كوبا المعزولة لا تعني كوبا الحرة

نشر في 13-06-2017
آخر تحديث 13-06-2017 | 00:11
 ريل كلير عندما مات الرئيس الكوبي فيدل كاسترو في شهر نوفمبر شكّلت ردود الفعل التي صدرت عن الرئيس أوباما آنذاك والرئيس المنتخب ترامب نموذجاً في التناقض، فأعرب أوباما عن ميل إلى التفاؤل متطلعاً إلى مستقبل أكثر إشراقاً لكوبا بعد تحررها من فيدل، في حين ركّز ترامب على الماضي منتقداً عقوداً لا يمكن إصلاحها من المعاناة الإنسانية خلال عهد كاسترو.

ورغم اختلافهما حملت كلتا الرسالتين قيمةً، فقد أصاب ترامب في تحديده وانتقاده إرث كاسترو الحافل بـ"فرق الإعدام، والسرقة، ومعاناة لا يمكن تخيلها، والفقر، وانتهاك حقوق الإنسان الأساسية"، في حين أشار أوباما إلى أحد أوضح نجاحات السياسة الخارجية في إدارته: تنظيم تحسّن تاريخي في العلاقات الأميركية-الكوبية في مجال الدبلوماسية، والتبادل الثقافي، والتجارة على حد سواء.

لكن هذا النجاح لم يقر به ترامب آنذاك، وما زال ميالاً اليوم إلى إبطاله بعدما حل محل أوباما في البيت الأبيض، وكما أفادت صحيفة "نيويورك تايمز"، تشمل الخيارات الرئيسة التي تُدرس عكس تخفيف قواعد السفر الذي شهدناه في عهد أوباما وحظر كل أنواع التجارة بين الشركات الأميركية ونظيراتها الكوبية التي تملك روابط عسكرية (يُعتبر هذا الاقتراح الأخير أكثر تعقيداً مما يبدو، بما أن الجيش الكوبي، على غرار جيوش الكثير من الحكومات المستبدة، يغرز مخالبه عميقاً في اقتصاد الجزيرة).

مهما كانت الخيارات المطروحة على الطاولة تُعتبر أي عودة إلى سياسة العزلة التي ثبت فشلها خطأ كبيراً متعمداً، لأن هذه الخطوة تجعل التقدم نحو دولة كوبية حرة أكثر صعوبة وتعيد ترسيخ سلطة نظام هافانا القاتمة.

لا تشكّل هذه حجة تدعم حزباً محدداً، ولا شك أن أوباما مسؤول عن تحسّن العلاقات الأميركية-الكوبية، ولكن قبل إدارته كان الحفاظ على العزلة السياسية معتمدا من كلا الحزبين في واشنطن، أما اليوم فينتمي عدد من أبرز مؤيدي التقارب في الكونغرس، وخصوصاً السيناتورين راند بول (ممثل كنتاكي الجمهوري) وجيف فلايك (ممثل أريزونا الجمهوري) إلى حزب ترامب، ويدرك هؤلاء أن كوبا المعزولة لا تعني كوبا الحرة.

كتب بول عام 2014 أن على مَن يسعون إلى حمل هافانا على احترام الحقوق والحريات الفردية "أن يدعموا التقارب، والدبلوماسية، والتجارة" لأن "الشعب المستعبد، عندما يذوق طعم الحرية ويرى منتجات الرأسمالية، يصبح متعطشاً هو نفسه للحرية". إذاً يشكّل التفاعل لا العزلة السبيل إلى حمل الولايات المتحدة كوبا سلمياً على الخروج من التوتاليتارية إلى الازدهار الذي تبدو بأمس الحاجة إليه.

على غرار بول لا يُعتبر فلايك منتقداً خجولاً لحكومة كاسترو، إلا أنه يقدّم حججاً مماثلة، فقد ذكر في مقابلة معه السنة الماضية: "ما يزعجني أننا ننادي نحن الجمهوريين بالتفاعل، والتجارة، والتبادل، والسفر، ورغم ذلك نبدّل مواقفنا في التعاطي مع كوبا ونقول: كلا، لن تنجح هذه الطريقة هنا". يساهم الحظر الذي تفرضه الولايات المتحدة على التجارة والسفر في إبقاء اقتصاد كوبا ضعيفاً وشعبها جاهلاً، على حد تعبير فلايك، مما يمنح "نظام كاسترو كبش محرقة ملائماً يستغله في تبرير إخفاقات الاشتراكية".

غلّف ترامب وفريقه درسهم في الرجوع عن انفتاح أوباما بمصطلحات إنسانية، ولكن إذا كان الرئيس صادقاً حقاً في رغبته في تعزيز الحرية في كوبا، فعليه ألا يعود إلى سياسة العزلة التي أخفقت في الماضي، إذ تشكّل الدبلوماسية المفتوحة والتجارة الحرة مع الولايات المتحدة أمل كوبا الرئيس بالتقدم نحو أسس حقوق الإنسان ومستوى العيش، كذلك تُعتبران أمل الولايات المتحدة الأفضل للحصول على شريك تجاري ودود ومزدهر قرب حدودها.

إذاً تبقى الطريقة الوحيدة لتسعى إدارة ترامب إلى تحقيق هدفها المعلَن بتحرير كوبا أن تبعد واشنطن من الطريق وأن تسمح للشعب الأميركي بالسفر إلى كوبا والمتاجرة مع جيرانه الكوبيين كما يحلو له، فالتفاعل لا العزلة هو ما يروي بذور الحرية في كوبا.

* بوني كريستيان | Bonnie Christian

back to top