هذه الصورة من النساء حتى نفتِّش عليها؟ أجاب سيف الملوك: والله يا أخي ما أعرف صاحبة هذه الصورة.

فقال له: اسمها بديعة الجمال، وهي ابنة ملك من ملوك الجان في مدينة بابل، وسأسرع في طلبها من غير مهلة حتى تبلغ مرادك، فبالله يا أخي اترك البكاء، وانتظر إلى الصباح، ثم اطلب التجار والفقراء والمساكين واسألهم عن صفات هذه المدينة، لعل أحداً منهم يدلنا عليها وعلى بستان أرم. فقبل سيف الملوك مشورته.

في اليوم التالي، جلس سيف الملوك على العرش وهو معانق للقباء، لأنه صار لا يقوم ولا يقعد إلا وهو معه، وأقبل الأمراء والوزراء والجنود وأرباب الدولة، فقال الملك سيف الملوك لوزيره ساعد: قل لهم إن الملك مريض. فلما أعلن الوزير ساعد الخبر بين القادمين، أظهروا الحزن والأسف، ودعوا للملك بالشفاء، وأسرع الملك عاصم فدعا الحكماء والمنجمين ودخل بهم على ولده سيف الملوك، فوصفوا له بعض الأدوية، ولكن مرضه استمر ثلاثة أشهر، فقال الملك عاصم للحكماء وهو مغتاظ: ويلكم يا كلاب! هل عجزتم عن مداواة ولدي؟ والله إن لم تداووه في هذه الساعة لأقتلنكم جميعاً.

فقال له رئيسهم: يا ملك الزمان إننا نعلم أن هذا ولدك، وأنت تعلم أننا لا نتساهل في مداواة الغريب، فكيف بمداواة ولدك وهو ملكنا؟ ولكن علاج مرضه ليس في أيدينا. فقال الملك عاصم: أي أمر ظهر لكم من مرض ولدي؟ فقال له الحكيم الكبير: يا ملك الزمان ولدك عاشق ويحبّ من لا سبيل إلى وصالها. فاغتاظ الملك عاصم وقال: من أين علمتم أن ولدي عاشق، ومن أين جاءه العشق؟ أجابوه: اسأل أخاه ووزيره ساعداً، فإنه هو من يعلم حاله.

قال الملك عاصم للوزير ساعد: أصدقني بحقيقة مرض أخيك، ولا تخف أمراً، وإلا أمرت السياف يربط عينيك ويضرب عنقك. خاف ساعد على نفسه وقال: يا ملك الزمان أعطني الأمان. فقال له: لك الأمان. فقال: ولدك عاشق، وأما معشوقته فهي ابنة ملك من ملوك الجان، رأى صورتها على القباء الذي أهداه إليكم سليمان نبي الله.

عند ذلك، قام الملك عاصم ودخل على ابنه سيف الملوك وقال له: أي أمر دهاك؟ وما هذه الصورة التي عشقتها؟ أجابه سيف الملوك: يا أبت كنت أستحي منك وما كنت أقدر أن أذكر لك ذلك، ولا أقدر أن أظهر أحداً على شيء منه أبداً، والآن علمت بحالي فانظر كيف تعمل لمداواتي؟ فقال له أبوه: لو كانت من بنات الإنس لكنا دبرنا حيلة للوصول إليها، ولكن هذه من بنات ملوك الجان، فلا يقدر عليها إلا سليمان بن داود.

ولكن يا ولدي قم في هذه الساعة، واركب إلى الصيد والقنص واللعب في الميدان، واشتغل بالأكل والشرب، واصرف الهم والغم عن قلبك وسآتي لك بمئة بنت من بنات الملوك، فما لنا شأن ببنات الجان، إذ ليست لنا قدرة عليهن ولا هن من جنسنا. فقال له: أنا ما أتركها ولا أطلب غيرها، فأحضر جميع التجار والسائحين في البلاد لنسألهم عن بستان أرم ومدينة بابل.

أمر الملك عاصم بإحضار كل تاجر في المدينة وكل غريب فيها، وكل رئيس في البحر...

فلما حضروا سألهم عن مدينة بابل وبستان أرم، فقالوا جميعاً: ما رأيناهما ولا سمعنا بهما، وعند انفضاض المجلس قال واحد منهم: يا ملك الزمان إن كنت تريد أن تعرف ذلك فعليك ببلاد الصين، فإنها مدينة كبيرة ولعل أحداً منها يدلك على مقصودك، فقال سيف الملوك لأبيه : جهز لي مركبا للسفر إلى بلاد الصين، فقال له أبوه : يا ولدي ابق أنت على كرسي مملكتك، وأنا أسافر إلى بلاد الصين وأبحث هذا الأمر بنفسي، فقال سيف الملوك: هذا الأمر متعلق بي، وما يقدر أحد أن يفتش عليه مثلي، والأحسن أن أسافر وأتغرَّب مدة من الزمان، فإن وجدت حبيبتي تم المراد، وإن لم أجدها يكون في السفر انشراح صدري وخاطري.

 

«قعفوشاه»

لما كانت الليلة الثالثة والتسعون بعد الثلاثمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك عاصماً جهّز لسيف الملوك 40 سفينة وزوده بعشرين ألف مملوك غير الأتباع، وأعطاه أموالاً كثيرة وكل ما يحتاج إليه من آلات الحرب، ثم قال له: سافر يا ولدي في خير وعافية وسلامة، وقد استودعتك عند من لا تضيع عنده الودائع. ولما شحنت المراكب بالماء والزاد والسلاح والعساكر، سافر سيف الملوك ومن معه، ولم يزالوا مسافرين حتى وصلوا إلى الصين. لما سمع أهلها بوصول 40 سفينة مشحونة بالرجال والعدد والسلاح والذخائر، اعتقدوا أن أعداء جاؤوا لقتالهم وحصارهم، وأغلقوا أبواب المدينة، وجهزوا المنجنيقات.

لما سمع سيف الملوك ذلك دعا مملوكين من مماليكه وقال لهما: امضيا إلى ملك الصين وقولا له: إن سيف الملوك ابن الملك عاصم جاء إلى مدينتك ضيفاً ليتفرج في بلادك مدة من الزمان... فإن قبلته نزل عندك، وإن لم تقبله رجع ولم يدخل مدينتك. لما وصلا إلى المدينة قالا: نحن رسولا الملك سيف الملوك. ففتحوا لهما الباب وذهبوا بهما إلى ملكهم، وكان اسمه قعفوشاه، وبينه وبين الملك عاصم معرفة.

عندما سمع أن الملك القادم عليه سيف الملوك ابن الملك عاصم، أمر بفتح الأبواب له، وخرج بنفسه مع خواص دولته لاستقباله، وعانقه قائلاً: أهلاً وسهلاً ومرحباً، أنا مملوكك ومملوك أبيك، ومدينتي بين يديك، وكل ما تطلبه يحضر إليك. ثم ركب ومعه سيف الملوك وساعد وزيره وبقية العساكر وساروا على ساحل البحر إلى أن دخلوا المدينة، وضربت الكاسات ودقت البشائر، وأقاموا مدة 40 يوماً في ضيافة حسنة...

ثم بعد ذلك سأل ملك الصين سيف الملوك: هل أعجبتك بلادي؟ فأجاب: أدام الله تشريفها بك أيها الملك. فقال الأخير: ما جاء بك إلا حاجة طرأت لك، فأي أمر تريد من بلادي لأقضيه لك؟ فقال سيف الملوك: إن حديثي عجيب. وروى له قصة عشقه صورة بديعة الجمال، فبكى ملك الصين رحمة به وشفقة عليه، وقال له: ماذا تريد الآن؟ فأجاب: أريد أن تحضر لي جميع السائحين والتجار. فأحضروهم جميعاً عند الملك قعفوشاه، وسألهم سيف الملوك عن مدينة بابل وعن بستان أرم، فلم يجد عند أحد منهم جواباً شافياً، ثم بعد ذلك قال له واحد من الرؤساء البحريين: إن أردت أن تعرف هذه المدينة وذلك البستان فعليك بالجزائر التي في بلاد الهند. في أثر ذلك، قام سيف الملوك وساعد وزيره، فودعا الملك قعفوشاه، وسافرا ومن معهما في البحر، ولم يزالوا مسافرين مدة أربعة أشهر في ريح طيبة، ثم هبت عليهم ريح ذات يوم وموج من كل مكان، ونزلت عليهم الأمطار، وهاج البحر من شدة الريح، فانكسرت المراكب، كذلك الزوارق الصغيرة، وغرق من كانوا فيها جميعاً.

ولكن سيف الملوك وجماعة من مماليكه تعلقوا بزورق صغير، إلى أن سكنت الريح بقدرة الله تعالى وطلعت الشمس، ونظر سيف الملوك حوله فلم ير شيئاً من المراكب، ولم ير غير السماء والماء، فقال لمن معه في الزورق الصغير: أين المراكب والزوارق الصغيرة، وأين أخي ساعد؟ فقالوا له: يا ملك الزمان لم تبق مراكب ولا زوارق، والذين كانوا فيها غرقوا كلهم وصاروا طعاماً للسمك فصرخ سيف الملوك وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم أخذ يلطم وجهه وأراد أن يرمي بنفسه في البحر فمنعه المماليك وقالوا له: أي أمر يفيدك هذا، وأنت الذي فعلت بنفسك هذه الفعال؟

جزيرة الغيلان

لما كانت الليلة الرابعة والتسعون بعد الثلاثمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن مماليك سيف الملوك بعدما منعوه من أن يرمي نفسه في البحر قالوا له: هذا أمر مكتوب من القدم بإرادة بارئ النسم، حتى يستوفي العبد ما كتب الله تعالى عليه، وقال المنجمون لأبيك عند ولادتك: إن ابنك هذا تجري عليه الشدائد كلها، وليس لنا حيلة إلا الصبر حتى يفرج الله عنا الكرب الذي نحن فيه. فتنهَّد سيف الملوك وأنشد هذه الأبيات:

تحيرت والرحمن لا شك في أمري

وأدركني الوسواس من حيث لا أدري

وما حيلتي فيما أعاني من الجوى

ولكنما أمري إلى صاحب الأمر

ثم غرق في بحر الأفكار، وجرت دموعه على خديه كالأنهار، ونام ساعة من النهار، فلما استيقظ طلب شيئاً من الأكل وأكل حتى اكتفى، كل هذا والزورق سائر بهم مع الأمواج والرياح، ولم يزالوا كذلك مدة من الزمان حتى فرغ منهم الزاد، وصاروا في أشد ما يكون من الجوع والعطش والقلق، ثم لاحت لهم على البعد جزيرة، فاتجهوا نحوها إلى أن وصلوا إليها ورسوا عليها، وغادروا الزورق بعدما تركوا فيه واحداً منهم لحراسته.

ثم مشوا في الجزيرة فرأوا فيها فواكه كثيرة من سائر الألوان، فأكلوا حتى اكتفوا، وبينما هم هناك إذا بشخص جالس بين الأشجار، طويل الوجه، أبيض اللحية، صاح منادياً أحد المماليك باسمه وقال له: لا تأكل من هذه الفواكه لأنها لم تنضج، وتعال عندي حتى أطعمك من هذه الفواكه الناضجة. ظن المملوك أنه ممن كانوا معهم، في البحر وغرقوا، وفرح برؤيته غاية الفرح، ثم مشى حتى وصل قريباً منه، فوثب عليه ذلك الرجل وركب فوق كتفيه ولف إحدى رجليه على رقبته والأخرى على ظهره وقال له: ما بقي لك مني خلاص، وستكون حماراً لي طول حياتك.

فصاح المملوك برفقائه: انجوا بأنفسكم من هذه الغابة واهربوا لأن واحداً من سكانها ركبني، ولا بد من أنهم يطلبونكم ليركبوا عليكم مثلي. لما سمعوا ذلك الكلام، هربوا كلهم وركبوا في الزورق وساروا في البحر، بينما وقف أهل الجزيرة على الشاطئ ينادونهم: تعالوا عندنا لنطعمكم ونسقيكم ونركبكم. لما سمعوا منهم هذا الكلام، أسرعوا بالزورق في البحر، ولم يزالوا كذلك مدة شهر حتى لاحت لهم جزيرة أخرى، فطلعوا إليها حيث رأوا فيها فواكه مختلفة الألوان والأنواع، فاشتغلوا بأكلها وبينما هم كذلك إذ وجدوا في طريقهم جسماً ممدداً على الأرض كأنه عمود من فضة، فلكزه مملوك برجله، وإذا هو غول هائل طويل العينين، مشقوق الرأس من تحت إحدى أذنيه، لأنه كان إذا نام يضعها تحت رأسه ويتغطى بالأذن الأخرى، وما رأى أمامه ذلك المملوك الذي لكزه حتى خطفه ومضي به إلى الجزيرة، وكلها غيلان تأكل بني آدم، فصاح المملوك برفقائه وقال لهم: فوزوا بأنفسكم، هذه جزيرة الغيلان التي تأكل بني آدم. لما سمعوا هذا الكلام ولّوا معرضين ورجعوا إلى الزورق ولم يجمعوا من الفواكه شيئاً ثم ساروا به مسرعين.

بعد أيام، وصلوا إلى جزيرة أخرى، وجدوا فيها جبلا عالياً، وغابة كثيرة الأشجار والفواكه، وخرج لهم من بين الأشجار أشخاص طول كل واحد منهم 50 ذراعاً، وأنيابه خارجة من فمه كأنياب الفيل، ورأوا هناك شخصاً جالساً على قطعة لباد أسود فوق صخرة من الحجر، وحوله جماعة من الزنوج في خدمته، فوقف سيف الملوك ومماليكه خائفين.

ابنة ملك الزنوج

لما كانت الليلة الخامسة والتسعون بعد الثلاثمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أن الزنوج أخذوا سيف الملوك ومماليكه وأوقفوهم بين يدي ملكهم وقالوا له: إنا وجدنا هذه الطيور بين الأشجار. فأخذ ملكهم مملوكين وذبحهما وأكلهما، فلما رأي سيف الملوك هذا الأمر، بكي ثم أنشد هذين البيتين:

ألف الحوادث مهجتي وألفتها

بعد التنافر والكريم ألوف

ليس الهموم عليّ صنفاً واحداً

عندي صنوف للهموم ألوف

ثم تنهد وأنشد هذين البيتين:

رماني الدهر بالأرزاء حتى

فؤادي في غشاء من نبال

فصرت إذا أصابتني سهامٌ

تكسرت النصالُ على النصال

لما سمعه الملك، قال لمن معه: هذه الطيور مليحة الصوت والنغمة، فاجعلوا كل واحد منها في قفص وعلقوها إلى جانبي لأسمع أصواتها. فوضعوا سيف الملوك ومماليكه في الأقفاص، وصاروا يطعمونهم ويسقونهم، وهم ساعة يبكون، وساعة يضحكون، وساعة يتكلمون، وساعة يسكتون. ذلك كله وملك الزنوج يستمع إلى أصواتهم، ولم يزالوا على تلك الحالة مدة من الزمان، وكان لذلك الملك ابنة متزوجة في جزيرة أخرى، فسمعت أن أباها عنده طيور لها أصوات مليحة، فأرسلت إليه تطلب منه شيئاً من تلك الطيور، فأرسل إليها سيف الملوك وثلاثة مماليك في أربعة أقفاص مع الرسول الذي جاء في طلبهم، فلما وصلوا إليها ونظرتهم أعجبوها، وأمرت بأن يعلقوا في موضع فوق رأسها، فصار سيف الملوك يتعجب مما جرى له، ويتفكر فيما كان فيه من العز، ويبكي على نفسه، والمماليك الثلاثة يبكون على أنفسهم.

كل هذا وابنة الملك تعتقد أنهم يغنون، وكان من عادتها إذا وقع عندها أسير من جزيرة أخرى وأعجبها، أن تتزوجه وتجعل له منزلة عظيمة، فلما رأت سيف الملوك أعجبها حسنه، وقده واعتداله، فأمرت بإكرامه ومن معه، ثم طلبت منه يوماً من الأيام أن يتزوجها، فقال لها: يا سيدتي أنا رجل غريب، وقلبي لبعد من أهواه كئيب، وما أرضى بغيره. فصارت تلاطفه وتحاول أن تدنو منه، وهو يصدها ويواصل البكاء والنحيب، فلما أعياها أمره، غضبت عليه وعلى مماليكه، وأمرت بأن يخدموها وينقلوا إليها الماء والحطب.

مكثوا على هذه الحالة أربع سنوات، حتى ملَّ سيف الملوك تلك الحال، وأرسل إليها يلتمس أن تعتقهم وتريحهم مما هم فيه، فأمرت بإحضارهم بين يديها، وقالت لسيف الملوك: إن وافقتني على غرضي أعتقك مما أنت فيه، وتروح لبلادك سالماً غانماً، وأخذت تتضرَّع إليه، فلم يجبها إلى مقصودها، وعلى ذلك غضبت عليه وأبقته والمماليك عندها في الجزيرة على حالهم.

وكل أهل الجزيرة يعرفون أنهم طيور ابنة الملك، فلا يتجاسر أحد على أن يضرهم بشيء، ولما تحققت أن لا خلاص لهم من الجزيرة، تركت لهم بعض الحرية، فصاروا يغيبون عنها يومين وثلاثة، ويدورون في البرية يجمعون الحطب من جوانب الجزيرة ويأتون به إلى المطبخ، ومكثوا على هذه الحالة خمس سنوات، وفيما كان سيف الملوك ومماليكه جالسين على ساحل البحر يتحدثون، تذكر أمه وأباه ومملكته، والعز الذي كان فيه، فأخذ في البكاء والنحيب، كذلك بكى المماليك ثم قالوا له: إلى متى تبكي والبكاء لا يفيد؟ هذا أمر مكتوب على جباهنا بتقدير الله عز وجل، وقد جرى القلم بما حكم، وما ينفعنا إلا الصبر لعل الله سبحانه وتعالى الذي ابتلانا بهذه الشدة يفرجها عنا. فقال لهم سيف الملوك: يا إخواني كيف نعمل لخلاصنا من هذه الملعونة، لنستريح من هذا التعب؟ فقالوا: هذه الجزيرة كلها غيلان تأكل بني آدم، وكل موضع وجدتنا فيه تأخذنا منه لتأكلنا أو تأسرنا وتردنا إلى ابنة الملك، فقال سيف الملوك: سأقوم بأمر لعل الله تعالى يساعدنا به على الخلاص من هذه الجزيرة. ثم أمرهم بقطع بعض الأخشاب وصنع حبال من قشرها، وربط بعضها ببعض، فصارت فلكاً وضعوا فيه الفاكهة، وعملوا له مجاديف، وبعد ذلك أنزلوه إلى البحر وركبوا فيه سائلين الله أن يرزقهم الريح الطيب الذي يوصلهم إلى بلاد الهند، وفرحوا بذلك فرحاً شديداً، بعدما أمضوا شهراً وهم يقطعون الأخشاب ويفتلون الحبال، وفي آخر كل يوم يأخذون شيئاً من الحطب ويذهبون به إلى مطبخ ابنة الملك.

وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

وإلى حلقة الغد

غادر مملكته وسط مئات الجنود ذاهباً إلى الصين بحثاً عن حبيبته ابنة ملك ملوك الجان

المراكب تغرق وعليها البضائع والجند ووزيره مساعد قرب شواطئ الصين

ملك الزنوج يأخذ «سيف الملوك» أسيراً ويضعه في قفص الطيور ليستمع لصوته الجميل
back to top