الفنان والناقد التشكيلي د. مصطفى الرزاز: «الذاكرة الزجزاجية» نوستالجيا ملهمة

نشر في 14-06-2017
آخر تحديث 14-06-2017 | 00:02
قدَّم الفنان والناقد التشكيلي د. مصطفى الرزاز أخيراً معرضاً بعنوان «الذاكرة الزجزاجية» عكس تجربته التشكيلية على مدى نصف قرن عبر منحوتات ولوحات تصويرية، أظهرت ولعه بالرسم والتخطيط على الأوراق التي حملت بصمتها وزمانها ومكانها، مستعيداً بها شعوراً بـ«النوستالجيا».
الرزاز الذي ينتمي إلى جيل السبعينيات، لم تثنه المناصب أو مشاغل الحياة عن الرسم، بل تجده يرسم في أي وقت وتحت أي ضغط أو ظرف. حتى إن أصدقاءه يقولون «إن الرزاز إذا استوقفته إشارة مرور سيبادر بالرسم»، مما يعكس شغفه الشديد بهذا المجال الذي قدم خلاله 130 معرضاً فردياً، فضلاً عن مئات المشاركات الجماعية وإصدار كتب فنية عدة. معه هذا اللقاء.
قدمت أخيراً معرضاً تشكيلياً بعنوان «الذاكرة الزجزاجية». ماذا عنه؟

المعرض بمنزلة إعادة ذاكرتي إلى الضوء، أو بالأحرى إعادة فرز واختيار ذاكرتي ووضع اللمسات الحديثة عليها. قلّبت في آلاف الرسومات التي أنجزتها في أماكن متفاوتة ومتباعدة في أرجاء العالم، وفرزت الأوراق التي رسمتها منذ عام 1962، ووجدت رسومات معينة لفتت نظري بشكل استثنائي واكتشفت فيها أموراً لم تلفتني عند رسمها في الستينيات. فبمرور السنوات، تتغيّر ثقافة الإنسان وتتطوّر، وعندما أنظر إلى هذه الرسومات أتذكر أن البيت الذي رسمته لم يعد موجوداً بل أصبح أسفل قاع بحيرة ناصر، والناس الذين كانوا يقطنون المناطق انتقلوا إلى أماكن أخرى، والأشخاص الذين رسمتهم منذ نصف قرن تجاوز الأحياء منهم 90 عاماً. مثل هذه الأمور تعطيني مشاعر وكأنني اخترقت الزمن وسرت في طريق تركته، ولكن جاءت الفرصة للمرور به مجدداً.

اخترت مجموعة من هذه الرسومات ورسمتها بحجم أكبر ولونتها بطريقتي الخاصة في التلوين اليوم، فزاوجت بين الفكرة الطازجة في الستينيات والفكرة الراهنة، ما يعني أني أذهب إلى 50 عاماً في تاريخي ثم أعود، أي أني أتجوّل في تاريخي الشخصي ذهاباً وإياباً، هذه هي «الفكرة الزجزاجية».

تولدت لديك فلسفة معينة خلال الإعداد للذاكرة الزجزاجية.

بالطبع. يشبه هذا الأمر الشخص الذي يحتضر، إذ يمرّ أمام عينيه شريط الذكريات في وقت وجيز، وهنا أرى الفن بديلاً مسالماً للموت والعنف، ينفِّس عن مكبوتنا القاسي ويخرج على صورة فن.

جمعت بين النحت والتصوير في المعرض كعادتك في السنوات الأخيرة.

النحت بالنسبة إليّ جزء من اللوحة، بمعنى أنه يمكن استخراج رسم من لوحتي وتحويلها إلى عمل نحتي، أو بناء لوحة على منحوتة. النحت والتصوير يولدان معي في وقت واحد، ومنحوتاتي لا تنفصل عن التصوير.

الخل الوفي

تتميز بالإنتاج الغزير، حتى أن بعض أصدقائك يردد أن «مصطفى الرزاز إذا استوقفته إشارة مرور سيرسم». ما سبب هذه المقولة؟

لهذه المقولة قصة. عقد د. ثروت عكاشة عام 1966 اجتماعاً للمسرحيين والسينمائيين والأدباء والشعراء والتشكيليين في القاعة الكبيرة بالغرفة التجارية بباب اللوق، ودعا مجموعة من الشباب آنذاك من بينهم فرغلي عبد الحفيظ وأنا، وكان يسبقنا عمراً كل من محمود سعيد، وراغب عياد، وأحمد صبري، ومن الجيل التالي ندا الجزار، وعفت ناجي. انكمشنا وجلسنا في الخلف. قلت لفرغلي: «هؤلاء الأشخاص يبدون كالمتسولين إذ يقولون إنهم لن يرسموا إذا لم تدعمهم الدولة. فقالت الفنانة عفت ناجي، زوجة الراحل سعد الخادم: «أنا مندهشة من الزملاء سأرسم حتى آخر يوم بحياتي، وأرسم لأن الرسم بالنسبة إليّ للتنفس وإن لم أرسم سأموت». وكانت الملاحظة المهمة التي ذكرها فرغلي عبد الحفيظ أن الأسماء الكبيرة في القاعة معظمها لم يعد يرسم من نحو 30 عاماً، وتساءلت: لماذا لا يرسم الفنانون طوال حياتهم؟ أصبت بنوع من الخوف والفوبيا من أن يمنعني سبب ما من الرسم. لذلك حرصت على الرسم كل يوم، وعندما أعطي محاضرات للفنانين الشباب أقول لهم إن الفن كالخل الوفي، إذا انقطعت عنه ثلاثة أيام يبتعد عنك. كنت مرعوباً من الانفصال عن الرسم، فكنت حريصاً على الرسم في أي وقت وتحت أي ظرف.

لكن كيف تسنت لك ممارسة الفن التشكيلي والكتابة خلال قيامك بمهام وظيفية مهمة كرئاستك هيئة قصور الثقافة أو عملك الأكاديمي؟

الفن والقراءة بالنسبة إليّ جزء من إيقاعي اليومي. ركبت كشافاً في الكرسي الخلفي ورفاً للقراءة والرسم أحياناً، لأن نوعاً من الرعب تملكني منذ البداية وهو التمسك بالرسم كي لا أخسره أو أنفصل عن الفن. كنت عند خروجي من الهيئة أذهب للعمل في مرسمي أو إلى معمل النحات حليم يعقوب، ثم أعود إلى الهيئة للعمل مجدداً، وأكثر وقت اشتغلت فيه فناً كان خلال العامين اللذين أمضيتهما في الهيئة، واستفدت من هذه الفترة، إذ زرت كل جزء في مصر وشاهدت مواهب شتى في مناطقها المختلفة.

أصدرت كتباً عدة عن فنانين كثيرين، فضلاً عن تقديمك معارض في كتالوغات فنية. على أي أساس تأتي كتابتك عن فنان ما؟

أنا مهتم جداً بالكتابة. عندما أكتب عن فنان، لا بد من أن تكون لي خبرة حقيقية عنه. أحب الكتابة لأنها ترجمة للخبرة الحية الخاصة بي عن الفنانين. مثلاً، قدمت كتاباً بعنوان «خمسة فنانين من مصر» عن النحات آدم حنين، ومحيي الدين حسين، ومصطفى أحمد، وعبد الهادي الجزار، في المقدمة ذكرت أن الكتاب حصيلة دراسات قمت بها خلال 30 عاماً. كذلك أصدرت عن الفنان الراحل عبد الرحمن النشار بعد وفاته كتاباً، وكان أن دخلت إلى حجرته وطلبت من زوجته د. زينب السجيني أن تحضر لي الرسومات كافة التي رسمها النشار، وفحصت مكتبته ولاحظت الأمور التي كان يعطيها الأهمية وكتبت عنها.

عندما يتقدَّم المبدع في العمر، هل يعتمد على تجربته أم يطورها؟

يتوقف هذا الأمر على طموح الفنان. إذا اعتمد على تجربته واكتفى، يكون بذلك ينهي عمله بنفسه. وإذا اعتمد على خبراته فحسب رغم أنه في الأربعين من عمره، فهو بذلك يعود إلى استخدام المفردات الموجودة في قاموسه ويستهلكها، من ثم يكرر نفسه فيصبح عمله ذابلاً. لذا أؤمن بأن الفنان لا بد له من الاستطلاع والدراسة والبحث والتجريب.

فن القيادة

تولّى د. مصطفى الرزاز مناصب قيادية عدة، ويرى أن الصفات المطلوب توافرها في القيادي الناجح أن يكون مؤهلاً، وعلى علم وخبرة بنوعية العمل الذي سيمارسه، ولديه رأيه وقناعته الخاصة كي يتخذ القرار من دون أن يخشى رؤساءه.

حصل الرزاز على دكتوراه في الفنون من جامعة نيويورك عام 1979، بعدما أتمّ دراسته الجامعية في كلية التربية الفنية في الزمالك جامعة القاهرة. مارس العمل الفني بدءاً من عام 1962 وكان طالباً، وأقام عشرات المعارض الفردية والجماعية، وحصل على جوائز عدة في صالون القاهرة، وجمعية محبي الفنون الجميلة وجوائز وشهادت دولية عدة.

شغل منصب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية، والتي تأتي كواحدة من أهم ثلاث مؤسسات ثقافية في مصر، بعد أكاديمية الفنون التي تعد الكوادر التعليمية، والمجلس الأعلى للثقافة الذي يهتم بثقافة النخبة، ثم الهيئة العامة لقصور الثقافة التي تتولى تفعيل النشاط الثقافي في جميع أنحاء مصر. كذلك أصدر كتباً ودراسات عن الفن والفنانين والتراث والقضايا الثقافية.

منحوتات ولوحات عمرها 50 عاماً تعود في ثوب جديد
back to top