صلاح جاهين... العصفور الحزين (3 - 15)

الهروب إلى الفن

نشر في 13-06-2017
آخر تحديث 13-06-2017 | 00:05
خضع صلاح جاهين لرغبة والده، والتحق بكلية الحقوق. لكن الفنان تمرّد على القانون سريعاً، فاتخذ من الجامعة محطة انطلاق لمواهبه في الشعر والأدب والرسم. ولأن صلاح جاهين من الشخصيات القلقة لم يتمكّن من مواصلة التعليم وبدأ يركض بثقة خلف أحلامه المدعومة بموهبة فذة، فبدأ العمل في الصحافة، وقرض الشعر، وتعرف إلى الفنان الشعبي الكبير زكريا الحجاوي، الذي أدرك بحسه المرهف أنه أمام موهبة كبيرة، فبدأ يدل صلاح جاهين على أول الطريق الصحيح.
من المؤكد أن من يتلمسون في أنفسهم موهبة ما، سواء اكتشفوها بأنفسهم، أم أشار أحد إليها، فإنهم يضعون نصب أعينهم أحد النماذج الفارقة في عالم الإبداع، ليسيروا خلفه، أو يتخذونه مثلاً أعلى أو هدفاً يسعون إلى تحقيقه. غير أن المشكلة الكبيرة التي وجد صلاح الدين بهجت نفسه، غارقاً فيها، هي أنه أراد أن يكون «كثيرين» في وقت واحد. أحب الأدب والشعر والمسرح والتمثيل، فأراد أن يكون شكسبير. كذلك أحب الموسيقى والغناء، فأراد أن يكون بيتهوفن. كذلك أحب الفن التشكيلي، فأراد أن يكون بيكاسو.

أحب صلاح جاهين الفنون كلها، لكنه لم يكن ليرضى بأن يحصر نفسه في لون واحد، ويكون وجوده هامشياً في بقية الألوان. إلا أنه وجد نفسه محاصراً بعادات وتقاليد، غير مسموح له بتجاهلها، وأصول تكبله لتحدّ من انطلاقه، فهو يحلم بأن يطير كعصفور طليق، يتنقل من زهرة إلى أخرى، ومن بستان إلى آخر. لكنه شعر بأن كل أحلامه ضاعت بإصرار والده على أن يلتحق بكلية الحقوق، ليجلس يوماً مكانه فوق «منصة القضاء».

حرص صلاح على إرضاء والده، لكنه لم يستطع أن يتخلى عن أحلامه وحبه للإبداع بأشكاله كافة، فمنذ أن كتب أول محاولة لنظم قصيدة في رثاء شهداء تظاهرات الطلبة عام 1936، وهو لا يزال طفلاً لم يتخط السادسة من عمره، ولم تنقطع محاولاته. ومنذ أن عشق الموسيقى وحاول فهمها، لم يتخل عنها، بل ظلت تعزف في داخله بقوة. كذلك لم تكف يده عن اللعب بالفرشاة والألوان. غير أن ما ظلّ بعيداً عنه وصعب المنال، هو التمثيل، إذ لم يستطع أن يمارسه رغم حبه الجارف له. كذلك لم يستطع أن يبتعد عنه أو ينساه، وفي الوقت نفسه لم يمل من فتح هذا الموضوع مع والدته، والمشكلة أنها لم تكن مقتنعة بالأمر.

ورغم التحاقه بكلية الحقوق لتحقيق رغبة والديه، فإنه لم يحضر محاضرة واحدة لأي من أساتذتها، بل تفرغ لإبداعاته، فلم ينقطع عن كتابة الشعر أو الرسم، وراح يرسم لوحات درامية تتضمّن حشوداً من الناس، تشبه إلى حد كبير المسرح، كذلك حرص على سماع الموسيقى وأغاني سيد درويش، الذي عشق ألحانه وكلمات أغانيه، لقربهما الشديد من العامة والبسطاء والعمال والفلاحين والحرفيين، كذلك ألحان وأغاني الشيخ زكريا أحمد، فضلاً عن الأغاني الإسبانية والروسية، إلى جانب مجالسة الأدباء والمبدعين، وحضور الندوات الفنية والأدبية، والأمسيات الشعرية، التي يقرأ خلالها ما يكتبه من أشعار، استقاها من الحوادث المتلاحقة سياسياً واقتصادياً واجتماعاً.

أول قصيدة

ما إن انتهت الحرب العالمية الثانية، حتى بدأ المصريون ينادون مجدداً بجلاء الإنكليز عن مصر، إذ اجتاحت الشباب المصري نوبة وطنية من نوع جديد، اختلطت فيها الثورة الاجتماعية بالثورة على الاستعمار، فأصبح حب الوطن والرغبة في إنقاذه مختلطين بأماني الشباب الشخصية في الحب والاستقرار، في كل شيء، حتى المأكل والملبس ومستوى المعيشة عموماً. من ثم، انعكس هذا الشعور على الأدب، في الرواية والقصة، وبالتالي في الشعر والنثر. انفعل الجميع بالحالة العامة التي تجتاح الوطن بأكمله، فكتب صلاح أول قصيدة حقيقية وهو لا يزال في السادسة عشرة من عمره، يرثي فيها شهداء الوطن الذين سقطوا في تظاهرات الطلبة بالمنصورة عام 1946، قال فيها:

كفكفت دمعي ولم يبق سوى الجَلَد

ليت المـراثي تعيد المجـد للبلد

صبراً ... فإنا أسود عند غضبتنا

من ذا يطيـق بقـاءً في فم الأسد

توالت قصائد الفصحى التي كتبها صلاح، متأثراً بالحالة الوطنية التي كانت تملأ البلاد بطولها وعرضها، وزادت منها مشاركة مصر والأقطار العربية في حرب تحرير فلسطين عام 1948، التي راح الأدباء والشعراء يتابعونها عن كثب، ما أعاد إلى ذهن صلاح ما رواه له جده الصحافي أحمد حلمي، عن أجواء حادث دنشواي 1906، وثورة 1919، وما تبعهما من حوادث سياسية. حتى أنه انفعل بشدة وشعر بالقهر والحزن، يوم إعلان استشهاد البطل المصري أحمد عبد العزيز في «الفالوجا» خلال مواجهة الجيش العربي مع الصهاينة على أرض فلسطين العربية، فكتب قصيدة يقول مطلعها:

أقبل الجلد وولى الجبناء

وبدا طيف المنايا في الفضاء

مارقا بين الشظايا جاثما

بين ألغام الدمار الدفناء

بركان الفن

كان نتيجة عدم رضا صلاح عن الالتحاق بكلية الحقوق تعثّره في دراسته، حتى رسب عامين متتاليين في السنة الأولى في الكلية، فقرّر من دون علم والديه الدراسة في كلية الفنون الجميلة، وشعر للمرة الأولى بأنه سار في الطريق الصحيح. غير أنه ما إن انتظم في الدراسة، حتى اكتشف أنها لم تضف إليه الكثير، إذ كان يؤمن إيماناً راسخاً بعدم جدوى التعليم بالأساليب التقليدية، وسرعان ما عاد إلى حياة «الصعلكة» وحضور الأمسيات والندوات، والذهاب إلى بيت الفنانين في وكالة الغوري.

هناك تعرف جاهين إلى فنانين كثيرين، وراح يمضي معهم وقته، بين الألوان واللوحات، يرسم ولا يرضى عن رسمه، فيمزقه، رغم إعجاب كل من حوله به، ويعيد الرسم كأنما يبحث عن شيء لا يعرفه سواه، ولا تطاوعه يده في الوصول إليه، وهو لم يجده لدى أساتذته في الفنون الجميلة. من ثم، لم يكمل الدراسة فيها، وعاد إلى الحقوق، ليس حباً فيها، بل من أجل الحصول على شهادة يرضي بها والديه، وهو ما حرصت عليه شقيقته «بهيجة» التي التحقت بكلية الحقوق، من أجل تحقيق حلم والدها الذي لم يستطع صلاح أن يحققه.

رغم عودة صلاح إلى كلية الحقوق، فإنه لم يستطع أن يكبت بركان الفن داخله أكثر من ذلك، فكان رفضه هذه المرة قاطعاً في الاستمرار في دراسة لم يجد فيها نفسه، كدراسة الحقوق، أو دراسة لم تضف إليه في الفنون الجميلة، مقرراً أن يعمل في الصحافة «رساماً» ينشر من خلالها رسومه، التي يجد من خلالها نفسه، فكان لا بد من أن يحدث الصدام المرتقب مع والده:

=يظهر إن أنا السبب لأني أديتك الحرية ووثقت فيك. لكن أنت ما كنتش أد المسؤولية... وسبت نفسك للفشل والضياع.

*حضرتك ده مش فشل... كل الحكاية إني مش قادر أدرس حاجة ضد إرادتي.

= وإيه هي إرادتك... ما أنا عرفت أنك رحت درست في فنون جميلة. حتى نوع الدراسة دي اللي أنت بتقول إنها مع إرادتك... فشلت فيها.

* لأن الدراسة دي حضرتك ما أضافتش ليا شيء.

= طب قوللي إيه الدراسة اللي ممكن تضيف لحضرتك يا أستاذ صلاح... ولا أنت شايف أنك أكبر من أي دراسة؟

* أنا ماقولتش كده... لكن أنا...

= أنت إيه؟ أنت فاشل وهتفضل طوال عمرك كده متخبطاً... مانتش عارف عايز إيه. ضيعت تلات أربع سنين من عمرك علشان أنت مش عارف عايز إيه. كان زمانك خلصت دراسة وهتبدأ حياتك العملية. لكن لسه حضرتك مش عارف أنت عايز إيه.. ومش عارف فشلك ها يوديك لحد فين؟

* أنا عايز أعمل الشيء اللي يناسبني وبحبه!

= لما تبقى تتخرج أبقى أعمل اللي أنت عايزه... لكن لحد ده ما يحصل اللي أقوله أنا هو اللي يمشي وتعمله من غير مناقشة.

* صدقني حضرتك أنا هعمل الشيء اللي إن شاء الله بكرا هتتشرف بيه.

=هو إيه؟ بكرة ده اللي هو أمتى؟ بكرا بتاعك ده مش باين له ملامح زي مستقبلك.

* أقسملك أن بكرة الناس هتشاور على حضرتك وتقول أهو ده والد صلاح جاهين.

= بعد كل سنين عمري في القضاء الناس هتعرفني بك أنت؟ ثم مين صلاح جاهين ده؟

* أنا يا بابا... هو برضه مش جدنا الكبير اسمه جاهين.

= صح. أنت اتصرفت صح... لأن ما ينفعش تشيل اسمي وتبهدله معاك. لكن أنا مش هسمحلك تعمل كده... أنت من بكرا لازم ترجع الحقوق تاني.

صعلكة وسفر

في إثر تلك المشادة العنيفة بينه وبين والده، غادر صلاح جاهين المنزل من دون أن يطلع أحداً على مقصده، متوجهاً إلى بيت الفنانين في «وكالة الغوري»، حيث استضافه أحد أصدقائه من الفنانين التشكيليين ثلاثة أيام، تدبّر خلالها أموره وسافر إلى عمه في غزة، بعد فترة أمضاها هناك. ما إن علم عمه بمشاكله مع والده، حتى اتصل بوالد صلاح وأطلعه على الموقف، فاضطر صلاح إلى مغادرة غزة عائداً إلى القاهرة، حيث نزل ضيفاً على أحد أصدقائه، وقرأ إعلاناً عن وظيفة مصمم «مجلات» في المملكة العربية السعودية، فتقدَّم إليها ثم سافر من دون أن يخبر أحداً، ولم يعلم والداه إلا بعد سفره فعلاً.

استطاع والده أن يعرف مكان عمله في المملكة العربية السعودية، ولم يجد أمامه سوى أن يرسل خطابا إلى نجله الوحيد، يحثّه فيه على العودة إلى القاهرة، ويختار الطريق الذي يريد المضي فيه، وتحديد مستقبله بنفسه من دون تدخل أحد. عندئذ، ما كان منه إلا أن عاد، والتحق بالعمل في جريدة «بنت النيل» حيث عمل على «توضيب» الصفحات، بمعنى الإخراج الفني لها، فكان يضع الموضوعات والصور في الصفحات قبل أن تذهب إلى المطبعة. غير أنه كان يجد فيها مساحات لا تتضمن كلاماً أو صوراً، فطلب منه مدير التحرير أن يملأ الأماكن الخالية بالرسوم.

ولأن الكسل من طبعه كان يرسم في اللحظات الأخيرة قبل أن يرسل الصفحات إلى المطبعة، فوجد الرسوم تخرج في شكل كاريكاتور، فانتبه إلى ذلك، وبدأ بدراسة خطوط الرسامين في الساحة، فلم يكن على ساحة الكاريكاتور آنذاك سوى خمسة رجال مخضرمين يجيدون صناعة فن الكاريكاتور هم: رخا، وزهدي العدوي، وعبد السميع، وأحمد طوغان، والأرمني صاروخان. لكنه وجد أن عبد المنعم رخا هو الأقرب إلى نفسه وإلى خطوطه، فحاول أن يتّخذ من رسومه ملهماً له، من دون أن يقع في فخ تقليده، سواء في الخطوط، أو التعليق.

الشعر أولاً

رغم اشتغال صلاح جاهين وانشغاله بالرسم، فإنه لم يفارق كتابة الشعر لحظة. ما إن كان ينتهي من «توضيب» صفحات الجريدة، حتى يبدأ حياته كشاعر، سواء بالكتابة أو حضور ندوة شعرية، أو التنقيب عن ديوان شعري جديد، فينطلق بقراءته، فإذا أعجبه بحث عن صاحبه. غير أنه خلال رحلة البحث هذه، عثر على موهبة ضخمة أخرى تركت في نفسه أثراً عظيماً، إذ التقى بالكاتب والفنان الشعبي زكريا الحجاوي، عاشق تراب مصر الأصيل. منذ اللقاء الأول بينهما قدم صلاح جاهين نفسه إليه كشاعر، فنظر له الحجاوي متفحصاً وباغته بسؤال لم يخطر على باله:

= شاعر مرة واحدة؟

* هو مش بالظبط... بس زي ما تقول كده.. بحاول أكتب شعراً.

= وعايز تكتب شعر ليه يا عم صلاح؟

* علشان أقول: تارارارا تارارارا

=برافو عليك. افتكرت هتقوللي علشان أعبَّر عن إحساسي ومكنوناتي. لكن طالما علشان تقول تارارارا. يبقى اكتب... اكتب وقول اللي أنت عايزه.

نشأ زكريا الحجاوي في أسرة ذات تقاليد راسخة، ترجع أصولها إلى قبيلة الحجاوية بالعريش، وعاش طفولته على ضفاف بحيرة المنزلة التي تنفرد بسطوع ضوء القمر على وجه مياهها الهادئة، وأشرعة المراكب الراسية على سطحها، وصوت الصيادين الشجي الذي لم ينقطع عن الغناء أثناء عمليات الصيد في الليل والنهار. كذلك تفتحت أذناه على أغاني سيد درويش التي كانت تنبعث من «الغرامفون» بمنزل الأسرة، ما أثرى ذائقته الموسيقية بقدرات فنان الشعب التعبيرية، فكان لذلك فعل السحر في روح الحجاوي، ووجدانه واتجاهه نحو فنون الموسيقى والغناء والمسرح والقصة القصيرة.

اكتملت دائرة السحر في سهرات «المداحين» المفعمة بالأدعية والتواشيح وسيرة الرسول الكريم، ورواة السير الشعبية، فقرّر الحجاوي متابعتهم، سواء في الدقهلية أو خارجها، وواصل مشواره مع الفن الشعبي وتقديم «سير التراث» من خلال «المداحين»، وربطها بالحوادث السياسية الجارية، مولياً «فن المربع» اهتماماً خاصاً، وهو نوع من الشعر الشعبي الصعيدي يتكوَّن من أربعة سطور ويشترط فيه، كما في معظم الشعر الشعبي عموماً، أن تكون اللفظة المنتهية بنهاية كل بيت منه تطابق في حروفها القافية التالية، وإن اختلف المعنى أحياناً، فهو فن قولي يعتمد اللغة الشعبية أداة له مع أداة أخرى، هي الإيقاع الموسيقي المحدد، وتتجاوز لغته الشعبية حدود قواعد النحو والصرف.

تأثّر صلاح بفن زكريا الحجاوي، خصوصاً أنه وجد هوى كبيراً في نفسه، وأعاده إلى رحلاته في القطر المصري، متنقلاً خلف والده من مدينة إلى أخرى، فتكوّن لديه مخزون فني شعبي كبير، حاول أن يصقله بالتعرف إلى تجارب أخرى وقع في غرامها، فهو عشق إلى جانب الحجاوي تجربة سيد درويش وبديع خيري، مثلما استمتع بتجربة زكريا أحمد وبيرم التونسي، وإن كان في الوقت ذاته راح يبحث لنفسه عن مكان خاص به، لا يشبه فيه كل من حوله، وراح يستدعي مخزونه الفني ليخرجه ببراعة شعراً ورسماً، حتى وقعت عيناه على هذه الأبيات الشعرية:

في سجن مبني من حجر

في سجن مبني من قلوب السجانين

قضبان بتمنع عنك النور والشجر

زي العبيد مترصصين

شاعر عامية

ما إن قرأ له صلاح جاهين هذه الأبيات العامية، حتى انبهر بها، وقلبت موازينه وحساباته الشعرية، فبدأ بالبحث عن كاتبها. عرف أنه شاعر مصري من أصل لبناني اسمه فؤاد سليم أمين حدٌاد، مولود في حي الظاهر بالقاهرة، في 28 أكتوبر 1928، لأب مصري من أسرة مسيحية بروتستانتية، وتزوج بفتاة مصرية كاثوليكية من أصل سوري، وأنجبا فؤاداً، تيمناً باسم ملك مصر «فؤاد الأول»، ونال الأخير تعليمه في مدرسة الفرير، ثم الليسيه، ونشأت لديه رغبة كبيرة في الاطلاع والمعرفة على التراث العربي شعراً ونثراً، الذي وجده في مكتبة والده، فضلاً عن اطلاعه على الأدب الفرنسي. وانطلاقاً من قناعة فؤاد منذ طفولته، ما إن سأله والده عن رغبته في ما يريد أن يحققه في مستقبله قال:

=عايز أبقى شاعراً.

-شاعر... جميل... بس ليه شاعر؟

=لأني نفسي أساعد الناس علشان تبقى حياتهم أحسن.

من منطلق رغبته في الوصول إلى الناس لمساعدتهم، اختار فؤاد حداد «اللهجة العامية المصرية»، لغة البسطاء الذين يريد أن يعبِّر عنهم ويصل إليهم، لتكون لغته الشعرية. كذلك انضم في سنوات شبابه الأولى إلى تنظيم شيوعي، الحركة الديمقراطية للتحرّر الوطني «حدتو»، رغم أنه من أسرة أرستقراطية، ما كان سبباً في اعتقاله عام 1950. وخلال فترة اعتقاله، اعتنق الدين الإسلامي، فكانت تجربته غاية في الثراء الشعري والإنساني.

عرف صلاح الأمور كافة عن شاعره الذي أعجب بتركيبته الشعرية والإنسانية، فوضعه منذ تلك اللحظة في رأسه، وراح يتعقب أشعاره وأخباره.

والكون ده كيف موجود من غير حدود

وفيه عقارب ليه وتعابين ودود

عالم مجرب فات وقال سلامات

ده ياما فيه سؤالات من غير ردود

عجبي!!

...

غدر الزمان يا قلبي مالهوش أمان

وحاييجي يوم تحتاج لحبة إيمان

قلبي ارتجف وسألني.. أأمن بإيه؟

أأمن بإيه محتار بقالي زمان

عجبي!!

...

يا باب أيا مقفول.. أمتى الدخول

صبرت ياما واللي يصبر ينول

دقيت سنين.. والرد يرجع لي: مين؟

لو كنت عارف مين أنا.. كنت أقول

عجبي!!

...

أنا شاب لكن عمري ولا ألف عام

وحيد ولكن بين ضلوعي زحام

خايف ولكن خوفي مني أنا

أخرس ولكن قلبي مليان كلام

عجبي!!

...

أحب أعيش ولو أعيش في الغابات

أصحي كما ولدتني أمي وابات

طائر.. حُوان.. حشرة.. بشر.. بس أعيش

محلا الحياة.. حتى في هيئة نبات

عجبي!!

صلاح جاهين

البقية في الحلقة المقبلة

الابن يخضع لرغبة الأب في الالتحاق بكلية الحقوق كي يتمكن من التفرغ لملاحقة أحلامه

كتب أول قصائده في رثاء شهداء الحركة الطلابية عام 1946 وهو في الـ 16 من عمره

ترك الجامعة بحثاً عن موهبته... والصدام مع والده قاده إلى السفر إلى السعودية
back to top